2012/11/27

فخامة الرئيس .. عفواً لقد نفذ رصيدك


طائر النهضة الحزين

إذا كانت لديك رخصة لقيادة سيارة ، فهذا لا يعني على الإطلاق أنك ستكون قادراَ على قيادتها بشكل آمن ومثالي ، ذلك ان حملك هذه الرخصة لا يعدو كونه قرينة بسيطة أو مؤشر معقول على إمكانيتك في القيام بذلك ، وكون منزلك العامر يحتوي على عدد من الكتب والمراجع أو حتى الصحف ، فإن ذلك أيضاً لا ينبئ بالضرورة على أنك ستعي ما تقرأ ، وإنما هو بداية معقولة لتشكيل أولي ومبدئي لملكاتك الذهنية ، وقد ينتهي هذا التشكيل بأن تصبح كائناً عاقلاً ومتزناً وذا رأي معقول في كل ما يدور حولك ، وقد ينتهي بك الأمر إلى ما دون ذلك ، فتعمد إلى وضع كتبك ومراجعك في مكتبة على الحائط المقابل لمدخل غرفة الصالون لتقع عليها عيون الزائرين والضيوف فيحسبوك ذاك الرجل شديد الإطلاع ، غزير الثقافة ، وانت تعلم أنك لست كذلك .

*****


هذه مقدمة بسيطة لما اود أن أقوله وأتوجه به للرئيس المصري د./ محمد مرسي على خلفية الإعلان الدستوري الشاذ الذي أصدره ومنح نفسه من خلاله صلاحيات تقوم على قاعدة ( لا أُسئل عمل أفعل والجميع يسئلون ) .

عزيزي فخامة الرئيس .. لقد حصلت على رخصة لقيادة مركبة الوطن عقب إنتخابات رئاسية تقول جماعتك ( المحظورة ) انها جاءت نزيهة ، ومن وقت حصولك على هذه الرخصة ظننت أنت أنها رخصة لقيادة سيارة خاصة ، تقودها بالكيفية التي تراها أنت وجماعتك ، دون أدنى مراعاة لقواعد السير أو الإنتباه إلى إشارات المرور ،  بل ودون أدنى فهم أن القيادة وإن كانت حقاً مشروعاً في ذاته ، فإن هذا الحق ليس منفلتاً من كل قيد ، ولا طليقاً من كل فهم ، فأراك تنطلق بهذه المركبة بسرعتها القصوى في مواضع الزحام والتكدس ، وتُبطئ من سرعتها إلى حد الملل في وقت كان يُنتظر منك فيه الإسراع والإنطلاق ، ناهيك عن جهلك المفرط في كيفية التعامل مع المنعطفات والمنحدرات والنتؤات التي تحفل بها الجغرافيا السياسية المصرية فيما بعد ثورة يناير 2011 .

عزيزي .. أنت تعلم وأنا أيضاً ، أنك لم تكن الإختيار الأول لجماعتك ، ولم تكن فارسها المنتظر ، وأن الأقدار وحدها هي من ساقتك ورمت بك على وجه هذا الشعب الكبير الذي لم يمنحك ثقة كبيرة ولا مطلقة ، بل ثقة محدودة أدخلتك بالكاد من باب ضيق وقصير إلى قصر الحكم ، وبدلاً من أن تحاول أن تغير من الصورة المتجذرة في نفوس الناس حيال جماعتك ومشروعها القائم على إحتقار الدولة الوطنية سعياً وراء هلاوس الخلافة وخرافات التمكين ، رأيتك تؤكد للناس ما كان محل يقينهم بالفعل ، بل وأضفت لهم أسباباً جديدة ومتجددة أنهم بالفعل كانوا على حق في تخوفهم من صعود امثالك إلى حيث دفة الحكم بالبلاد .

عزيزي .. لا يكاد يمضي أسبوع حتى يتأكد لي أن الرخصة التي بحوزتك قد تم منحك إياها من الباب الخلفي لجهة الإصدار أو الترخيص ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ليس أقلها رغبتك المحمومة والمتوحشة في فض بكارة دولة القانون من أساسها ، ليحل محلها قانون دولة المرشد وولي النعم ، وتشريعات أرباب المعاشات بمجلس شورى جماعتك ، فضلاً عما نال الصحافة المكتوبة على أيدي صبية مكتب الإرشاد المزروعين بمجلس الشورى ( المأمول حله بإذن الله ) وذلك من حيث التغييرات في المناصب الصحفية بهدف إستبعاد او إقصاء بعض الأقلام التى لا تدور في فلك جماعتك ، هذا فضلاً عن تخبطك وعشوائيتك في معالجة قضايا الوطن والمواطنين ، ودعني أسألك هنا .. ماذا تفعل بطاقم مستشاريك ومساعديك ؟ هل تستشيرهم بالفعل ؟ أم أنك تراهم مناسبين أكثر لتزيين الأسوار الخارجية لقصر الإتحادية ؟ أو ربما مهيئون أكثر من غيرهم للعب دور قطع الأثاث المتحركة ببهو القصر ؟

يا عزيزي .. إن حكومتك ( المهشمة المقندلة ) التي فشلت حتى في إقرار نظام لإغلاق المحلات التجارية مساءاً لا يمكن التعويل عليها للنهوض ببلد بحجم مصر ، فأرجوك يا سيادة الرئيس أن تبادر بتسليم رخصة قيادتك إلى الجهة التي أصدرتها لك ، قبل أن يتم سحبها منك لمخالفتك قواعد السير الآمن في المحروسة .. بالمناسبة يا ريس قبل ما أمشي .. أخبار العملية ( نسر ) التي تقودها بنفسك في سيناء إيه ؟ عندك خبر ؟ .

2012/08/23

الدكان

جملة وقطاعي

يكاد لا يوجد أمر هو أعمق أثراً وأكثر تجذراً في نفوس الناس من الدين ،  يستوي في ذلك أتباع الرسالات السماوية أو حتى معتنقي الديانات الشاذة ، وسيظل هذا الأثر والتجذر ما بقي الإنسان يدب بقدميه فوق سطح هذا الكوكب ، فالإنسان في حاجة دوماً لإشباع حاجاته الروحية بواسطة ذلك الخيط  الشفاف الذي يربطه بمن يؤمن أو يعتقد أنه خالقه ومبدعه ، ويبدو الأمر في إطار هذه العلاقة وكأنه يعتمد في جزء كبير منه على قدر لا نهائي من الإمتنان من المخلوق لخالقه الذي أوجده من عدم وتكفل له برزقه وهيئ له أسباب العيش ووعده بحسن العاقبة والمآل إن هو ظل متسقاً ومتصلاً بهذا الخيط الذي تتباين دقته وسماكته بمقدار ما يعتقده في خالقه من حسن ظن وقدرة على التدبير والتسيير .

مع إنتهاء أزمنة الرسالات وعصر النبوات ، وإنقضاء عهد صحابة الأنبياء والرسل وتابعيهم ،  ولآن الناس في غالبهم الأعم مرتبطين بخيط ما ، حقيقة أو مجازاً أو حتى خيالاً ، فكان من الطبيعي أن يوجد في كل مجتمع - قديم أو حديث - من ينبري ويقول لك أنه ربما أقدر من غيره على إعادة وضع قدميك على جادة الطريق المفضي للنهايات السعيدة والعاقبات الحميدة ، وأنه هو من يعرف بداية الخيط ومساره ومنتهاه ، وما عليك لبوغ المراد سوى الإتباع ، وتجنب الإبتداع ، فنشأت المذاهب الفقهية والمدارس الفكرية ، وتقلب الناس على فرش متعددة ، فيأوى الواحد منهم إلى المهجع الذي يراه أكثر قرباً من قلبه وعقله وروحه ، وتمر السنون وتتعاقب الأجيال ، فتندثر فرق وتنشأ أخرى ، وكنتيجة طبيعية لإختلاف الرؤى والإجتهادات وتغير الأمكنة والأزمنة إستعرت المعارك الكلامية التي تمر في بعض مراحلها على دماء وأشلاء المحبين والتابعين من جانب ، والمناوئين والمعارضين من جانب آخر وذلك كأثر مباشر للتعصب اللا محسوب لصاحب فرقة أو شيخ طريقة أو أتباع مذهب أو جماعة .

وبإنقضاء عهد الفرق وإغلاق باب الإجتهاد في الفقه الإسلامي منذ القرن الخامس الهجري تقريباً ، وعزوف الكثيرين بالتالي عن القراءة والمتابعة وعجزهم بالتالي عن الإستنباط والتحليل ، وجدت الرموز الدينية أخيراً مرتعاً خصباً للنماء وباتت تشكل بديلاً ولو شكلياً للمريدين ، فما بين يد تتشبث بالأضرحة وقت الأزمات ، إلى أخرى ترفع الصليب عندما يشعر أصحابه بالإضطهاد ، إلى ثالثة ترفع المصاحف في الهواء ، وصار الطقس تبعاً لذلك أكثر ملائمة لمباشرة نوع قديم جديد من التجارة وهو ( التجارة بإسم الله ) ، على أن يحل هذا النوع محل النوع الأنفس والأغلى والذي هو غاية كل مؤمن رشيد وهو ( التجارة مع الله ) ، ولأن التجارة بإسم الله صنعة رائجة ، وحرفة يزداد الطلب على أصحابها وقت أزمنة الإنحطاط الخلقي والإبتذال الفكري ، فقذ زاد معدل فتح دكاكينها لتقديم الخدمات التي تتسق مع شعار ( الزبون دائماً على حق ) ، والزبون في هذه الحالة ليس سوى الحاكم أو الرئيس وكيفما تمت تسميته ، فيعمد أصحاب الحرفة المهرة إلى إيجاد خيط ما ولو كان أوهن من خيوط العنكبوت ليربطون به ما بين الزبون والسماء ، وعلى اقل تقدير بزمن الصالحين من هذه الأمة .

عينة من الخيط .. ومن البضاعة

( إن سيرة الرئيس في الحكم ستكون على هدي من  سيرة  الفاروق عمر بن الخطاب ، وأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما ) ، ( إن قرارات الرئيس الأخيرة في رمضان بإقالة المشير حسين طنطاوى وإلغاء الإعلان الدستورى المكمل في رمضان تشبه فتح الرسول لمكة في رمضان ) ،  ( إن حكمة الرئيس تشبه حكمة سيدنا لقمان عليه السلام ) ، ( إن اليوم -أول أيام عيد الفطر الماضي - أعظم فرحة وعيد منذ فجر الإسلام ) ،  ( إن سفر الرئيس للملكة العربية السعودية وعودته منها كالإسراء والمعراج ) ، ( إنتقاد الرئيس ومعارضتُه حرام وطاعته فرض مثل الصلاة ، وواجبةٌ كطاعة الله ورسوله ، وأن حكمَ الإخوان هو حكم الله ) .

يا سادة .. هذه بعض من بضاعة الأقوال التي بيعت للدكتور/ محمد مرسي رئيس الجمهورية من خلال بعض حوارييه بحزب الحرية والعدالة ، وجماعة الإخوان (المسلمون) ، ومن لف لفهم من تجار الدين ، وأنظروا معي كيف يتم وضع اللبنة الأولى ، وحجر الأساس للإستبداد ، وكيف تتم تنشئة الطغاة عبر العصور ، فالحكاية تبدأ هكذا في الغالب ، أي إظهار الحاكم أو ولي الأمر في مظهر صاحب النقلة النوعية الفريدة ، والرأي السديد ، والعزم الشديد ، حيث يتم تصدير هذه المكونات إلى جموع المواطنين بوسائل شتى وأدوات عديدة ، وما على هؤلاء المواطنين تبعاً لذلك إلا أن يتوجهوا للبارئ عز وجل بكثير من الإمتنان والشكر أن ولى عليهم من يصلحهم ويعلي من شأنهم ، ولآن وقوف الأمر عند هذا الحد قد لا يكون كافياً بذاته لإنفاذ الهدف وتحقيق المراد ، فكان يلزم إضافة مسحة دينية إلى مقام الرئاسة لوأد أي محاولة للتفكير أو التمحيص ، فيتم وضع عباءة الدين ذات الألوان المزركشة على كتفي الرئيس ليتوصل برمزيتها هو وفريقه إلى التمكن والتسلط والتوغل وإن شئت فالتوحش على كل مقادير الوطن وسلطات البلاد ..

في أقل من شهرين فقط على توليه سدة الحكم ، بدأت مبكراً جداً عملية رسم الهالات المضيئة حول شخص الرئيس حتى ليخال المرء أنه ليس إزاء مخلوق من لحم ودم ، وإنما إزاء كائن ملائكي شفاف ، فقراراته مؤيدة ، وتوجيهاته مسددة ، فهو آية الله في خلقه ، وحمى الله في بلاده ، وظله الممدود على عباده ، حكمه هو حكم الله ، هديه هو هدي رسول الله ، طاعته طاعة لله ، عصيانه خروج عن شرع الله ، هو وسيلة الله في عمله ، سيرته هي سيرة الأخيار من أولياء الله الصالحين ، فمن تراه يجرؤ على مناطحة الصالحين ، أو النيل من مقامهم الشريف ؟ بدا الأمر وكأنه حرباً إستباقية من شأنها إماتة حتى محاولة طرح الأسئلة ، ناهيك عن الحصول على أجوبة 
.

قد يكون من السهولة بمكان مناقشة هذه الأكاذيب الرخيصة والفتاوى المغرضة ، ولكن المعضلة تكمن أحياناً في أن المناقشة هنا ستكون بمثابة إنزلاق لدروب من الوحل ، وحالها يبدو كحال من يقبل  مناظرة أحمق معلوم الحمق أو بادي النفاق ، فما هو المنطق الذي بوسعك إستعماله لمجابهة هكذا كذب وإفتراء سوى أن تقول حسبنا الله ونعم الوكيل في أناس لا يعلمون من أمر الدنيا والدين إلا القدر الذي يزين لأولي الأمر أعمالهم ، والأمر الغريب ، وربما المريب أن من قيلت في شأنه هذه المأثورات البلهاء لم يُنكر على قائلها قوله ، ولم يسارع إلى التبرئ منها بما يعني قبوله بها ورضاه عنها ، ويبدو أن هذا الرضا المشبوه سيشجع غيرهم على قول المزيد والمزيد لنصبح في النهاية إزاء حالة سريالية غير مفهومة يتم خلالها رسم صورة جديدة لمستبد آخر وهو يمر على أرض المحروسة .

إن تجار الدين سيفتتحون المزيد من الدكاكين وربما يدخلون في منافسة مع أصحاب دكاكين الفتوى التي بدأت في المسارعة إلى عرض بضائعها هي الأخرى ، فالزمن زمن رواج وإزدهار ، والغاية كل الغاية ليست سوى إرضاء الزبون .

2012/08/19

فروسية رئيس




على المستوى الشخصي لا توجد لدي أدنى مشكلة في أن يظهر الرئيس المصري / د. محمد مرسي ممتطياً صهوة جواد جموح على غلاف مجلة أكتوبر المصرية الحكومية في عددها الأخير ، بشرط أن يكون ذلك في باب ( الكاريكاتير الساخر ) أو مصاحباً لزاوية بعنوان ( صدق أو لا تصدق ) ، لكن أن يُصور الجواد الذي يمتطيه الرئيس على أنه جواد الثورة ويأتي ذلك على الغلاف الأمامي للمجلة فذلك أمر أشق على النفس من أن تمرره ببساطة أو تستوعبه هكذا بسهولة ، فالقاصي والداني يعرف الدور المتأخر لمشاركة الإخوان في الثورة المصرية ، بل كانت قياداتهم من المتحفظين على المشاركة فيها إبتداءاً ، لكن حينما بدا يلوح في الأفق أن الثورة بالغة مرادها لا محالة نزل الإخوان إلى الميادين والشوارع لحصد المكاسب وجني الثمار في غفلة من الثوار الحقيقيين .

 إن جواد الثورة الذي يمتطيه الرئيس في الصورة المبينة أعلاه لا يمكن النظر إليه – على الأقل بالنسبة لي – إلا في إطار الجريمة المنظمة التي تستهدف إظهار الأمور على غير حقيقتها التي يعرفها الجميع ، كما أنها لا تعدو أن تكون سوى إضافة مساحيق تجميلية رديئة سينبلج الوجه الحقيقي لصاحبها إن عاجلاً أو آجلاً ، أو كما يقول ويليام شكسبير أديب الإنجليزية الأكبر أن الخنزير لو إستخدم أفخر أنواع أحمر الشفاه فإن هذا لن يغير من حقيقة كونه خنزيراً .

هذا تعليق بسيط على صورة مقززة تُسارع من وتيرة سقوط الأوراق التي تغطي سوءات الجماعة وما أكثرها من سوءات .

2012/08/14

الوجه الكامل


بشرفة بالطابق السادس ، وبينما شمس اليوم الطويل تستأذن في الرحيل ، تم الدفع بمقعد أنيق في إتجاه ساعة الغروب لترقب القادم الجديد من ساعات الليل ، وعلى وقع رشافات هادئة من فنجان قهوة تم إعدادها على عجل ، تصاعد دخان السيجارة وبدا وكأنه هو الآخر في عجلة من أمره ، فها هي الخيوط تتبع الخيوط لتشكل في إرتفاعها كائنات هلامية أو مخلوقات خرافية غير مبينة المعالم ، وعلى وقع السكون الذي حل بالمكان أتيت ضيفتي المنتظرة فأوسعت لها مكان ، ثم يممت ببصري جانباً متحاشياً النظر إليها مباشرة ، وبرقت في اللا شئ ، ساد الصمت لفترة لم يبدده إلا سؤالاً مباغت من ضيفتي بعد أن إبتدرتني قائلة :-


·      علمت أنك على وشك السفر.. هل هذا صحيح ؟
·      نعم هذا صحيح .
·      "باسمة" .. يبدو أنك تسعى لتجديد خلاياك الميتة .
·      "بحدة" .. يُحتمل أيضاً السعي إلى إماتة خلاياي الحية .


ساد الصمت من جديد ، فيبدو أن إجابتي لم تكن لتشجع على مزيد من الإسترسال ، وإعتراني قدر من الحرج أن قتلت الكلام على شفة أرادت الحياة ، فعمدت إلى تلطيف الأجواء فبادرت ضيفتي قائلاً  :-


·      هل تقبلين الرفقة في سفري ؟
·      متى ؟
·      عندما تستقر قوانين الحركة والسكون .
·      أفهم مرادك .. فأنت دوماً تسافر في المكان ، وتسكن أوقات الإرتحال     
·      نعم .. فأنا أعشق التحرش بقوانين الفيزياء .
·      يحيرني أمرك حقاً .. كيف تتقلب على وجوه الأشياء ؟
·      أتقلب عليها من منظور الظهور والإختباء .
·      بمعنى ؟
·      الظهور ليس دليل وجود ، كما أن الإختباء ليس دليل عدم .   
·      "ضاحكة" وكأنك تؤمن بنظرية الأشباح .
·      طوفي ببصرك حول المكان .. ستجدينها في كل مكان .
·      هل تتحدث إليها ؟
·      تقريباً لا أتحدث إلا إليها .
·      هل تراها ؟
·      يكفي أن أشعر بها .
·      وماذا عن الناس ؟
·      خلق من خلق الله ، غير أنني بهم قليل الإنفعال .


بدأت إجابتي الأخيرة صادمة ، ورأيت أثر ذلك على وجه ضيفتي رغم محاولاتها لصرف إنتباهي عن ذلك ، ولكن قد سبق السيف العزل ، إلا أنها هذه المرة هي من لطفت الأجواء بسؤال جديد بدا لي ودوداً كونه يتعلق بما أحب.


·      أما زلت تهوى السهر ؟
·      لا يستهويني الليل إلا بالقدر الذي أمقت به النهار .
·      كثرة السهر أسهدت جفونك ، أنظر إلى إحمرار عيونك .
·      هذا ليس بشئ .. فقليل من القطرات المعقمة ستفي بالغرض .
·      ومتى تبدأ رحلة علاجك لها ؟
·      طالماً أنني أرى عقرب الثواني يسير فكل شئ على ما يرام .
·      وهل هذا دليل صحة وعافية ؟
·      لا .. بل دليل على أن الأمور لم تتجه للأسوأ بعد .
·      وفي ظنك متى تتجه الأمور ذاك الإتجاه ؟
·      عندما تتشابه الخطوط وتتماثل الإتجاهات .
·      حسناً .. قل لي .. هل لديك أفكار لقضاء إجازة لطيفة ؟
·    نعم .. سأعمل جاهداً أن لا أرى الناس بأنصاف وجوه .
·      ومتى يكون الناس بأنصاف وجوه ؟
·      عندما أجدهم لا يستحقون حواسهم كاملة  .


عاد الصمت المشوب بالإرتياب ليلف المكان ويبعث بروائح من الخوف ، وأغمضت عيني للحظة إستجابة لهبة نسمة خفيفة ، ثم عاودت النظر إلى موضع ضيفتي لأتحسس وقع كلامي على محياها ، فوجدتها غادرت المكان ولحقت بآخر خيط من خيوط شمس المغيب بعد أن أسلمتني إلى شبح جديد بدا يلوح في الأفق لتبدأ مناظرة أخرى في أمسية رائعة مع واحد من ذوي الوجوه الكاملة .

2012/08/12

مصر في سوق النخاسة




سعيد الحظ بلا شك هذا الجيل من المصريين بعد أن شاءت لهم الأقدار الحياة حتى يكونوا شهود عيان على لحظات هامة من عمر وطنهم ، هذا الوطن الذي يجري الآن إعادة تشكيل هويته ومقوماته ليتلاءم مع رجال المرحلة وأهدافها .. نعم .. سعيد الحظ هذا الجيل لأنه سيكون لديه ما يكفي ليحكيه عن مشاهداته وإنطباعاته لصغار أولاده وربما أحفاده المنتظرين ، غير أنني لست متأكداً من أن قطاعاً من هذا الجيل سيشعر بالراحة والسكينة وهدوء البال والرضا وهو يروي المشاهد كما رآها وسمعها وتفاعل معها وفهمها ، ولأنني لست متحدثاً إلا بلسان نفسي ، فأنا وأكثر من غيري أستطيع أن أقدر وأتفهم أيضاً كم الخجل الذي سأشعر به وأنا أحكي للصغار عن حقبة عايشتها ولم أشارك فيها إلا ببضع كلمات ربما لا يهتم بقراءتها أحد .

بكل ضمير مستريح أستطيع أن أؤكد لنفسي الآن أن الجيش المصري قد باع العباد ومن قبلهم البلاد لمجموعة من النخاسين بجماعة الإخوان (المسلمين) الذين لا يريدون سوى التسلط على الرقاب والإتكاء على مساند إمارة الحكم في البلاد ، والوصول بأي طريق إلى فك الشفرة الوراثية للدولة العتيدة القديمة ليتم العبث بها جينياً من خلال بضعة جراحين لا ضمير لهم  بمكتب إرشاد الجماعة ، ليتمكنوا تبعاً لذلك من تغيير الطقس العام للبلاد وتحويل المواطنين إلى جوقة عزف مكتملة الأركان تجيد قراءة النوتة الإخوانية ، واللعب على أوتار معدة سلفاً لا ترى في الإخوان ودولتهم وتنظيمهم الدولي المشبوه إلا لحن الوجود والخلود .

بات في حكم المؤكد الآن – على الأقل بالنسبة لي - أن المجلس العسكري المصري ومعه جماعة الإخوان لم يكونا يخوضان أية حرب لتكسير العظام لفرض إرادة أحدهما على الآخر ، بينما الأمر لم يكن في مجمله سوى إتفاقية ( سايكس بيكو محلية ) تم من خلالها تقسيم المغانم وتوزيع القلائد والأنواط والترضية بالمناصب الشرفية الفارغة من أي مضمون ، وما على الشعب المصري الكبير سوى أن يلعب دور الأرملة اليتيمة التي تنتظر في غرفة نومها إنتظاراً لمقدم مغتصب جديد .

إن سياسة عض الإصبع التي روج البعض لها على أساس أنها تحكم العلاقة بين الجيش والإخوان لم تكن في محلها على الإطلاق ، فما أشعر به حقاً الآن أن الإصبع لم يكن سوى أصبع الوطن الذي كان بين فكي الجيش والإخوان إلى أن تم الإتفاق بينهما على مفاوضات التسليم والتسلم لمقدرات الوطن والتي يبدو أنها لم تكن عسيرة ولا حتى مبعث قلق كبير ، وأن الأمر لم يزد في تقديري عن التلفظ بعبارات مختصرة تجمل شروط معينة لصحة ونفاذ عقد البيع مع آليات التسليم والتسلم ، وبمراعاة قواعد الإيجاب والقبول على النحو التالي :-

جماعة الإخــــــوان : بكم تبيع البلد ؟
المجلس العسكري  : مش هنختلف على السعر .
شهــــــــــود الزور : على بركة الله .

شئت أنت أم أبيت فإنه يجب عليك أن تعلم أن التاريخ يكتبه دائماً المنتصرون وإن كانوا مدلسون ، وليس بالضرورة المنهزمون وإن كانوا أصحاب حق ومخلصون ، فالمنتصرون وإن كانوا جناة أفاكون يكتبون بلغة حاسمة داحضة تتضاءل أمامها بلاغة وتبريرات المسحوقين والمقهورين ، وأرجوك أن لا تسألني عن المنطق والعقل في كل ذلك ، فقد حدثك التاريخ يا عزيزي غير مرة أن نفر من البغاة والقتلة والمجرمين كانوا يحملون لقب ( أمير المؤمنين ) ،  وهاهو التاريخ من جديد يعود فيخرج لك لسانه ثم يقول لك هاهنا جماعة جديدة من النخاسين أطلق عليها بالأمس القريب ( الإخوان المسلمين ) .


إن مصر التي هي ( حرة قد تجوع ولكنها لا تأكل بثدييها ) لهي على المحك الكبير ، وأن أبنائها بمعظم طوائفهم  أكثر من أي وقت لمدعوون للإنتفاض وتسجيل المواقف الوطنية الجادة لكي لا يكون أياً منهم شاهد زور أو ساكت عن حق في زمن النخاسة ، ولكى لا يُـفاجئ أي منهم غداً أن الوأد عاد ليصبح عقيدة عصرية .


2012/08/10

فرقة بديع

الشبيحة

فارق كبير جداً بين أن تتمتع بالقوة وبين أن تحرص على ممارسة هذه القوة بمناسبة وبدون مناسبة أحياناً ، فمن حيث المبدأ جميل أن تكون متمتعاً بالقوة ، وسيكون مدهشاً حقاً أن يكون مصدر قوتك نابع من فكرك المستنير ، وآمالك الخيرة لبناء نهضة حقيقية لأسرتك ومجتمعك وأمتك ، ولا بأس من أن يكون مالك مصدر آخر لقوتك طالماً كانت مصادر جلبه وإنفاقه متسقة أخلاقياً مع المبادئ الدينية التي تتبناها وتؤمن بها ، ولا غضاضة إطلاقاً في أن يكون جاهك وحسبك مصدراً إضافياً لهذه القوة مادام إستخدامها لن يجاوز الحدود التي تأمن داخلها من عبث الكائدين والمتآمرين .. نعم فالقوة أمر حسن ، بل ومطلوب السعي لإكتسابها لتحقيق النبيل من الأهداف والمقاصد الخاص منها والعام .

إن القوة التي أقصدها هنا ليست سوى القوة العاقلة التي هي في المجمل ذاك الشعور المعنوي والنفسي الذي يعتمل في دواخلنا أكثر منه مظاهر وتعبيرات خارجية أو تطبيقات عملية لهذه القوة ، ولكل منا مصادر متنوعة للقوة ، فمنا من يجنح للقوة الناعمة أو الرشيدة التي ترسل رسائل غير مباشرة وسلسة لكل من يهمه الأمر ، ومنا من ينتهج القوة الخشنة لإيصال رسائله المباشرة والإستباقية أحياناً ، وهنا تتحول القوة إلى نوع من أنواع البلطجة التي تمثل الوجه الأكثر قبحاً للقوة .

من هنا أقول أن زمام الأمور في مصر الآن بيد حفنة من هؤلاء البلطجية وهم جماعة الإخوان المسلمين الذين لا تتوقف رسائلهم الشاذة للقاصي والداني ، فما خطبهم ، وما حقيقة شأنهم ؟ يكاد لا يظهر أحد منهم إلا ونفخ في بوق وأشعل حريق ، يصك المسامع ، يلهب المشاعر ، يستدر المدامع ، فقد إسترهبوا الناس ، وأوجلوا خاطر الخلق ، فجعلوا الحليم حيران ، يضرب أخماساً في أسداس ، فمن ذا الذي سلطهم على رقاب العباد ؟ ومن تراه أسلمهم زمام البلاد ؟ أهي حقاً صناديق الإنتخابات ؟ أتحسبون هذا صحيحاً ؟ لا .. فما أعطاهم أحداً صوته – من غير شيعتهم - لطلعة أحدهم البهية ، ولا خفة ظله الندية ، إنما حصدوا الأصوات لأن أناس منهم فرقوا صكوكاً للغفران كُتب عليها ( من هنا باب الحنان المنان ) ، ( هاهنا بيت الحائر والجوعان )، نعم لقد أطعموا البائس الفقير لأيام ، ولكنهم قايضوا إرادته بحرام المال ورخيص الطعام ، وبت أسائل نفسي وأنا في حيرة من أمري ، أهؤلاء حقاً ثمار غراس الإمام الشهيد حسن البنا ؟ أهؤلاء حقاً مستنبت حقول الجماعة ؟

قبل الثورة كانوا وجلين مترددين .. أتوا متأخرين .. إنصرفوا مبكرين .. ولكنهم يا أقدار الله وفي غفلة ثلة من الثوار المساكين قبضوا على الزمام ، ثم ألزموهم اللجام ، ومضوا مسرعين إلى قصور الرئاسة فاتحين ، وهللوا مكبرين .. هي لله .. هي لله ، أكانت حقاً هي لله ؟ أعلم من كتاب الله سبحانه أنه لا يقبل إلا طيباً ، فما هي طيب فعالهم وجميل خصالهم ؟ فلا أرى منهم إلا تهديد ووعيد ، وإرغاء وإزباد ، وغي وعناد ، فبأي فخر يشعرون ؟ فأغلبيتهم تدليس ، وخطابهم تديين في تسييس ، أعداءهم بالأمس أصدقاءهم اليوم ، يالروعة التبديل والتغيير ، أتراهم يا سادة بقوس قزح يهيمون ؟

إن إحساس الجماعة المتنامي بالقوة ، والزهو بإظهار هذه القوة في كل مناسبة وحين لدليل على الحمق الكامن في عقول رجالها الذين تحولوا من مشاريع عاقلة مفترضة للنهضة والتنمية إلى كائنات ميكافيلية متغطرسة لا هم لها سوى التمكين والإستحواذ والتمترس خلف الدين ، حالهم في ذلك حال أي مستبد سافل وساقط عبر التاريخ والذي سيتجاوزهم بعد أن تجاوز من سبقهم ممن كانوا أشد قوة وبطشاً وعلواً .

ويوماً ما سينبؤنا التاريخ – كعادته دائماً – أن القوة الفاعلة هي قوة الحق لا قوة البطش ، قوة العمل لا قوة الصراخ ، قوة الإخلاص لا قوة التدليس ، ولكن للأسف فإن التاريخ لا يقدم لنا تعليماً مجانياً ، ولا يعطي دروسه هكذا بلا مقابل ، وإنما هناك دوماً من يجب عليهم دفع فواتير معينة لإستخلاص المعنى ، وفي الغالب لا يدفع هذه الفواتير سوى أنا وأنت ، من مالي ومالك ، من وقتي ووقتك ، من دمي أحياناً ودمك .

بإختصار فإن جماعة الإخوان المسلمين ليست سوى مشروع حزام ناسف ملفوف بإتقان حول خاصرة الوطن وجاهز للتفجير في أي وقت بواسطة جهاز تحكم عن بعد موضوع بجيب مرشد الجماعة وكبير شبيحتهم المدعو / محمد بديع ، وليس المطلوب سوى نزع جهاز التفجير بكل حكمة وفن دون إراقة دماء ، مع وضع محمد بديع وفرقته في مكان آمن بحسبانهم مسجلين خطر .

2012/07/17

ماذا يطبخون لمصر !!


دعونا نتفق بأن القريحة البشرية لم تتمكن بعد من خلق وسيلة أكثر نزاهة أو موضوعية من صناديق الإنتخابات كوسيلة لإستمزاج هوى ورأي جموع المواطنين في شأن من الشئون ، ودعونا أيضاً نتفق بأن ما تفرزه هذه الصناديق ليس بالضرورة أفضل الإختيارات ، وإنما ربما أقلها سوءاً أحياناً ، وعليه فإنك شئت أم لم تشأ فقد بات مرشح جماعة الإخوان المسلمين د./ محمد مرسي رئيساً لمصر ، وبصرف النظر عن رأيك الخاص في شخصيته ، فإن نسبة أكثر منك عدداً تراه خفيف الظل بهي الطلعة ، قادراً على قيادة الدولة ، بخلاف رأيك الذي تعتبره مهيئاً أكثر لملازمة منزله لمطالعة الصحف وتأدية فروض الصلاة بالمسجد المجاور .

لا ينطوي الأمر على التقليل من شأن الرجل أو الحط من قدره ، إنما هو تقرير واقع لما هو واقع بالفعل ، فهو على المستوى الإنساني الصرف قد يكون إنساناً رائعاً بحق ، قد تشعر بالسعادة لكونه جارك مثلاً ، أو زميلاً لك في العمل ، ولا يوجد بأس في أن تصطحبه إلى رحلة لقضاء مناسك الحج أو العمرة ، وسيكون أمراً معقولاً تماماً أن ترتبط به بعلاقة نسب أو مصاهرة ، أو تجمعكما جلسة لطيفة على المقهى وأنتما تتنافسان في مباراة للشطرنج أو الطاولة ، كل هذا وارد وحسن أيضاً ، لكن أن يكون رئيساً لدولة بحجم مصر ، هذا ما أراني غير قادر على هضمه حتى مع إستخدام أفضل أنواع عصائر الليمون .

منذ أكثر من أسبوعين وأنا أسائل نفسي عن إمكانيات هذا الرجل لكي يشغل هكذا منصب ، ثم أدركت ببساطة أنني إنما أسأل سؤالاً ساذجاً ، ذلك أن الرجل لا يمثل رؤيته الخاصة ولا مشروعه الخاص ، إنما يمثل رؤية ومشروع ظلا يعيشان في الظلام وفي أروقة السراديب لعقود طويلة ، وتعاقب على إعدادهما وطبخهما رجالات كثر ، منهم من مضى ومنهم من بقى ، فتم الدفع بصاحبنا ليشكل الواجهة السياسية البرتوكولية لإنفاذ الرؤية وتطبيق المشروع اللذين يجري إعدادهما خارج أسوار قصر الرئاسة ، وما على الرجل سوى إعداد المائدة وتقديم الأطباق  ، وإذا بدأت تشعر بالصدمة أنك لست بصدد أو إزاء رئيس فعلي يحكم ، فإنك على الأقل بدأت تعلم من هو الرئيس الذي يتحكم ، فما عليك سوى أن تيمم بصرك شطر منطقة المقطم لتدرك من هو الصدر الأعظم بمصر ، والذي لا يسكن بالضرورة في القصر ، فالعبرة دائماً بالمعنى لا بالمبنى ،  وبالمكانة لا بالمكان .

ينبني على النتيجة السابقة - رغم بساطتها - أمر هام يتجلى في أنك قد عرفت الآن إلى من يجب أن تتوجه إليه بحديثك ، فنحوا فخامة الرئيس المنتخب جانباً ، وأريحوه من سهام النقد ، وتوجهوا بدلاً من ذلك إلى فريق الطهاة بمقر جماعة الإخوان المسلمين ، وليس يخالجني شك أن معرفة الوقائع على حقيقتها مهما بدت صادمة أو مرة ، أفضل كثيراً من المناورة والمداورة فيما لا طائل من ورائه ، فهذا الرجل القابع في قصر الرئاسة - ولكي لا تحمله ما لا يُطيق - ليس سوى إسم يرد ضمن كشوف رواتب العاملين بهذا القصر والذي يستحق راتباً بنهاية كل شهر ، وتنحصر مهمته تقريباً في الجلوس بجوار الهاتف إنتظاراً لمكالمة من كبير الطهاة ، أو ترقباً لوصول رسالة مع مخصوص كُتب على مظروفها الخارجي ( عاجل ويُنفذ ) .

هل يستمر هذا الوضع كثيراً ؟ لا أدري ، فهذا يتوقف بالتأكيد على قدرة حواسك على الإستساغة ، وقدرة معدتك على الهضم ، فقط أود تذكيرك بأنه إذا أتى اليوم الذي تمل فيه الطعام ،  ثم قررت في لحظة غضب عنترية أن تقلب الطاولة بما عليها من أطباق ، أن لا تتوجه بالعتب والملامة إلى سفرجي القصر ، وإنما إلى الطهاة القابعين بمطبخ الجماعة .

2012/07/08

جماعة الإخوان المسلمين .. والشاطر حسن


من نوادر ما يروى عن حقبة الأستاذ حسن البنا "رحمه الله" هذه المحادثة القصيرة التي جمعته بمصطفى باشا النحاس رئيس وزراء مصر الراحل عندما لمس الأخير رغبة الأستاذ البنا في الإنخراط في العمل السياسي والترشح لعضوية مجلس النواب آنذاك ، فخيره النحاس باشا ما بين العمل الدعوي والعمل السياسي ، فأخبره الأستاذ البنا بأنه يريد الجمع بين العملين ، فقال له النحاس باشا ممازحاً بأن رغبته تلك لن تجعل منه الشيخ حسن ، بل الشاطر حسن .

هذه اللمحة القصيرة من حديث الأستاذ البنا والنحاس باشا – على بعد العهد بها نسبياً - تظهر وكأن الحديث كان وليد الساعة أو الأمس القريب فقط ، فهاهم أبناء الجماعة الآن يحملون على عواتقهم ذات الأمنية التي طالما راودت الأستاذ البنا ، ولم تتحقق قط في حياته ، فحمل ابناء الجماعة أحلام الماضي وذكريات الأمس بدموعه ودمائه ويمضون الآن بها صوب المستقبل دون أن يكلفوا أنفسهم عناءاً قليلاً يتمثل في التحلل من هذه التركة الثقيلة ، معتقدين أن مثل هذا التحلل سيعتبر بمثابة إنقلاباً على الأفكار والأهداف التي نشأت الجماعة من أجلها ، وأن التراجع عنها سيشكل إنتكاسة للمشروع الإسلامي الذي تقول الجماعة أنها تحمله للأمة ، فضلاً عما ينطوي عليه ذلك من خيانة لدماء شهدائهم وفي المقدمة منهم مرشدهم الأول ومؤسس الجماعة الأستاذ البنا ، فآثروا إلا الجمع بين العملين دعوياً وسياسياً ، مع ما لهذا من مخاطر تتمثل في إمكانية طغيان أحد العملين على الآخر ، وفي أفضل الأحوال خلط وتخليط بينهما بحيث يتماهى أحدهما في الآخر ، فلا تكاد تميز بين الدعوي والسياسي ، وينتهي الأمر بإضاعة الدعوى في دهاليز السياسي ، وإكتفاء السياسي بلافتة دعوية .

في تقديري أن جماعة الإخوان المسلمين – في جيلها الحالي على الأقل - تعد واحدة من أكثر الحركات الإسلامية التي مارست العمل السياسي حماقة ، إن لم تكن أكثرها حمقاً على الإطلاق ، ذلك أنه في إطار الحكم على جماعة أو تيار فإن الإهتمام ينصب في المقام الأول لا على المشروع الذي تتبناه هذه الجماعة أو ذلك التيار فحسب ، وإنما أيضاً على مدى إستيعابها لفكرة الزمن ودوران عجلة التاريخ ، فما كان جائزاً بالأمس ليس بالضرورة أن يكون ممكناً اليوم ، وأن ما صح العمل به في الماضي قد لا يكون بالضرورة صحيحاً الآن ، ذلك أن الأمر يتطلب قدراً أكبر من الحكمة في معالجة التطورات المتلاحقة التي تعج بها حياتنا المعاصرة بكل تعفيداتها التي لا تخفى على أحد ، وأنا هنا لا أطلب من الجماعة أن تتنكر لفكرتها الرئيسية ، أو أن تتبرأ من أبائها المؤسسين ، إنما فقط أن تعي المصلحة والمقاصد العامة والقواعد الكلية التي تقوم عليها فكرتها وأهدافها ، وضمن نطاق مصلحة الدولة المركزية ومصلحة المواطنين بها .

فالجماعة لم تُحسن أبداً البناء أبداً على  التعاطف الذي حظيت به قبل ثورة يناير 2011  ، ولم تحاول تغيير الصورة النمطية المتجذرة في أذهان الكثيرين ممن يختلفون معها فكرياً ، بل أنها وبغباء لا تُحسد عليه ساهمت في ترسيخ هذه الصورة ، بل وتسليط الضوء عليها أكثر فأكثر ، وأعطت لقطاع كبير من الناس ممن صوتوا لها ألف سبب وسبب ليلوموا أنفسهم أن كانت أصواتهم لهم في أول إنتخابات برلمانية بعد الثورة .

يحاول الإخوان إختزال التاريخ ، والقفز على حواجز طولها آلاف السنين هي عمر الدولة المصرية ، متوهمين أن هذه الدولة العتيقة قد دانت لهم ، وأن رفع رايات التدليس سيجعل جموع الشعب تلهث وراءها بلا أي وعي ، متناسين أو متوهمين أن المعدة المصرية قادرة على هضمهم كما هضمت من سبقهم ممن يفوقنهم حجماً ودسماً ، وسيأتي اليوم – لا أعلم متى – الذي تتمنى فيه جماعة الإخوان أن لو بقيت جماعة دعوية كما كان يتمنى المؤسس الأول والمرشد الأول الأستاذ / حسن البنا ، ولكن منهج الشطارة مازال هو المهيمن على لب الجماعة وفؤادها ، والإستحواذ بعد خرافة التمكين مازال سيد الموقف ، وإن أردتم التيقن فما عليكم إلا سؤال شاطراً آخر منهم .. إسمه خيرت .

شاطر يا خيرت

2012/07/04

سينما الإخوان

سكوووووت .. هنصور



منذ حوالي ثلاثون عاماً أو يزيد قليلاً عرض برنامج نادي السينما بالتليفزيون المصري فيلماً كوميدياً أمريكياً بعنوان ( كيف تقتل زوجتك ؟ ) للممثل الأمريكي الراحل جاك لمون ، وعلى أثر ذلك قام أحد المشاهدين بالكتابة إلى الباب المخصص لبريد القراء بجريدة الأخبار للتعليق على هذا الفيلم بقوله ( أن برنامج نادي السينما لم يكن بحاجة لعرض هذا الفيلم ، فنحن نعرف كيف نقتلها جيداً ) ، تبسمت وقتها وأنا أطالع الجريدة من خفة ظل هذا المشاهد الذي إستكثرعرض فيلم يعرف هو أكثر من كاتب السيناريو كيف ينجز مهمته بنفسه .

ولعل أهم ما في مقولة هذا المشاهد الرسالة الضمنية التي حوتها كلماته الطريفة والتي أظهرت في ظني أن العامة - كما يسموننا دائماً - ليسوا بالضرورة غائبون عن الوعي أو الإدراك ، بل أنهم وبصرف النظرعن ظروفهم المعيشية الصعبة ، فهم قادرون على الدوام على تلقي الرسائل مهما كانت مبهمة أو ملفقة ، ولديهم آلية عجيبة في تفكيك شفرتها ، ولديهم أيضاً المقدرة على الرد عليها بأساليبهم الخاصة وبشكل يتحدى أحياناً خيال أعظم الكتاب والمبدعين .
 
 
هذه الأيام تلح على ذهني كثيراً مقولة هذا المشاهد اللطيف محاولاً إسقاطها على واقع الأمة المصرية الحالي بعد أن تم إرتهانها منذ أيام قليلة من خلال جماعة الدائنين لحين سداد ثمن متأخر مع الفوائد منذ عام 1928 ، حيث يتعين على الجميع القبول بحالة وضع اليد على الوطن تمهيداً لسداد فاتورة الحساب مهما بدا الثمن باهظاً والفائدة فاحشة .

وكلما حاولت التحلل من هذه الملاحقة التاريخية التي إحترفت هذه الجماعة توظيفها ، فإنني أفشل في الدنو حتى من أقرب معامل للأمان ، فأترك لخيالي السفر قبل النوم ، وأمني النفس أن أشاهد نسخة معدلة من فيلم ( رصاصة في القلب ) .

2012/07/03

دين الله أم دين المرشد ؟


تكثر مرويات التاريخ التي تنقل لنا الواقعة التي كانت جزء من مشهد أدى لاحقاً إلى ترسيخ الحكم المطلق في دولة الإسلام ، وإقرار مبدأ توريث الحكم دون مواربة ، ففي قصر الخلافة بدمشق كان معاوية بن أبي سفيان يعد العدة لولده يزيد لتولي ولاية العهد ، ثم إمارة المؤمنين من بعده ليصبح خليفة للمسلمين ، ويبدو أنه كان يستشعر المعارضة لهذه الخطوة من قبل جمع من صحابة النبي صلي الله عليه وآله وسلم على إعتبار أن من بينهم من هو أحق بالخلافة من ولده ، وأن ترك الأمر لشورى جماعة المسلمين لهو خير من فرض خليفة عليهم بحكم الأمر الواقع ، إلا أن معاوية على الرغم من ذلك فتح قصر الحكم للوفود لتزكية ولده يزيد بولاية العهد ، وهي الخطوة التي لم يسبقه إليها أحد ممن تولى الخلافة قبله .

كان من بين الحضور في قصر الحكم رجلاً فيما يبدو أتى ممثلاً لإحدى الجماعات أو القبائل التي وفدت لمباركة خطوة معاوية بن أبي سفيان وتقديم بيعة مبكرة لولده ، حيث بادر الرجل الجميع بخطبة غاية في القصر.. آية في البلاغة ، إذا قال مخاطباً جميع من حضروا :-

( أمير المؤمنيـن هذا ) وأشار إلى معاوية .
( فإن هــــــــلك فهذا )  وأشار إلى يزيد .
( فمن أبـــــــى فهذا  )  وأشار إلي سيفه .
وهنا بادره معاوية بالقول ( إجلس .. فأنت سيد الخطباء ) .

كان الرجل في تأييده لخطة معاوية صريحاً ، واقعياً ، وربما حاداً ، لكنه لم يكن – بأي حال – لا مناوراً ولا متلاعباً ، بل أنه ومنذ اللحظة الأولى أفصح عن موقفه بوضوح ودون أن يضطر إلى مماحكات ومناكفات وتطمينات ولا حلول وسط ، ولا أعتقد أن واحداً منكم سيكون بحاجة لبذل جهد إستثنائي لفهم مراد الرجل .

وأنا في الحقيقة أرتاح أكثر إلى هذا النمط من التفكير ، فمن تقابلهم في حياتك على هذه الشاكلة ، وإن بدوا لك مباشرين أكثر من اللازم سيكونون أيسر في التعامل والتعاطي معهم من حيث وضوح الرأي الذي يتبناه أي منهم ، أو حدود القضية التي يدافعون عنها ، وسيسهل عليك بالتالي مناقشتهم أو مناظرتهم ضمن أطر واضحة وليست مائعة أو ملتبسة ، ومن حقك بطبيعة الحال أن تختلف أو تتفق مع هذا الصنف من الناس كيفما شئت ، ولكن صدقني ستشعر في مرحلة ما أنك تمارس مبارزة مع فارس عاقل متصالحاً مع نفسه ، متسقة مواقفه مع أفكاره ، يعرف ما يريد ، ويدافع عما يريد بكل قوة ووضوح .

ولعل أهم ما لفت نظري في هذه الواقعة أن الخطيب سالف الذكر لم يلعب على وتر المشاعر الدينية للحضور ، إذ كان بوسعه مثلاً أن يُذكر الجميع بأن من تُطلب له البيعة في هذا المقام هو إبن لأحد كتاب الوحي ، وأن عمته هي زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإحدى إمهات المؤمنين وذلك بنص القرآن الكريم ، وأن لأبيه من المناقب ما له ، لكن الرجل آثر فيما يبدو الولوج مباشرة إلى صلب القضية ومربط الفرس دون المرور على تخريجات أو حيل ممجوجة .



نسيج آخر من الناس يسيرون صوب ذات الهدف وهو هنا الزعامة أو الرئاسة أو التمكين بمفهومه العام والشامل ، إنما هذه المرة بطرق إلتفافية وغير نزيهة ، فهم في مسيرهم يعرجون بك أولاً على المضامين والتأويلات ، ويستدعون لك كل الرموز التي تقتل في نفسك وبشكل مسبق أي نية للمعارضة أو التحدي أو حتى مجرد النقاش ، حيث يجري بغرابة شديدة تاويل النصوص ذات القدسية والمكانة العالية في نفوس المؤمنين بها لتتناسب والغاية التي ينشدونها ، فلا تملك أنت حيالها سوى التصديق والقبول والإقرار ، ومن ذا الذي يملك في نفسه شجاعة الوقوف حيال نص مقدس أو حتى رمز ديني معتبر صُور له إفتراءاً أنه يناسب واقع الحال أو المآل ؟ .

وبعد فترة تنطلي الخديعة على بسطاء الناس وعامتهم ، فيُعاد بخبث إعادة تموضع عمل حواسك الخمس ، وتغيير مواطن الفهم والإستشعار داخلك ، وعليه فإنك – وفي ظل هؤلاء - لن تبصر بالضرورة بعينيك ، ولن تسمع حتماً بأذنيك ، وستكون مطلقاً من كل قيد يفرضه عليه عقلك أو توجهه إليك فطرتك السليمة ، وتصبح يقيناً ضحية لذوي الوجوه الباردة منزوعة الملامح ، ويخبرك التاريخ المدهش أن أصحاب هذه الوجوه على تباين الحقب التي عاشوا فيها ، فأنهم غالباً ما إستخدموا ذات الوسائل والحيل ، وأياً ما كانت درجة التقدم الفكري الإنساني أو تخلفه في عهد من العهود ، فإن ذات البضاعة لطالما كانت جاهزة للتسويق والعرض متى دعت الحاجة إلى ذلك ، فيستخدم الدين كمحرض مثلاُ على الثورة أو التغيير ضد الأنظمة الفاسدة والمستبدة ، وهو ذاته الذي يُستخدم أحياناً للإبقاء على هذه الأنظمة وتبرير إستمراريتها .

إن دين الله يجب أن يظل بمنأىً عن التلاعب والتوظيف والصفقات ، فهذا الرابط الروحي الشفاف بين الله وخلقه أكثر نبلاً من ألاعيب بعض الساسة المتأسلمون المتماحكون المتوائمون المدلسون الكذابون ، فليأخذوا الرئاسة ويتوسدوا مساند الحكم كيفما رغبوا أو شاءوا ، ولكن لا يقولون لنا أن هذا كان عهد الله لهم ، أو أنهم أبناء الله أو أحباؤه .

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة