2011/11/04

نظرة إلى الداخل


ألبير كامو
فيلسوف وأديب فرنسي



( ليست لوحاتك هي ما أحب ... بل رسمك )

عزيزي .. عزيزتي

هنا مقولة تُعظم من شأن النظر إلى ما هو خلف الخطوط والألوان التي وإن بدت جميعها بديعة للناظر فإن وراءها ولا شك إبداعاً من نوع آخر وهو المعاناة الإنسانية التي حركت خيالاً خصباً فدفعت صاحبه إلى أن يمسك بقلم أو ريشة ليخوض تجربة المخاض بشكل مختلف ، ومن البين أن المقولة لا تعالج حسب رأيي نوع أو لون خاص من الفنون رغم أن كلماتها لأول وهلة يظن معها القارئ أنها قاصرة على صنف واحد من الفنون ، ذلك أنه وبتدقيق قليل سنكتشف أنها تصلح لكل شأن في الحياة تقريباً ، فالمقولة فيها تحريض لطيف على تحسس الصور غير المرئية للوجوه والأشكال والأشياء عموماً ، وكلما كانت لديك قدرة على رؤية الأبعاد الأخرى – وإن بدت غائبة عن المشهد أو الصورة - كلما كان إنفعالك بها أكثر صدقاً وتأثيراً من أولئك الصنف الذين سقطوا أسرى الخداع البصري ، فما أروعك حقاً إن تمكنت من أن ترى الدموع تختبىء وراء صوت متهدج ، وما أروعك إن لمحت الأسى وراء شفاه بدت باسمة .

تصدق هذه العبارة ربما أيضاً في حق من يتجاوزون قوالب العبارات والجمل إلى حيث المعاني والمقاصد ، فسيكون من الجميل هنا أن تسمع ما لم يقله محدثك أو ما عجزت كلماته عن التعبير عنه أو البوح به ، وقد يكون من اللافت أن ترى مواطن الجمال في الأشياء التي تتبدى في عينيك مزرية أو مهملة ، فالجمال ساكن في كل شئ تقريباً ، كل ما عليك أن تحاول أن ترنو إليه بعينين برئيتين وجميلتين ومتصالحتين ، وساعتها قد تدرك أنك أضعت عمراً طويلاً في النظر لا في التبصر ، فقد يروقك الخط المستقيم ، ولكن المتعرج ليس بالضرورة منسخلاً من كل فضيلة ، قد تعلمك هذه العبارة أيضاً ليس فنون الغوص داخل تيارات المشاعر الإنسانية بحرارتها وبرودتها فحسب ، وإنما تعلمك ما هو أهم وأعمق وهو أن ألا تحسب الحرارة بالضرورة مجلبة للدفء ، ولا البرودة بالضرورة مجلبة لنزلات البرد والإرتعاد ، فالشئ أشياء والوجه أوجه ووجوه أحياناً .

2011/10/15

منتهى الحكمة



أبا إبيان
سياسي و دبلوماسي إسرائيلي

( الرجال والشعوب يتصرفون بحكمة بعد أن يستنفذوا جميع الخيارات الأخرى )


عزيزي .. عزيزتي

في طريق سعيه إلى الحكمة يرتكب المرء منا الكثير من الحماقات ، ولديه منطق معقول وحجج لطيفة تقوم على فكرة أن الأمر إذا كان يتعلق بأخطاء وعثرات هنا وهناك وصولاً إلى غاية محددة ودقيقة فلا بأس ، ذلك أن الحياة الإنسانية هي بشكل ما حقلاً لغرس ونمو التجارب والخبرات ، وما كان لأي منا أن يصل إلى غايته ومنتهاه إلا بتجريب واسع ونظر يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ ، وأن الإجتهاد مبرر طالما الغاية النهائية تستأهل هذا النوع من التجريب والنظر ، وأنه قلما يبلغ أحدنا حاجته على أية حال دون وقوع خسائر على الطريق .

في ظني أن مقولة أبا إيبان السابقة لا تعني هذا الصنف من الناس ، إنما ما تعنيه هنا هو أن البعض يروم الحكمة لا لذاتها وإنما لأنه ربما لم تعد لديه المزيد من الحماقات لإرتكابها ، وهذا هو الفارق بين أن تكون أخطاؤك مبررة أو متفهمة على اقل تقدير في سبيل وصولك لغاية على الأرجح تكون نبيلة أو مشروعة ، وبين أن يكون إستهدافك الحكمة التي تسعي إليها بمثابة الملاذ الأخير لإستنفاذك كل سبل الحمق الأخرى .

أحياناً تكون الحكمة على مرمى حجر منا ولا نكلف أنفسنا عناء خطوات قليلة لإلتقاطها ، ولربما نرمقها بأبصارنا ولكننا في الحقيقة لا نريد أن نراها ، ونفضل عوضاً عن ذلك أن نجوب الكرة الأرضية طولاً وعرضاً قبل أن نعود إليها من جديد بعد أن نكون قد إستنفذنا طاقة ووقت فيما لا طائل من وراءه ، إن قليل من التبصر والهدوء من شأنهما أن يعيدا إنتاج خلايا جديدة تساعد على الإقتراب أكثر وأكثر من باب الحكمة الكبير ، قد لا تلج هذا الباب ، قد لا تملك حتى القدرة على طرقه ، قد تعجز ربما عن الإحاطة بحدوده ، قد لا تساعدك قدراتك على مجرد النظر إلى مقابضه ومفاتحه ، ولكن لئن تكون أبعد قليلاً من أبواب الحكمة لهو أفضل بكثير من أن تكون قريباً جداً من أبواب الحماقة ، إن نظرة واحدة حولك وفيمن حولك ستثبت لك أن سحب الحماقة تكاد تغطي الجميع الذين يتفاوتون فيما بينهم فقط على مقدار ما يستوعبونه من هذه السحب الأمر الذي سينتج لك مشاهد متنوعة من اللا معقول واللا مفهوم ، يستوي في ذلك الأفراد والمجتمعات والشعوب .

على أية حال فقد ذكرتني هذه المقولة بأحد الحكماء الذي ناظر الإسكندر الأكبر فسأله :-

  • ماذا ستفعل بعد أن تغزو مصر ؟
  • قال سأغزو بلاد الفرس .
  • وماذا ستفعل بعد أن تغزو بلاد الفرس ؟
  • قال سأغزو بلاد الروم .
  • وماذا ستفعل بعد أن تغزو بلاد الروم ؟
  • قال سأستريح .
  • فقال له الحكيم ولما لا تستريح من الآن ؟

نعم .. فإذا كان بوسعك أن تسترح الآن ، فلما لا تفعل ذلك الآن ؟ وإذا أمكنك أن تشعر ببعض الغبطة والإرتياح الآن ، فلما المماطلة والتسويف ؟ إن اللحظة التي تنتظرها هي الآن وليست لاحقاً ، ذلك أن اللحظات اللاحقة في الواقع قد لا تأتي أبداً ، وإن أتت فأدركتك فلا توجد ضمانة حقيقية أنها ستكون لحظات راحتك وسعادتك .

*****

في الختام أقول أنه في زماننا هذا ليس من (الحكمة) أن تصف شخصاً ما بأنه (حكيم) ، غاية الأمر أن تصفه - إذا كان متسقاً ذهنياً وسلوكياً - بأنه (أقل حمقاً) .

2011/10/02

خبرة الإختزال


بليز باسكال
الفيزيائي والفيلسوف الفرنسي

( وددت أن أكتب خطاباً أقصر .. ولكن لم يكن عندي ما يكفي من الوقت )

بقلم : ياسر حجاج

عزيزي .. عزيزتي
هذا صحيح تماماً ، فنحن نستهلك وقتاً أطول لنجعل كلماتنا مختزلة وقصيرة ومعبرة ، بينما الكتابة المطولة - كيفما إتفق - تستهلك منا وقتاً أقل بالتأكيد ، والفارق هنا إنما يكمن بين عاملين إثنين ، عامل المعرفة ، وعامل الخبرة ، فتستطيع وفق سعتك المعرفية العادية أن تكتب كثيراً في وقت قليل ، إنما خبرتك فقط هي التي ستتيح لك تبسيط هذه السعة وإفراغها في كلمات معدودة وذات مضمون جيد إنما في وقت أكبر بعض الشئ .

فالكتابة فن للنقش ، إنما إختزالها فن للنحت ، وليس من نقش كمن نحت ، وهذا الأمر لا ينسحب على الكتابة فحسب ، إنما على كل شيء اريد له أن يكون دائراً ما بين الواقعية والجمال ، فبوسع ثمار الفاكهة – وإن كثرت - أن تأخذ طريقها إلى فمك مباشرة في ثوان قليلة ، إنما إن أردت أن تتحول هذه الثمار إلى عصير مركز فلا بد أنك ستأخذ وقتاً أكبر بلا شك لإنجاز ذلك ، وقد تتمكن أيضاً من بناء سور عال حول حديقة منزلك في أيام قليلة ، ولكن إن أردت أن يتوسط الحديقة تمثال صغير وأنيق فإنك ستستغرق أسابيع لنحته .

من ناحية أخرى فالواقعية هي ترتيب منطقي للأفكار ، بينما الجمال هو ترتيب شاعري للأفكار ، فما يعد عابراً لأصحاب الرؤى الواقعية يضحي عميقاً وبعيد الأثر في نفوس أصحاب الرؤى الشاعرية ، فالقمر مثلاً ينير ليلاً فلا يلتفت إليه الواقعيون إلا كما ينظر أحدهم إلى مصباح غرفته وبطرفة عين عابرة ، هذا إذا إلتفت إليه أصلاً أو شعر بوجوده ، إنما أصحاب الخيال وحدهم هم من ينظرون إليه مطولاً ويجيلون ابصارهم فيه بكل حواسهم ويديرون معه ربما حواراً أفلاطونياً كل مساء ، فقصيرة جداً هي الألفاظ التي تكتبها ، وطويلة حقاً هي المعاني التي تحسها ، ولهذا السبب يحب الناس الحكماء ، ويبغضون السياسيين الذين لا يملون الثرثرة والكذب أيضاً .

2011/09/24

حلول مرحة !


ونستون تشرشل
رئيس وزارء بريطانيا الراحل
1874 - 1965 م

( المدخن الشره الذي يقرأ كثيراً عن مخاطر التدخين 
لابد أن يقلع يوماً عن القراءة )

بقلم : ياسر حجاج
إذن فهناك لدينا دائماً وسيلة للهروب من المواجهة ، ولدينا صبر لا بأس به على التبرير ، ولدينا مقدرة فائقة على الدفاع عن خياراتنا الخاطئة ، وبمرور الوقت ولعوامل من بينها التكرار ، تترسخ شيئاً فشيئاً المتغيرات فتصبح ثوابت ، وتضحى فكرة التغيير عصية أكثر من أي وقت مضى ، وعليه فإننا إما أقلعنا أو مازلنا نقلع عن كل ما من شأنه أن يثير أدنى زوبعة في فنجان قهوتنا الصباحي المصحوب بسيجارة أمريكية الصنع ، أيا ما كانت التحذيرات من آثار التدخين وتأثيرات الكافيين .

وبصفتي مدخناً - عافانا الله وإياكم - كان لدي فكرة هلامية عن التحذيرات الطبية لمخاطر التدخين والمكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية وبوضوح فج على علب الدخان ، وكنت أقول في نفسي .. حسنا .. هذه التحذيرات لم يكتبها سوى أطباء - لا ضمير لهم - يقبضون رواتبهم من الشركات المصنعة للدخان ، ذلك أن هذه الشركات - حسب تحليلي التآمري المرح - هي ذاتها الشركات المصنعة لبعض أنواع من الأدوية والحبوب التي تعيد تأهيل المدخن نفسياً وجسدياً لمرحلة ما بعد الإقلاع عن التدخين ، فإن خسرت شركات الدخان عميلاً مدخناً ، كسبته مرة أخرى كزبوناً صالحاً لمنتجها الطبي الجديد ، وبالتالي فستبقى أرباحها في مستواه المعهود أياً كان مؤشر عدد المدخنين أو المقلعين .

وإذا لم يكن المدخنون بالصلاح المأمول وظلوا على عادة التدخين فإن ذات الشركات ومن باب المماحكة تنتج لهم معجون أسنان خاص لإزالة إصفرار الأسنان مع إسبراي معطر لرائحة الفم ، وإذا كان المدخن في منزلة بين المنزلتين (الطلاح - الصلاح ) فإن عين الشركات هي ما تنتج له بعض ألوان (العلكة) التي من شأنها - عند مضغها - تقليل الإحساس بالرغبة في التدخين .

ومما سمعته في بدايات إستخدام الحاسوب أن الشركات المصنعة لبرامج التشغيل هي ذاتها - أو من وراء حجاب - من تقوم في الوقت ذاته بصناعة أنواع عديدة من الفيروسات التي تأكل حاسوبك لحماً وتتركه لك عظماً ، ثم تعيد بيعك لاحقاً برامج لمكافحة الفيروسات ، وهكذا دواليك ، فلست وحدي من يشعر بالتآمر هنا .


بالعودة إلى مقولة تشرشل فإننا نجدها صادقة تماماً ، إذ تضعنا أمام مرآة الحقيقة لنرى بوضوح ليس فقط الخطأ الذي وقعنا فيه ، وإنما الخطأ الأكبر في معالجتنا إياه ، فأنا مثلاً أشعر بالإنزعاج الشديد من صوت المنبه الصباحي بهاتفي النقال الذي يشير إلى وجوب الإستيقاظ ورفع الوسائد من فوق رأسي ، والإستعداد للذهاب للعمل ... لحل هذه المشكلة - وبدلاً من النوم مبكراً - بدأت أفكر جدياً في التقاعد .

2011/09/22

الألوان جميعها .. لوناً واحداً


هنري فورد
مؤسس شركة فورد لصناعة السيارات الأمريكية

(سياراتنا متوفرة بجميع الألوان بشرط أن تكون سوداء)


عزيزي .. عزيزتي

هذه مقولة تجمع بين الطرافة والتصالح مع النفس ، قلما يكون أحدنا كذلك ، لا نجيد في الواقع تحديد أهدافنا بدقة ، وإن حدث فلا نملك زاوية الإتجاه الصحيحة لتحقيقها ، فنفضل أن نقف أمام الباب لوقت طويل قبل أن نبادر بطرقه هكذا بكل بساطة ، لدينا القرار مسبقاً ولكننا نناور ، نناقش قبل أن نقول كلمة بسيطة واحدة هي (لا) أو (نعم) ، والحقيقة أن هنري فورد في مقولته هذه حسم خياره بكلمة واحدة ولكن عبقريته تبدت في صياغتها بذكاء ومرح .

تمثل هذه المقولات على ما ترون من بساطتها أو عفويتها نتاج خبرة رائعة ، لا يسع الكثير منا أن يحذو حذوها ، كلنا يود لو يكون مباشراً ومرحاً ، إنما المعضلة تكمن في أننا نريد أن نكون كذلك ولو ذهب الجميع إلى الجحيم .. لا يهم ، كما أننا أحيانا ننفعل بمقولة أحدهم ونتمنى أن لو كانت لنا ، فنعيد إستنساخ المعني وصبه في قوالب جديدة ، فنعيد إنتاجها وتسويقها وكأننا أصحابها الحقيقيين ، ولله في المدلسين شئون ، ولأنني لست بدعاً من أحد فأنا أعيد إستنساخ مقولة فورد حسب فهمي لها فأقول :-

  • أنا مستمع جيد ولدي الوقت الكافي للإنصات ، والتعرف على كل وجهات نظرك ، وليست لدي أية حساسية في أن تجاهر حتى برأيك المخالف لي ، ولكن يا عزيزي .. هناك في النهاية رأياً واحداً يجب أن يأخذ طريقه إلى النور ، وهذا الرأي لي أنا .
  • لا بأس .. سأصطحبك إلى افخر المطاعم ، لا تقلق سأتولى دفع فاتورة الحساب ، لكن أستميحك عذراً فأنا من سيختار قائمة الطعام .
  • ليس من المرؤة ألا تعبر عن غضبك مني ، وأظنك لن لا تمانع لو اشرت عليك أن تتجه إلى الحائط المجاور لك لتختبر مدى صلابة رأسك .
  • جميل حقاً ما تكتبين ، ولكني قليل الإنفعال بما لا يخطه قلمي .
  • ساحر عطركِ عزيزتي .. لكن لا أعلم لماذا لا يعلق بملابسي ! .

2011/09/17

قول على قول


عزيزتي / مدام شويكار
تحيتي ومودتي ،،،

كيف حالكِ ؟ علمت أنكِ جنيتِ محصول الزيتون لهذا العام ، لعلك الآن تشعرين ببعض الغبطة فأنا أعلم كم تحبينه زيتاً وثمراً ، على أية حال وددت قبل أن أوافيكِ بردي على جوابكِ أن أورد لكِ أولاً قصة مختصرة حسبما أسعفتني به ذاكرتي بعد إدخالي بعض التعديلات عليها لتتناغم مع الخط العام للرسالة .

ففي لقطة سينمائية هوليوودية ، تمددت سيدة في منتصف الخمسينات تقريباً على فراش المرض بإحدى المستشفيات بينما كانوا يهم الأطباء بإجراء عملية جراحية أخيرة لها وكانت نسبة نجاحها فيما يبدو ضئيلة للغاية ، وإصطحب رئيس الفريق الطبي المعالج أربعة من شباب المتدربين من الأطباء المتخرجين حديثاً من كلية الطب إلى حيث غرفة المريضة وطلب من كل واحد منهم حسب دوره في الفريق أن يسأل المريضة سؤالاً واحداً عن حالتها المرضية فدار بينهم الحديث التالي :-

  • الطبيب الأول : سيدتي .. هل هناك تاريخ مرضي في العائلة لذات المرض الذي تعانينه ؟
  • المريضة : أجل أيها الطبيب ، كانت أمي مصابة به ، وبه ماتت .
  • الطبيب الثاني : سيدتي .. إذا تم بتر ساقك فهل تقبلين التعايش مع أية أطراف صناعية تعويضية أم أنك تفضلين إستخدام مقعد متحرك ؟
  • المريضة : تبدو خياراتي محدودة أيها الطبيب .
  • الطبيب الثالث : سيدتي .. هل لديك علم بأنه حتى في حال نجاح العملية فإن أجزاء أخرى من أطرافكِ قد تكون معرضة للبتر في وقت لاحق ؟
  • المريضة : أطرقت هنيهة ثم قالت .. ها قد علمت منك الآن أيها الطبيب .

وهنا تقدم إليها الطبيب الرابع ببطء وجلس على حافة فراشها وأمسك بيدها ثم طوق بأصابعه أصابعها ثم نظر في عينيها ملياً ثم سألها .. سيدتي .. كيف هي معنوياتكِ ؟ فنظرت إليه وقد أدهشها السؤال وإرتسمت إبتسامة ملؤها الحياة على صفحة وجهها الشاحب .. فأجابته .. أنا بخير أيها الطبيب .. شكراً لك .. ولكن كيف حالك أنت ؟ فأومأ إليها باسماً أنه على ما يرام كذلك ، ثم بادر بإرخاء ستارة النافذة المقابلة لها قليلاً ، وقال لها إن الشمس اليوم مشرقة ، أعتقد أنه سيكون يوماً رائعاً ، فإبتدرته باسمة .. لعله كذلك فعلاً .

وبعدما خرج الجميع من غرفة المريضة إبتدره رئيس الفريق الطبي قائلاً .. أيها الطبيب .. لما لم تسأل المريضة سؤالاً عن حالتها المرضية كحال أقرانك ؟ فقال له .. بلي قد فعلت يا سيدى ، لو دققت قليلاً فيما قلت لعلمت أني قد سألتها السؤال الأهم ، ثم تركه وإنصرف .

*****

عزيزتي .. هل أدركتِ الدلالة ؟ هل كفتكِ الإشارة ؟ هل تريدين مزيد من البيان والتبيين ؟ حسناً .. سيتسع صدري الآن على الرغم من أنه لم تجرِ بذلك عادة ، ففي تقديري أنكِ في ردكِ لي لم تفعلِ أكثر مما فعله الأطباء الأول والثاني والثالث ، صحيح أنك كنت في معرض للجواب وكانوا هم في معرض للسؤال ولكن النتيجة واحدة ، فليس يكفينا أن تكون لدينا القدرة على طرح الأسئلة ولا إقتراح الأجوبة ، وإنما الأهم هو كيف نطرح السؤال بإنسانية ونقترح الجواب بنبل ، إن طرح الأسئلة الصادمة وإن كانت واقعية كسهم نغرزه بلا رحمة في النفوس دون إعتبار منا ولا تتبع لأثر الألم وموضع الإصابة ، وكذلك الحال هي الأجوبة ، فما لم نكن على يقين من أن الجواب سيقع في أفضل ما نحب من مكامن النفوس ، فالإمساك عنه أفضل ، فليتكِ أمسكت ِ .

عزيزتي .. غالباً ما تشكل الأجوبة مآزق ومتاهات ، فالجواب يفترض به أن يُحرر المسألة لا أن يضيف إليها معادلة ، ولا أخفيكِ أنني نظرت إلى أجوبتكِ نظرة الشاك المرتاب ، ثم رأيت بعد إجالة الخاطر فيها أنها لم تكن أجوبة بقدر ما كانت فتحاً لأبواباً جديدة من الجدل والأخذ والرد ، ناهيكِ عن كونها قد ِصيغت بأسنة أقلام مدببة ، حادة وموجعة ، فعلى رسلك يا عزيزتي ، فما هكذا تورد الأبل ، ذلك أن الأبل إذا ما ظمأت سقناها إلى المسقى وليس إلى المرعى ، ورقيق السؤال لا يُقابل بجفاء الجواب ، ولا جد المسألة بساخر الأجوبة ، فما هذا هو العهد بك ولا المرتجى من حلمكِ ، فما أعجب تحولكِ من السعة إلى الضيق ، ومن الملاطفة إلى المناكفة ، حبذا أخيراً لو تنظرين إلى مسلك الطبيب الرابع في القصة الآنفة ، فتجعلي للود حيزاً وللأمل موضعاً ، ولا تتجاسري على من ألجأته إليك الحاجة ، وأما السائل فلا تنهر .

دمتِ ودام معشرك ،،، والسلام

أبو البنات

2011/09/14

تعلم الثورة بدون معلم


بقلم : ياسر حجاج
في الثورات كما في الحروب ، لا يكف التجار عن تنشيط خلايا الكسب المحرم ، وتحفيز هرمونات خصوبة الأرقام في حساباتهم المصرفية ، وفي المقابل هنالك دائماً من هم على إستعداد للدفع للحصول على بضائع فاسدة لإعادة إنتاجها وتسويقها أو حتى إستخدامها في مواسم الكساد الخلقي ، ولكل سوق سلعته ، والثورات الشعبية هي سوق كبير بهذا المعنى بالنظر إلى ضخامة المعروض من البضائع وإقبال الطلب عليها .

في الساعات الأولى من صباح يوم ما ، وفي لحظة صفاء نادرة مشبوبة بكوميديا سوداء غالباً ، قررت أن أجرب كيف يفكر التجار ، وكيف يروجون لسلعهم ، وحيث أن لدي فكرة لا بأس بها عن البرمجة وكيفية إعداد البرامج وفق رغبات الزبائن ، فقلت في نفسي لا بأس ، فلأقطع سواد هذا الليل بسواد مثله ، وأصدر نسختي البرمجية الأولى متضمنة القواعد الأكثر سوداوية في عالم برمجيات الثورة ، ثم توصلت بعد عدة فناجين من القهوة ، وعدد لا حصر له من السجائر إلى الخروج بعنوان يخاطب الفئة التي يستهدفها البرنامج ، وهي بالمناسبة فئة ليست بالقليلة أملاً في إستقطابهم على قاعدة ( إذا فاتتك الثورة فتمرغ في ترابها ) ، ورأيت أن العنوان الأكثر قبولاً وجاذبية هو أن تُشعر المتلقى باهمية وسهولة المعروض ، مع يسر الإستيعاب ، فكانت هذه النسخة التجريبية الأولى من برنامج ( كن ثائراً بأثر رجعي ) .
مقدمة البرنامج :
عزيزي المواطن .. تاريخ إندلاع الثورات ما هو إلا مجموعة من الأرقام تفصل بينها خطوط مائلة ، وأحداث الثورات ما هي إلا سرد وبيانات وإحصاءات وصور وكشوف حساب ، فإذا لم تشارك في الثورة الشعبية التي إندلعت ببلدك تكاسلاً أو عدم إقتناعاً ، أو لأنك إستيقظت من نومك متأخراً عصر ذاك اليوم كعادتك ، فلم تلحق بقطار الثورة الصباحي ، ولا حتى بعربته الأخيرة ، وحتى إذا لم تكن لك أية إهتمامات سياسية أو إنتماءات حزبية ، أو لم تشارك في أي محفل شعبي بخلاف بيع صوتك الإنتخابي يوم الإقتراع بالطبع ، وإذا كنت كماً مهملاً تافهاً بليداً لا يؤبه له ، ثم قررت في لحظة حالكة أن تكون رمزاً ثورياً هكذا بدون مقدمات ، وإذا كانت تستهويك فكرة الربيع العربي ، مع أننا على أبواب الخريف ، فنحن نقدم لك الحل من خلال هذا البرنامج الذي سيضع حداً لحيرتك ، ويضع قدميك على طريق نعرف أوله ، ولا نتنبئ بآخرته ، لذا فقد لزم التنويه .
من نحن ؟
عكف على إنتاج وتحرير المادة العلمية للبرنامج ثلة من المحامين المفصولين من النقابة ، وعدد غير قليل من القيادات الأمنية الفاسدة ، فضلاً عن رؤساء الجمعيات الحقوقية ذات التمويل الأجنبي ، إضافة إلى كم لا بأس به من راسبي شهادة الثانوية العامة بقسميها العلمي والأدبي في العقدين الأخيرين .
خيارات البرنامج :
يتيح لك البرنامج عزيزي المواطن الإختيار بين عدد كبير من الأيقونات الثورية حسبما يتراءى لك ، فتستطيع مثلاً أن تتنقل بين عدة مستويات ثورية من بينها أن تكون مثلاً :-
  • ثائر عادي
  • ثائر متعدد الأنظمة .
  • ناشظ حقوقي .
  • محلل سياسي .
  • خبير أمني وإستراتيجي .
  • باحث في شئون الجماعات الثورية والإنفصالية .
  • إخصائي في شئون منظمات المجتمع المدني .
مكونات البرنامج :
يطرح البرنامج ضمن تطبيقاته العامة عدد من المزايا الأولية اللازم إستيعابها من أجل التسكين على مسمى الأيقونة الثورية المرادة ، ومن ثم الدفع بك إلى الصفوف الأمامية للثوار ، ومن بين هذه المزايا :-
1.    محاضرات مكثفة عن معنى الثورة ودلالتها اللفظية والإجتماعية والتاريخية .
2.    مختصرلأهم أحداث الثورات في التاريخين الحديث والمعاصر .
3.    إتاحة مجسمات ثلاثية الأبعاد ، تفصيلية وملونة لأشهر أماكن وتجمع المظاهرات .
4.    دراسة مختصرة لمبادئ حقوق الإنسان ( الأوروبي ) .
5.    دراسة قانونية مختصرة لأهم أنواع القوانين ذات الصلة بالثورات ، ما صدر منها أو ما هو قيد الإصدار.
6.    إتاحة التواصل مع المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني المشبوهة .
7.    عرض مبسط للسير الذاتية لعدد من الثوار عبر التاريخ بدءاً من الثائر الفرعوني سخمت رع وحتى الثائر أبو حسن بائع الكشري بأماكن تجمع الثوار .
8.    تنظيم حلقات عمل نقاشية مع المستخدمين الآخرين للبرنامج من أجل تبادل الرأي في جو من الحميمية الثورية .
9.    شرح واف لكافة المفردات الثورية والمصطلحات المصاحبة لها ضمن معجم مرتب بشكل غير أبجدي ولا منطقي ومن بينها على سبيل المثال ، الوعي القومي ، الفهم الجمعي ، منظومة الفساد ، التطهير ، تزوير الإرادة ، تزييف الوعي ، تجريف العقل ، الشفافية ، إستقلال القضاء ، التغيير الشامل ، الفئة الضالة ، القلة المندسة ، العقد الإجتماعي ، حرية التعبير ، المبادىء الحاكمة للدستور، موقعة الجمل ، التيار الديني ، المليونية والألفية والمئوية والأحادية والعشرية وما لا يقبل القسمة على إثنين .
10. بحث آلية تنظيم المظاهرات الفئوية ، وقطع الطرق ، والإعتصامات ، مع تحليل لظاهرة الإضراب عن الطعام محلي الصنع ، والتهديد بالإنتحار حرقاً بالقرب من مصدر للمياه لا يبعد أكثر من 30 سم .
11. يتيح البرنامج بيسر وسهولة فائقة التنقل بين أي من الأشكال الثورية ، أو التحول حتى إلى أيقونات ثورية متعارضة ، فستطيع بضغط زر واحدة مثلاً أن تكون ثورياً في الصباح وبلطجياً في المساء أو بالعكس ، وسيقوم البرنامج تلقائياً بتزويدك بقواعد البيانات المناسبة للنمط الذي يجري إختياره على طريقة فيلم MATRIX .
12.  يعمل البرنامج تلقائياً على تأمين إتصالك بكافة القنوات الفضائية مرة واحدة على الأقل كل ثلاث دقائق قبل وبعد الفاصل الإعلاني لطرح رؤاك الثورية سابقة التجهيز وذلك بالتنسيق مع معدي البرامج ومقدميها وفراش القناة .
13. يعمل البرنامج كذلك على إحاطتك أولاً بأول بكافة الأسئلة الثورية المطروحة على الساحة مع شرح واف لأجوبتها النموذجية .
14. نضمن لك شغل وظيفة محترمة بحكومة الثورة بعد الإنتخابات النيابية ، أو بحكومة الثورة المضادة .
15.  لدينا قسم خاص بالمحجبات .
ملحقات البرنامج :
1.    البرنامج مزود بذراع معدنية مصممة بطريقة الميكاترونيكس ، وذات تجويف مناسب لتخزين الحجارة التي سيجري قذفها آلياً أثناء المظاهرات بإتجاه الممتلكات العامة والخاصة ، بما فيها سيارة زوج طليقتك السابقة ، والتي سيجري تزويد البرنامج مسبقاً برقم لوحتها المعدنية .
2.    البرنامج مزود كذلك بسوار إلكتروني شفاف يوضع بيدك التي تأكل بها لسهولة الإستدلال على موقعك لسرعة تقديم المساعدة حال الحاجة إليها وفق شروط إستخدام موقع Google Earth.
3.    توجد شريحة ذكية يتم ذرعها تحت الجلد لإرسال إشارة إلى فريق العمل بالبرنامج لدى مثولك أمام جهات التحقيق بتهمة البلطجة ، أو الثورة المضادة لتقديم المعونة القانونية اللازمة .
4.    زر إلكتروني بالغ الدقة مزود بخاصية الإشعال الذاتي يتيح لك حرق أعلام السفارات والقنصليات عن بعد ، دون الحاجة إلى تسلق أكثر من عشرين طابقاً لتفعل ذلك .
5.    إتاحة عدد غير محدود من التي شيرتات الملونة مع صور لتشي جيفاراً ومغني الثورة السابق عبد الحليم حافظ .
الأعراض الجانبية :
1.    ثبت من خلال أبحاثنا المخبرية وجود أعراض جانبية خفيفة لمنتجنا تتمثل في حشرجة وبحة بالصوت نتيجة الهتاف المتكرر خلال فترة التدريب .
2.    تبين وجود خشونة بأطراف الأصابع لدي عدد قليل من مستخدمى البرنامج ناتجة عن اللمس المباشر لمكونات صنع قنابل المولوتوف يدوية الصنع التي تستهدف مركبات الشرطة والجيش .
3.    تأكد حدوث حالات مغص معدي ورشح بالأنف نتيجة التعرض لفترات طويلة لتيارات مائية باردة وقت التدريب على ركوب (موجة) الثورة .
4.    تم رصد حالات تبول لا إرادي في ساعات النهار أثناء تشغيل البرنامج تزامناً مع البث الحي لجلسات محاكمة رموز النظام السابق .
متطلبات التشغيل :
1.    عقل تافه يتمتع بقابلية التعبئة والتفريغ بسهولة حسب متطلبات الجهة المصنعة .
2.    سيتم العمل على تعطيل الضمير والقنوات الدمعية وأية مراكز للإحساس لدى المستخدم لتعارض عملها مع نظام تشغيل البرنامج .
تحذير :
  • الأسطوانة المدمجة المحمل عليها البرنامج صُنعت من مواد خاصة وبالغة الحساسية ، وبالتالي لا ينصح بتجربتها أو تشغيلها بالتزامن مع عزف السلام الوطني لبلدك .
  • حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية للجهة المصنعة ، فإننا قد نعمد إلى إجراء فحصاً لحمضك النووي الـ DNA كي لا تصدق نفسك ، وتدعي لاحقاً بأنك (الأب الشرعي) للثورة .
من منتجاتنا الأخرى : القرص المدمج الأسرع في العالم لتعليم كيفية تأسيس الأحزاب والإئتلافات الثورية في ساعة ونصف ، مع خاصية تعليمية في كيفية الطعن في شرعيتها حال الطلب .
للحجز والإستعلام : يرجى زيارة معارضنا الملحقة بالقنصليات الأجنبية ببلدك
من أجلك عزيزي المواطن : نحن نعمل 36 ساعة في اليوم - عشرة أيام في الأسبوع

2011/09/08

فتىً من الصومال


  • إلام ترنو يا بني ؟ أم ُترى قد برق البصر ؟
  • هل أنت دائماً هكذا شارد النظر ؟
  • هل خارت القوى ، هل هدك التعب ؟
  • هل بات حتى الموت عزيز يُرجى ولا يُنتظر ؟
  • لما صدرك عارياً هكذاً ?
  • لما بدت من خلال جلدك الأمثال والعبر ؟
  • لما الدمع في عينيك متردداً ؟
  • هل تراني مبالغاً في وصفي أم أن في المسألة نظر ?
  • يا بني دع الدمع يجري ، فعما قليل تلقى مليكك المقتدر .
  • وددت قبل الرحيل لو تصف لي الجوع والعطش والنصب والكبد .
  • أما إذا كان حالك حال زهد فقل لي في الزهد قولاً لا أسأل عليه من بعدك أحد .
  • يا بني إن وعدوك بالحنطة والدواء فحدثهم عن أنهار من خمر وعسل .
  • وإن إعتذروا عن إغاثة لهفتك فصف لهم الفاكهة أو إن شئت الدسم .
  • وقل لهم أن لحم الطير هاهنا يُشتهى ، وأن الثمر هاهنا بيسر ُيقتطف .

2011/09/05

جديد الأجوبة


عزيزي / أبو البنات
سلام الله عليك ورحمته وبركاته ،،،

وصلتني رسالتك ، ووعيت مقالتك ، ثم أخذتني الفكرة فتملكتني الحيرة ، فكيف لي أن أتعاطى مع أسئلة تحمل الإجابة عنها ناراً وباروداً ، يا عزيزي .. إن كل أسئلتك كان يمكن إختصارها في سؤال واحد وهو ( لماذا أنت هنا في حين كان يجب عليك أن تكون هناك ، ولما أنت هناك في وقت كان يتعين عليك أن تكون هنا ؟ ) وإذا صدق حدسي أو تحليلي فإنك لست هنا ، كما أنك لست هناك ، وإذا بلغ بك الظرف مداه فسألتني ( حسناً .. فأين أنا ؟ ) فسأقول لك بلا تردد ( أنت لست في أي مكان ) ، فإذا كنت لا تشعر بوهج اللحظة فأنت لا تعيشها ولا تعيشك ، وإذا إنساب الزمن منك وإنسبت منه فمن الواضح أنكما تعيشان معاً في حالتي خصام وعناد ، يود أحدكما لو يتخلص أو يتخفف على أقل تقدير من عبء ملازمة الآخر ، فأنت تطرد اللحظة وهي لا تأبه بك ، تتجاهلها فتنصرف عنك ، وإذا عدت فراودتها تمنعت عنك ، فلا أحد عاقل يا عزيزي يحتقر الزمن ، وحسب رأيي فأنك يجب أن تكون متصالحاً مع اللحظة ، خذها على علاتها تهبك أجمل ما فيها ، وإن تعلقت بها باحت لك بجميل أسرارها .

هل آلمتك كلماتي ؟ ليتها تفعل ، ولكن ماذا عساي أقول لمن يجاهر بالقول أنه قد عاش أكثر من اللازم ، لكن لا بأس ، فقط وددت إخبارك أن الخيارات مازالت متاحة أمامك وأن الوقت لم يمض كله ، فتحين لذلك الأمر لعل لحظتك الحقيقية هي الآن وليست لاحقاً ، وأرجوك أن تبادر إلى العمل وتكف عن المراوغة ، وفي سبيل ذلك لن أهبك نصحي المخلص فحسب وإنما سأقترح عليك تغيير بعض من عاداتك السلوكية الموغلة في القدم ، ذلك أن التغيير من وقت لآخر ينشط الإحساس ويدفع الهمة لاسيما إذا كان التغيير إلى الأفضل ، وعليه يرجى تتبع ملخص الإرشادات التالي الذي قمت بإستقائه من واقع خبرتي بك ، ولا تحاول تصنع التلطف فتسألني عما إذا كانت هناك صور توضيحية مرفقة ضمن هذه الإرشادات .

على الصعيد النفسي والسلوكي : أزل حائطاً واحداً على الأقل من الحوائط الأربعة المحيطة بك لترى العالم من حولك .. مزق ستائر الغرف التي تحجب عنك طور نمو الزمن .. لا تكثر من النظر في المرآة ، فلن ترى سوى نسخة مكررة لصاحب الفرص الضائعة .. عد من جديد فإرتدي ساعة يدك ، فسيعطيك هذا مؤشراً على كون الزمن يمضي ولا يقف .. تحلل رويداً رويداً من ألوان ملابسك القاتمة ، فالأسود يا عزيزي لم يعد سيد الألوان .. كف عن وضع يدك على فمك وأنت تستمع إلى الآخريين ، فالصمت موات مطبق .. ليتك تكف عن التحدث إلى نفسك بصوت مسموع ، فتكون أنت الصوت وتكون أنت الصدى .. أدري أنك تتحاشى النظر في عيون الآخريين ، ولكن أعطِ فرصة للآخريين للنظر إليك .. تحسس موضعاً لقدميك ، وإنما دون نظر دائم إلى الأرض كما تفعل .. حاول التخلص من الكرافتات وأربطة الأحذية فلديك من العقد ما يكفي .. إن تغييراً بسيطاً في موضع فراشك ودولاب ملابسك سيكون له مردود طيب عندما تكسر به حالة روتينك الرتيبة ، ولن يكون أبداً بمثابة إنقلاباً على قواعد الكلاسيكية العتيقة التي تهواها .

وعلى صعيد العادات الغذائية والصحة البدنية : إستبدل فنجان القوة الصباحي بآخر للينسون ، وإعلم أن إعداد القهوة بنفسك ليس كله منتهى الشاعرية كما تزعم .. خفف من التدخين ما إستطعت ولا تكرر على مسامعي حججك الواهية عن رومانسية خيوط الدخان المتصاعد .. الشاي الأخضر أفضل من نظيره الأحمر كما يقول الأطباء ، ولا تكرر مقولتك البائسة أن الأطباء جميعهم أفاكون .. تعلم البهجة من السلطة ذات الخمسة ألوان دون أن يكون من بينها اللون الرمادي إياه .. كن قربياً من مصدر دائم للمياه لما لها من طاقة إيجابية على البدن ، دون أن يعني ذلك أن تأخذك حمامك فيما يزيد على النصف ساعة كما جرت وتجري بك العادة .. تجنب سماع الأخبار السياسية وبرامج التوك شو قبل ساعة واحدة على الأقل من نومك لكي لا يبلغ بك الإنفعال مبلغه فتدير حواراً سياسياً إفتراضياً مع وسادتك .. وأخيراً يجب أن تعي أن مشروب البيبسي ليس أهم منجز حضاري لبني الإنسان حسب قولك .

هذا يا عزيزي ما وسعني ذكره ، أقوله لك وأنا عليك والله مشفقة ، وإن كنت على يقين بأن مقولاتي لن تجاوز سمعك العابر ولا بصرك الذي إستمرأ التمرد على الرؤية .

شويكار

2011/09/02

قديم الأسئلة


عزيزتي / مدام شويكار

تحية وسلاماً

ها أنا أعود إلى الكتابة إليك من جديد ، إلكترونياً هذه المرة بعد أن شاركت ويا للأسف في توديع طرق البريد التقليدية ، فلا مداد ولا أوراق ولا طوابع بريد ، إنما حروف بلهاء رقم دقة نظمها ووضوحها وحتى جمال ألوانها ، ودعت كذلك العبارة التي كنت أكتبها على ظهر مغلفاتي متوجهاً فيها بالشكر لكل رجال البريد الحاملين لرسائلي إليك ، لا أعرف على وجه الدقة إذا كان يتعين أن أتوجه بالشكر لأحد ما هنا .

عزيزتي ... مضت ربما أعوام طويلة جداً على تاريخ آخر رسالة مكتوبة لك ، أشعر الآن وبعد كل هذه الأعوام بقدر كبير من التحرر ، فضلاً عن الجرأة النسبية على الإشارة بوضوح إلى مواضع القلق ومنابته الأولى ، لا أتوقع منك وصفة طبية جاهزة ولا حتى تركيبة دوائية من عينة أعشاب طبك البديل المحبب إليك ، ذلك أنني أعتبر أن مجرد الكتابة إليك ليست نوع من الإستشفاء الذاتي بل أنه وفي أحسن تقدير نوع من تحييد مناطق الألم أو إبطاء كمياءه التفاعلية ، في العلوم العسكرية يسمونها مناطق منزوعة السلاح بحسبانها مناطق توتر ، أعلم أنك خبيرة في هذا الملف وإن كنت لم تبلغ فيه القمة والكفاية لا لعيب في قدراتك وإنما لأنني ربما لا أمنحك الفرصة الكاملة لتقومين بتصفح خارطتي الجينية بدقة .

كما تعودتي مني سأكون صادق القول معك ، فأنت تعلمين أن فنون الكذب معك تتوارى ، فحيلي القانونية وإجاباتي الدبلوماسية يا عزيزتي ما عادت بذات جاذبيتها الأولى كأنها هي الأخرى هرمت أو تريد أن تتقاعد ، وإن كنت مازلت أحتفظ بالبعض منها ، سأطرح عليك التساؤلات كما تعودت دوماً ، وسأهيئ نفسي لتلقي الإجابات التي ما كانت لتخطر لي على بال ، وسأحاول أن أخفي دهشتي من تحليلك وكأنني أعمل على التقليل من شأن عمقها أو صراحتها ، وربما سألجأ كما في كل مرة إلى المناورة لكي أتجنب النظر في المرآة التي تقومين بوضعها أمامي بكل حكمة وإقتدار وكأنك تقولين لي أن الصورة التي تعكسها المرآة هي ذاتها الأسئلة وهي ذاتها الأجوبة في آن معاً ، تعلمين أني ملول حتى الملل ، فكوني كما عهدتك متواضعة لينة الجانب ، وترفقي كما تترفق العين الخبيرة بموضع الزهر الأخضر كي لا ُيحال إلى هشيم تذروه الرياح .


إليك أسئلتي وأعلم أنك لن تسخري منها وإن بدت موضعاً لسخرية العالمين ، ذلك أنك ما كنت لتقفين عند حدود الألفاظ بقدر سعيك وراء المقاصد والمعاني .

  • - لما أجدني وأنا في إنتظار لحظتي التالية أنسى في الغالب لحظتي الأنية ؟
  • - لما أجدني أرقب بشغف وشاعرية القادم أكثر من حماستي أو تفاعلي مع الراهن ؟
  • - لما في صيفي الحار أجدني أرسم صورة دقيقة للشتاء بدفئه وإحساسه الأكثر دفئاً ، ولما تختلط لدي دائماً حسابات فصلي الربيع والخريف ؟
  • - هل من العسير جداً على الأفهام أن أحاول تسمع زخات المطر وهي تداعب بلطف ودلال النافذة الزجاجية لغرفة نومي رغم أننا في شهر أغسطس بقيظه وحره ؟
  • - وهل ترين شيئاً من المبالغة إذا حسبت الضوء المنساب عبر النافذة إلى حيث فراشي ما هو إلا ضوء برق مصحوب بصوت رعد يؤذن كل منهما ببدء موسم من الليل الطويل ؟
  • - وهل تجدين سبباً وجيهاً يمنعني من إعتمار قبعة للمطر وإرتداء معطف من الصوف في درجة حرارة خارجية تناهز الخمسين ؟
  • ولما يعد السير تحت المطر أحد أهم الفضائل الإنسانية ؟
  • - وهل تجدين منطقاً يتوافق مع عدم تطلعي إلى الإمام بذات القدر الذي يتعلق بالنظر إلى حيث الأفق البعيد اللا متناهي ؟
  • - وهل تجدين أنه من المبهر حقاً أن يكون مصدر المتعة مؤجلاً بصفة دائمة ؟
  • - لما مع تفتح مسامات جديدة للتخيل يظل اليقين شارداً ؟


إذن فتلك أسئلتي أوردها لك مختصرة ، فعاودي قراءتها وتمهلي في الإجابة عنها ، فلست في عجلة من أمري ، فلقد ظللت عقود طويلة أطرح ذات الأسئلة بصيغ وأشكال مختلفة ، وأصدقك القول أني لا أتوقع منك إجابة شافية ولا وافية وهذا ربما جزء من مشكلتي ، فالإجابات دائماً محل شكي وتوجسي ، والحلول في ظني بمثابة مشكلة إضافية ، وأن النقطة التي بنهاية السطر ما هي إلا إستهلال رتيب لفقرة جديدة ... وتقبلي في النهاية خالص تحيتي ومودتي .

أبو البنات

2011/08/17

(6) أبو الهول ثائراً



بقلم : ياسر حجاج
  • (الألف) لم يعد يعقبه (باء) .
  • (والسين) تحولت إلى (صاد) .
  • (والهاء) فرت إلى حيث (الواو) .
  • وفي غفلة من الحساب إتفق البسط مع المقام على تبادل الأدوار .
  • والزاوية القائمة باتت مائلة .
  • وشبه المنحرف تاب فأناب فأصبح خطاً مستقيماً .
  • ويساوي لم تعد تشكل ناتج لأي عملية حسابية .
إذا كنت تملك قدر ، ولو قليل من الإحترام لذاتك ، فإنه يتعين عليك تبعاً لذلك ، أن تأخذ ما يعتبره الآخرون مسلماً لا نقاش فيه ، على أنه على - العكس - سيظل مطروحاً ومعاداً للنقاش ، أخذاً ورداً مرة ومرات ، وأن المطلق سيظل نسبياً ، حتى تكون الغلبة لأيهما ، وأن الخبر أياً كان مصدره ، سيظل متأرجحاً بين الصواب والخطأ ، حتى يؤيد الدليل أحدهما ، فلم يعد بزماننا بقرات مقدسة ، ولا حقائق حياتية مطلقة ، إلا ما كان معلوماً من الدين بالضرورة ، وخلاف ذلك فإن الأقوال جميعها ستعتبر مرسلة ، لا ضابط لها ما لم تقم حقائق دامغة على صحتها .

إن إنتهاج سياسة من هذا القبيل ، سيُعلي من قدرك أمام نفسك بحسبانك تتحرى وتدقق ولا تلعب بك الأحاسيس ، حارة كانت أم باردة ، فتطيح بك كما تطيح بالرماد الرياح في يوم عاصف

ربما تقول هذا الكلام وغيره ، وأنت تتحسس موضع لعقلك وفهمك في زحام العقول المحيطة بك والمتخمة بالمعلومات والتحليلات والتنظيرات المتعلقة بالثورة المصرية من حيث الأسباب والتداعيات ثم النتائج ، فإن بدأت مشاهد الثورة بالنسبة لك خاصة في مرحلتيها الوسطى والحالية غاية قي الألتباس والغموض أحياناً ، على الرغم من محاولات إظهارها كأنقى وأسمى ما تكون عليه الثورات في عصر من العصور ، فلا بأس من محاولة تجربة ( الفلترة ) على سيل المعلومات الذي يهطل عليك كما المطر ، فتعيد تشكيل وعيك بإستخلاص الرأي الذي تراه أقرب إلى الصواب ،وإن بدا منفرداً أو متفرداً عن سلسلة الأراء المحيطة بك وإن كثرت ونمت وربت .
https://www.blogger.com/img/blank.gif

وليكن معلوماً لك أنه لا توجد فضيلة كبرى أن تحلق دائماً ضمن سرب الطيور ، فتطير حيث يرغبون وتحط حيث يريدون ، كما لا توجد فضيلة كبرى أيضاً في أن تظل في حالة تحليق أو مسير منفرد على الرغم من عدم وجود ضرورة أو منطق ظاهر لذلك ، وأعترف لكم أنني بطبعي لا أحب التحليق ضمن سرب ، ولا أجيد العمل ضمن مجموعة ، ولا أحبذ فكرة أن أكون ترساً ضمن آلة كبيرة ، لذلك لم أكن أبداً عضواً بحزب أو حركة أو جماعة مهما كانت جاذبية لافتاتها وعنوانيها العريضة ، إنما أجد نفسي دائما خارجاً عن إطار الصورة ، لذلك سترونني غير قابل للأفكار النمطية ولا الرؤى سابقة التجهيز ، وليس لدي ذاك الإيمان العميق ، بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، فالصورة بالنسبة لي ستظل ملتبسة وقليلة أو عديمة النبض ، طالما كانت هالة الضوء المحيطة بها أقل مما يجب ، وساعة أن يعود حرف (الباء) تالياً لحرف (الألف) ، ويبقى البسط بسطاً والمقام مقاماً سأعود للتحليق مع الجميع ، ولربما أرجع للعمل ضمن فريق ، وللحديث تتمة .

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة