2008/09/24

2- إرث وورثة

أي سلطة هذه التي تجعل نفر من الناس يتبخترون على عباد الله ويذللوا لأولياء عهدهم من بعدهم العزيز من أعناق الرجال ، ويخضعوا لهم النفيس من كرائم شمائلهم ؟ وأي شهوة تلك التي تثير في نفوس هؤلاء النفر كل هذا الشبق المحموم والمختلط بدم ولحوم رعايهم ؟ وأية لذة يجدونها وهم يستعمون لأنات وصرخات الصرعى تحت ظلال من إصكاك السيوف بالعظام ذاهبة بما بقى من هامات عالية ونفوس شريفة ؟ وأي مغنم هذا الذي يجنونه من أفواه فارغة ، وبطون خاوية ومن ألسن ُعقدت فلم تعد حتى قادرة حتى عن المجاهرة بالشكوى أو البوح بها ؟ فأي مجد يبنونه وأية أسوار يرفعونها ؟ لا ريب أن هذه التساؤلات وغيرها مرت على خواطر كسيرة وذكريات أسيفة لبعض منا ، وحار الكثير جواباً لها ، لكنه هو الإرث أعزائي .. ذلك البريق اللامع الذي خطف القلوب قبل الأبصار فهيمن على حفنة من مرضى العقول والأفئدة فتسلطوا على خلق كخلقهم ونفوس كنفوسهم ، إننا في الواقع إزاء حالة نفسية مرضية أكثر منها إشكال سياسي أو تنظيمي ، فأصحاب العقول وذوي الألباب والفطن يأبون إلا الراحة من عناء الترف وثقل الصولجان لما يعلمونه من عاقبة أو مآل ، وهذه الحقيقة ليست بخافية على أحد من هؤلاء الظلمة المتسلطين ، إنما لا تتبدى لهم واضحة ولا يعاينونها معاينة الحاذق اللبيب إلا لدى إنفلات أرواحهم وإنطمارهم في الموحش من ذاكرة شعوبهم ، فلما التقاتل عليها إذن ، والحب والبغض فيها ؟


إن كان للمرء منا إلمام ولو عابر بالتاريخ لسهل عليه إدراك أن قيام المعاصرين من حكام العرب والمسلمين بتوريث مقاليد حكمهم لمن يلوونهم من إبن أو أخ أو عشيرة ليست ظاهرة لا بالجديدة ولا بالمستحدثة وإنما هي في الواقع ظاهرة عميقة بل متجذرة في تاريخنا الإسلامي والعربي ومنذ بداياته الأولى ، وأمر التوريث ربما كان مبرراً بل ومعقولاً أحياناً في تلك العهود الغابرة ، ذلك أن الأمر كان يتعلق في النهاية لا بدولة بالمفهوم والمدلول السياسي لها كما نعرفه في تاريخنا الحديث أو المعاصر، بل كانت نظم الأسرة ومصالح العائلة وشرف القبيلة هي التي كانت تشكل وجدان النظم السياسية والإقتصادية والإجتماعية القائمة آنذاك ، حيث كانت هذه النظم مختزلة تماماً في شخص أو أشخاص قليلون قائمون ومقدرون على تدبير أمورها ، فكان توريث المنصب أو الجاه آنذاك أمر لا يجافي الواقع ولا العادة بل أمر كانت تقبله النفوس ولا تنفر منه ، بل وتعتبره شأناً يستقيم والمجرى العادي من الأمور . ولكن الملفت بحق أنه وعلى الرغم من تدافع عجلات الزمن إلى الإمام وتطور الجماعات والقبائل والتي باتت لاحقاً تشكل دولاً وممالك وإمارات ، وعلى الرغم كذلك من تطور أدوات ونظم الحكم من مبدأ الشوري والبيعة مروراً بأفكار كالولاية والإمامة وغيرها وصولاً إلى مفهوم الديمقراطية فإنه وحتى الآن لم يتجاوز هؤلاء النفر من حكام المسلمين من تجاوز إرثهم القبلي اللامع ، ولا نسوا ذاك الوهج الذي يداعب خيالاتهم ويرقى بنفوسهم إلى مصافٍ من الطمع والطمح

يُتبع

2008/09/14

1- إرث وورثة

إن من عادة العرب أن يختص الأب إبنه الأكبر بكرائم ما خلفه من منصب أو جاه أو غيره على سائر أبنائه بإعتباره ولي العهد ، ولا زالت هذه العادة متأصلة في المجتمع العربي حتى الآن ، وهي ليست مقصورة على العرب وحدهم بل أنها موجودة في كثير من المجتمعات ، ويطلق عليها علماء الإجتماع "التعاقب" وهو إنتقال حقوق المنصب والدرجة والجاه والوضع .. هذا ما يقوله الأستاذ / خليل عبد الكريم "رحمه الله" في كتابه { قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية } ويؤكد عالم الإجتماع الراحل د./ مصطفى الخشاب أن بقايا هذه الظاهرة ورواسبها موجودة في كثير من المجتمعات المعاصرة مثل وراثة المهنة والوضع الإجتماعي ووراثة الفرق الدينية ومشايخ الصوفية والطوائف الحرفية وما إليها ، وإزاء هذا التعاقب أو التوريث وجدت أنه ربما يكون من المناسب لو نلقي الضوء قليلاً على جذور هذه الظاهرة في مجتمعنا العربي والإسلامي لعلنا نفهم ولو قليلاً ماهية الرواسب العميقة التي خلفتها هذه الظاهرة على مجتمعاتنا المعاصرة لاسيما فيما يخص الجدل الدائر والمستعرعن آفة التوريث في بعض البلدان العربية لاسيما بمصر... بداءة فإن التوريث لا يكون إلا في النظام الملكي فحسب وليس في غيره من أنظمة الحكم الديمقراطية الأخرى ، والسؤال هنا هل النظام الملكي يخالف نظام الحكم في الإسلام ؟ وإذا كان يخالفه هل يعتبر خروجاً على الإسلام ومجافياً لتعاليمه ؟ يجيب د./ محمد السيد الوكيل في كتابه القيم { الأمويون بين المشرق والمغرب - ج1 } أن نظام الحكم الملكي يخالف نظام الحكم الذي كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده ، فقد توفى الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعين خليفة من بعده ، وإختار أبو بكر الصديق الخليفة بعده وهو ليس من عائلته ولا من أقربائه ، وترك عمر بن الخطاب الأمر شورى بين الستة الذين توفى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، وإختار المسلمون خليفتهم بعد مقتل عثمان بن عفان ، وأما النظام الملكي ففيه يختار الملك ولي عهده في حياته ويكون من أبنائه وعائلته ، ويستطرد د./ محمد السيد الوكيل قائلاً أنه ليس بوسع أحد من المحققين أن يقول أن النظام الملكي فيه خروج عن الإسلام ولا مجافاة لتعاليمه ومبادئه ، ذلك أن الإسلام لم يعين طريقة خاصة بنظام الحكم ، ولو أنه إختار طريقة بعينها وجاء نص صحيح صريح بها لما جاز لأحد مخالفتها ، وقد رأينا الخليفة الأول رشحه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ثم بايعه المسلمون ، والخليفة الثاني إختاره أبو بكر الصديق وحده وحمل المسلمين على مبايعته ، وأما الخليفة الثالث فقد أُنتخب من بين ستة رجال وهو واحد منهم ، والخليفة الرابع علي بن أبى طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه فقد إجتمع عليه المسلمون لما قُتل عثمان بن عفان .. وهكذا نلاحظ أنه ليست هناك طريقة واحدة لإختيار الخليفة ، ومما يدل على أن النظام الملكي لا يجافي الإسلام ولا يخالف مبادئه أن الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا موجودين في عهد معاوية بن أبي سفيان وحضر كثير منهم بيعة يزيد بن معاوية وبايعوه ولم يقل أحد منهم أن معاوية قد خرج على الإسلام ، وحتى الذين إعترضوا وأنكروا لم يكن إعتراضهم وإنكارهم أن معاوية خرج عن الإسلام أو جافى تعاليمه وإنما كان ذلك لأن من ولاه معاوية ليس على مستوى الخلفاء الذين عهدوهم وتعاملوا معهم ، وكانوا يرون فيه من الصفات ما لا يناسب مقام الخلافة ، وكان بعضهم الآخر يرى أنه الأحق بالخلافة من إبنه يزيد ، وكان هذا وحده وجه الإعتراض .

يُتبع

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة