2011/08/17

(6) أبو الهول ثائراً



بقلم : ياسر حجاج
  • (الألف) لم يعد يعقبه (باء) .
  • (والسين) تحولت إلى (صاد) .
  • (والهاء) فرت إلى حيث (الواو) .
  • وفي غفلة من الحساب إتفق البسط مع المقام على تبادل الأدوار .
  • والزاوية القائمة باتت مائلة .
  • وشبه المنحرف تاب فأناب فأصبح خطاً مستقيماً .
  • ويساوي لم تعد تشكل ناتج لأي عملية حسابية .
إذا كنت تملك قدر ، ولو قليل من الإحترام لذاتك ، فإنه يتعين عليك تبعاً لذلك ، أن تأخذ ما يعتبره الآخرون مسلماً لا نقاش فيه ، على أنه على - العكس - سيظل مطروحاً ومعاداً للنقاش ، أخذاً ورداً مرة ومرات ، وأن المطلق سيظل نسبياً ، حتى تكون الغلبة لأيهما ، وأن الخبر أياً كان مصدره ، سيظل متأرجحاً بين الصواب والخطأ ، حتى يؤيد الدليل أحدهما ، فلم يعد بزماننا بقرات مقدسة ، ولا حقائق حياتية مطلقة ، إلا ما كان معلوماً من الدين بالضرورة ، وخلاف ذلك فإن الأقوال جميعها ستعتبر مرسلة ، لا ضابط لها ما لم تقم حقائق دامغة على صحتها .

إن إنتهاج سياسة من هذا القبيل ، سيُعلي من قدرك أمام نفسك بحسبانك تتحرى وتدقق ولا تلعب بك الأحاسيس ، حارة كانت أم باردة ، فتطيح بك كما تطيح بالرماد الرياح في يوم عاصف

ربما تقول هذا الكلام وغيره ، وأنت تتحسس موضع لعقلك وفهمك في زحام العقول المحيطة بك والمتخمة بالمعلومات والتحليلات والتنظيرات المتعلقة بالثورة المصرية من حيث الأسباب والتداعيات ثم النتائج ، فإن بدأت مشاهد الثورة بالنسبة لك خاصة في مرحلتيها الوسطى والحالية غاية قي الألتباس والغموض أحياناً ، على الرغم من محاولات إظهارها كأنقى وأسمى ما تكون عليه الثورات في عصر من العصور ، فلا بأس من محاولة تجربة ( الفلترة ) على سيل المعلومات الذي يهطل عليك كما المطر ، فتعيد تشكيل وعيك بإستخلاص الرأي الذي تراه أقرب إلى الصواب ،وإن بدا منفرداً أو متفرداً عن سلسلة الأراء المحيطة بك وإن كثرت ونمت وربت .
https://www.blogger.com/img/blank.gif

وليكن معلوماً لك أنه لا توجد فضيلة كبرى أن تحلق دائماً ضمن سرب الطيور ، فتطير حيث يرغبون وتحط حيث يريدون ، كما لا توجد فضيلة كبرى أيضاً في أن تظل في حالة تحليق أو مسير منفرد على الرغم من عدم وجود ضرورة أو منطق ظاهر لذلك ، وأعترف لكم أنني بطبعي لا أحب التحليق ضمن سرب ، ولا أجيد العمل ضمن مجموعة ، ولا أحبذ فكرة أن أكون ترساً ضمن آلة كبيرة ، لذلك لم أكن أبداً عضواً بحزب أو حركة أو جماعة مهما كانت جاذبية لافتاتها وعنوانيها العريضة ، إنما أجد نفسي دائما خارجاً عن إطار الصورة ، لذلك سترونني غير قابل للأفكار النمطية ولا الرؤى سابقة التجهيز ، وليس لدي ذاك الإيمان العميق ، بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، فالصورة بالنسبة لي ستظل ملتبسة وقليلة أو عديمة النبض ، طالما كانت هالة الضوء المحيطة بها أقل مما يجب ، وساعة أن يعود حرف (الباء) تالياً لحرف (الألف) ، ويبقى البسط بسطاً والمقام مقاماً سأعود للتحليق مع الجميع ، ولربما أرجع للعمل ضمن فريق ، وللحديث تتمة .

2011/08/15

(5) أبو الهول ثائراً



تدبقلم : ياسر حجاج
تدور الأمور في مجملها ما بين صفو وكدر وجد ولعب ، وإذا ُقدر لك وصارحتك نفسك بأنها تريد أن تفهم أكثر ، فإعلم أنك على وشك أن تبدأ مرحلة مزاحك أو عبسك إنما على حافة جبل شديد الإنحدار ، ذلك أن محاولة الفهم أكثر وأكثر إنما تفترض في البداية بأن المشاهد بتجلياتها الراهنة لا تجد إلى نفسك سبيلاً ، فتستعين على قلبك بعقلك ، لعلك تجد عنده ما أستغلق فهمه أو إستحكم إغلاقه .

ولا يعني ذلك بالضرورة أن عقلك سيجد الإجابات الشافية لأسئلتك العليلة ، هذا مع إفتراض مبدئي بالطبع أنك تتمتع بقوىً عقلية معقولة بعيداً عن أجواء الخرف المحيطة بك ، والطقس اللا معقول ، حيث تتنسم ما حسبته هواءاً ، فإذا به دخان محمل بكم لا بأس من الضباب في بيئة لا تعرف على وجه الدقة أتمر هي بأشهر صيف أم شتاء .

الحالة المصرية بعد الثورة لا تختلف كثيراً عما سبق ذكره أعلاه ، ولعلها الحالة التي تحاول فيها أن تتبين الخيط الأبيض الرقيق من الخيوط السوداء السميكة ، كما بدت لي الحالة المصرية كأي حالة تعقب الإستشفاء المفاجىء ، بعد طول معاناة ومعايشة مع مرض عضال .

فبعد بقاء المصريون قسطاً طويلاً من الزمن رهن أزمات مزمنة ، بدت من عمقها وكأنها إلتصقت بجلودهم وأرواحهم ، وحتى مخيلتهم بشكل لا تكاد تستطيع أن تفصل بينها ، تراهم عمدوا إلى حل لا يلجأ إليه في الغالب إلا من هم على مشارف الهلاك ، فبدلاً من أن ينظروا إلى الحياة الآن بحسبانها قد أعيدت إليهم ، مع غياب أو تغييب أو تحييد المسببات الرئيسية لأمراضهم وآلامهم ، وبدلاً من أن يحاولوا السير بهدوء صوب مرحلة النقاهة التي تعقب العمليات الحرجة ، تراهم قرروا في لحظة مجردة من المعقول السير وبحماسة عير محسوبة إلى مرحلة التعافي الكامل والمباشر والسريع .

وظنوا أن السبيل إلى ذلك ليس سوى إقتحام كافة الصيدليات التي عرفتها الإنسانية طوال تاريخها ، حيث قرروا وبلا وعي تقريباً ، وبجرعة واحدة أن يتناولوا كافة الأقراص والحبوب والمضادات وسائر أنواع الشراب الموجودة على أرفف تلك الصيدليات ، وربما بالقدر الذي يجاوز حدود القدرة أو الإحتمال أو التخيل ، معتقدين أن هذا القدر من الخرف الوقائي سيكون سدهم المنيع وسورهم العالي ضد أية أمراض جديدة ، ولو كانت محتملة ، بما يجعلهم بمنأى عن العودة إلى فراش المرض من جديد ، وبمعنىً آخر ، فأنه ليس من البديهي بالمرة أن تكون على وشك الخروج من جراحة دقيقة ، وتعمد بعدها مباشرة إلى خوض سباق في المسافات الطويلة ، معتمداً فقط على أقراص للهلوسة ، وللحديث تتمة .

2011/08/12

(4) أبو الهول ثائراً


إبقلم : ياسر حجاج
إذن فأبو الهول قرر العدول عن إستقالته ، وبادر بترك مكانه الذي ربض فيه طويلاً ليكتشف بأن الفضاء أرحب كثيراً مما كان يتخيل أو يرجوا ، فنفض عنه غبار تاريخه وجغرافيته ، ليتعلم فنون جديدة ما حسب فرعون وبيت الملك كله أنه قادر عليها ، فنهض ، وأول ما فعله أن أعلن كفره بكل الترانيم والتمتمات التي كان الكهنة يقتاتون منها وعليها ، ولأن الكفر ليس غاية في ذاته فكان على أبو الهول أن يبحث له عن دين جديد .

فرأيته بحث ونقب ، درس وتعلم ، ثم أيقن أن دينه الجديد ، ليس سوى الصراخ على نفسه وفيمن حوله ، سمع صراخه بيت الملك والحاشية ، وإهتزت معه كل قباب المعابد ، وظل الخلق يرقبون الصراخ القادم من الشرق ، صراخ فتت الأوصال الجامدة ، صراخ صدع الأبنية العتيقة ، صراخ بلا صدى ، فالصدى نفسه كان صراخاً ، وإصطحب أبو الهول معه أتباعه ممن ملوا النظر إليهم كمجرد حجارة تاريخية مليئة بالنقوش الجميلة ، والحكم والعبر التي تجري على ألسن الناس مثلاً ومثالاً .

غادر أبو الهول وصحبه على مركب للشمس صبيحة ليلة دافئة في إتجاه طيبة الجديدة ليوصل رسالة لفرعون وهامان وجنودهما مفادها بأنهم لن يكونوا بوسهم بعد الآن الإنخراط في جيش للسخرة لبناء هرم رابع ، وبأنه سيجرى كذلك النظر في كتابة تاريخ جديد على أعمدة المعابد ليس لبيت الحكم وحاشية الملك أي ذكر فيها ، وقرر أبو الهول ضمن أجندته المعلنة العمل على إعادة ترميم أنفه التي جًدعت بفعل نيران الحملة الفرنسية على مصر أولاً ، ثم التي جُدعت مرات ومرات بينما كان الفرعون الأخير يلهو ويعبث .

ليس على ورق من البردى هذه المرة سيكتب أبو الهول شكايته ، ولن يقف طويلاً خارج أبواب القصر ليسمح له بالبوح والإسرار ، إنما قرر الخروج في نزهة جنائزية ليقول لبيت الحكم كله كفاكم فإن التحنيط فن للموتى وليس للأحياء ، وأن كهنة معابدكم ما عادوا يمثلون الإله على الأرض ، وأن الأنهار التي كانت تجري بين ايديكم ومن تحت أرجلكم آن لها أن تتحول إلى فعل هادر وبعكس وظائفها الإفتراضية المقترنة دائماً بالمتعة والتأمل اللا محدود ، وأن صوامع غلالكم التي حجبتموها عنا هي أضعف من أن تهبكم يوماً آخر للشبع والراحة ... هذه ربما كلمات حدث بها أبو الهول نفسه وضاعت في ضجيج الصراخ الذي بات لوناً تعبيراً جديداً ومظهراً من مظاهر البلاغة الحديثة التي قلبت قواعد اللغة والتعاطي أخذاً ورداً ، وسقط الفرعون السقطة التي لم تكن محل شك كبير ، ومازال دوي وصخب السقوط يغطي كثيراً على مخازي بيت حكمه وحاشيته ، وللحديث تتمة .

2011/08/08

(3) أبو الهول ثائراً


بقلم : ياسر حجاج
قد تقف مشدوهاً في معرض لوحات ، يشُدك الرسم حيناً ، تلفتك الألوان حيناً ، يأخذك المعنى والمغزى حيناً ، ولكنك نادراً ما تجيل بصرك خارج اللوحة ، فتتأمل مثلاً الإطار المحيط بها ، أو بقعة الضوء التي تسلطت على الجدار الذي عُلقت عليه ، أو حتى ماهية الزوار الذين تعلقت عيونهم بها ، وقد تساءل نفسك في لحظة تجلي صوفية عن طاقة النور المنبعثة في احد أركانها ، وما إذا كانت هذه الطاقة تحديداً هي ما مثلت الوعي الإبداعي للفنان ، فدفعت خياله إلى أن يمسك بالريشة ، ويمزج الألوان ، ويترجم أحاسيسه إلى صور وأشكال ناطقة وصارخة ، وصامتة أحياناً ، وباكية ومنزوية أحايين أخرى .

بدأت لي الثورة المصرية كلحظة مصمتة وجافة إلى حد الخشونة ، وبدأ زخمها مع الوقت يصل بها إلى مرحلة من الإمتلاء والسيولة ، بفعل العرق والدماء ، ووصلت حتى كتابة هذه السطور بفعل اللا وضوح ، إلى مرحلة اللزوجة ، فلا هي بقيت جافة ولا هي إنتهت سائلة ، وهذا هو المسار الأخطر ، ليس في الثورة المصرية فحسب ، ولكن في أي شئ أريد له أن يكون على شفير الهاوية والنجاة معاً ، فلا هي ميتة تماماً ، ولا هي حية بدرجة كافية ، فهي للآن ثورة مبتسرة ، لم تكتب لها بعد أسباب النمو الطبيعي والتعافي في بيئة صحية خالية من فيروسات أصحاب المصالح وأنصاف المواطنين .

لم أجد خدعة كبرى على كثرة ما قرأت سوى ما يروى عن نصف الكوب الممتلئ ، ونصفه الآخر الفارغ ، فأصحاب النصف الممتلئ لن يجدوا صعوبة في إقناعك بأن نصف الكوب أفضل ألف مرة من وضعيته الفارغة ، وأن ما لاُيدرك كله لا ُيترك كله ، أما أصحاب النصف الفارغ ، فسيجدون منطقاً معقولاً ، عندما يأكدون لك أن أخطر مراحل الرحلة أن تنزل في منتصف الطريق ، فلا أنت بقيت حيث كنت ، ولا أنت وصلت حيث أردت ، وما بين المنطقين في الواقع تدور رحى الحياة ، فيراها بعضهم تطحن لك دقيقاً لتأكل ، ويراها غيرهم تطحن لك ماءاً ، وربما وهماً أيضاً .

بدأت الثورة المصرية كنتيجة منطقية لمقدمات غير منطقية ، وفي بواكيرها كنت أرى أن أخطر مراحلها قد تمثلت في ترسيخ سابقة تمثلت في إستحداث سلطة شرعية رابعة بجوار السلطات الثلاث ( التشريعية – التنفيذية – القضائية ) وهي سلطة الشارع بكل ما يموج فيه من أصحاب مشروع فعلي وصادق ، إلى أصحاب هوىً ومصالح ، إلى أفاكون وقطاع طرق ، فالكل تلبس بالثورة وتزيا بزيها ، وبات لفظ الثائر له جاذبية شخصية أخاذة في نفوس الكثيرين ، فلا شئ يضاهي أن يوصف شخص ما بأنه ثائر أو مجاهد أو مثابر ، إلى ما هنالك من هذه التسميات البديعة ذات الأغطية الشفافة ، التي وإن صدقت في حق البعض ، فإنها أبعد ما تكون عن بعضهم الآخر ، ومع صعوبة الفرز تكمن الأفخاخ .

بالعودة إلى لوحة الثورة ستتسع حدقتك بالتأكيد ، وأنت تشاهدها وتتمنى ربما أن تكون أكثر إتساعاً فتشمل شخوص وأسماء غابت عن المشهد ، وإن بشرت أو نادت به ، وستتمنى لو أن عُقد حياة هؤلاء لم ينفرط دون معاينة اللحظة والشعور والإمتلاء بها ، وفي ذات اللحظة ستضيق حدقتك ربما رغماً عنك هذه المرة ، فتختفي من اللوحة شخوص وأسماء أخرى تلبست بالثورة تلبس من لا يجيد فن الأزياء ولا تراتبية الألوان ، فباتت الأزياء الجديدة والمستحدثة أكبر حجماً من أن يملؤها أحدهم بقوة حنجرته أو طول ذراعه ، ولكنها على حال ، الثورة التي تتسع للجميع فتضمهم تحت عباءتها فيخرجون لاحقاً من أكمامها كأنبل ما يكون عليه المرء من حميد الخصال والمشاعر ويولد الجميع من جديد حاملين الأسم الأزهر والأبقى والأكثر جاذبية وحصرية في عالم الثورات الشعبية وهو إسم ( الثائر ) ، وللحديث تتمة .

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة