2012/08/23

الدكان

جملة وقطاعي

يكاد لا يوجد أمر هو أعمق أثراً وأكثر تجذراً في نفوس الناس من الدين ،  يستوي في ذلك أتباع الرسالات السماوية أو حتى معتنقي الديانات الشاذة ، وسيظل هذا الأثر والتجذر ما بقي الإنسان يدب بقدميه فوق سطح هذا الكوكب ، فالإنسان في حاجة دوماً لإشباع حاجاته الروحية بواسطة ذلك الخيط  الشفاف الذي يربطه بمن يؤمن أو يعتقد أنه خالقه ومبدعه ، ويبدو الأمر في إطار هذه العلاقة وكأنه يعتمد في جزء كبير منه على قدر لا نهائي من الإمتنان من المخلوق لخالقه الذي أوجده من عدم وتكفل له برزقه وهيئ له أسباب العيش ووعده بحسن العاقبة والمآل إن هو ظل متسقاً ومتصلاً بهذا الخيط الذي تتباين دقته وسماكته بمقدار ما يعتقده في خالقه من حسن ظن وقدرة على التدبير والتسيير .

مع إنتهاء أزمنة الرسالات وعصر النبوات ، وإنقضاء عهد صحابة الأنبياء والرسل وتابعيهم ،  ولآن الناس في غالبهم الأعم مرتبطين بخيط ما ، حقيقة أو مجازاً أو حتى خيالاً ، فكان من الطبيعي أن يوجد في كل مجتمع - قديم أو حديث - من ينبري ويقول لك أنه ربما أقدر من غيره على إعادة وضع قدميك على جادة الطريق المفضي للنهايات السعيدة والعاقبات الحميدة ، وأنه هو من يعرف بداية الخيط ومساره ومنتهاه ، وما عليك لبوغ المراد سوى الإتباع ، وتجنب الإبتداع ، فنشأت المذاهب الفقهية والمدارس الفكرية ، وتقلب الناس على فرش متعددة ، فيأوى الواحد منهم إلى المهجع الذي يراه أكثر قرباً من قلبه وعقله وروحه ، وتمر السنون وتتعاقب الأجيال ، فتندثر فرق وتنشأ أخرى ، وكنتيجة طبيعية لإختلاف الرؤى والإجتهادات وتغير الأمكنة والأزمنة إستعرت المعارك الكلامية التي تمر في بعض مراحلها على دماء وأشلاء المحبين والتابعين من جانب ، والمناوئين والمعارضين من جانب آخر وذلك كأثر مباشر للتعصب اللا محسوب لصاحب فرقة أو شيخ طريقة أو أتباع مذهب أو جماعة .

وبإنقضاء عهد الفرق وإغلاق باب الإجتهاد في الفقه الإسلامي منذ القرن الخامس الهجري تقريباً ، وعزوف الكثيرين بالتالي عن القراءة والمتابعة وعجزهم بالتالي عن الإستنباط والتحليل ، وجدت الرموز الدينية أخيراً مرتعاً خصباً للنماء وباتت تشكل بديلاً ولو شكلياً للمريدين ، فما بين يد تتشبث بالأضرحة وقت الأزمات ، إلى أخرى ترفع الصليب عندما يشعر أصحابه بالإضطهاد ، إلى ثالثة ترفع المصاحف في الهواء ، وصار الطقس تبعاً لذلك أكثر ملائمة لمباشرة نوع قديم جديد من التجارة وهو ( التجارة بإسم الله ) ، على أن يحل هذا النوع محل النوع الأنفس والأغلى والذي هو غاية كل مؤمن رشيد وهو ( التجارة مع الله ) ، ولأن التجارة بإسم الله صنعة رائجة ، وحرفة يزداد الطلب على أصحابها وقت أزمنة الإنحطاط الخلقي والإبتذال الفكري ، فقذ زاد معدل فتح دكاكينها لتقديم الخدمات التي تتسق مع شعار ( الزبون دائماً على حق ) ، والزبون في هذه الحالة ليس سوى الحاكم أو الرئيس وكيفما تمت تسميته ، فيعمد أصحاب الحرفة المهرة إلى إيجاد خيط ما ولو كان أوهن من خيوط العنكبوت ليربطون به ما بين الزبون والسماء ، وعلى اقل تقدير بزمن الصالحين من هذه الأمة .

عينة من الخيط .. ومن البضاعة

( إن سيرة الرئيس في الحكم ستكون على هدي من  سيرة  الفاروق عمر بن الخطاب ، وأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما ) ، ( إن قرارات الرئيس الأخيرة في رمضان بإقالة المشير حسين طنطاوى وإلغاء الإعلان الدستورى المكمل في رمضان تشبه فتح الرسول لمكة في رمضان ) ،  ( إن حكمة الرئيس تشبه حكمة سيدنا لقمان عليه السلام ) ، ( إن اليوم -أول أيام عيد الفطر الماضي - أعظم فرحة وعيد منذ فجر الإسلام ) ،  ( إن سفر الرئيس للملكة العربية السعودية وعودته منها كالإسراء والمعراج ) ، ( إنتقاد الرئيس ومعارضتُه حرام وطاعته فرض مثل الصلاة ، وواجبةٌ كطاعة الله ورسوله ، وأن حكمَ الإخوان هو حكم الله ) .

يا سادة .. هذه بعض من بضاعة الأقوال التي بيعت للدكتور/ محمد مرسي رئيس الجمهورية من خلال بعض حوارييه بحزب الحرية والعدالة ، وجماعة الإخوان (المسلمون) ، ومن لف لفهم من تجار الدين ، وأنظروا معي كيف يتم وضع اللبنة الأولى ، وحجر الأساس للإستبداد ، وكيف تتم تنشئة الطغاة عبر العصور ، فالحكاية تبدأ هكذا في الغالب ، أي إظهار الحاكم أو ولي الأمر في مظهر صاحب النقلة النوعية الفريدة ، والرأي السديد ، والعزم الشديد ، حيث يتم تصدير هذه المكونات إلى جموع المواطنين بوسائل شتى وأدوات عديدة ، وما على هؤلاء المواطنين تبعاً لذلك إلا أن يتوجهوا للبارئ عز وجل بكثير من الإمتنان والشكر أن ولى عليهم من يصلحهم ويعلي من شأنهم ، ولآن وقوف الأمر عند هذا الحد قد لا يكون كافياً بذاته لإنفاذ الهدف وتحقيق المراد ، فكان يلزم إضافة مسحة دينية إلى مقام الرئاسة لوأد أي محاولة للتفكير أو التمحيص ، فيتم وضع عباءة الدين ذات الألوان المزركشة على كتفي الرئيس ليتوصل برمزيتها هو وفريقه إلى التمكن والتسلط والتوغل وإن شئت فالتوحش على كل مقادير الوطن وسلطات البلاد ..

في أقل من شهرين فقط على توليه سدة الحكم ، بدأت مبكراً جداً عملية رسم الهالات المضيئة حول شخص الرئيس حتى ليخال المرء أنه ليس إزاء مخلوق من لحم ودم ، وإنما إزاء كائن ملائكي شفاف ، فقراراته مؤيدة ، وتوجيهاته مسددة ، فهو آية الله في خلقه ، وحمى الله في بلاده ، وظله الممدود على عباده ، حكمه هو حكم الله ، هديه هو هدي رسول الله ، طاعته طاعة لله ، عصيانه خروج عن شرع الله ، هو وسيلة الله في عمله ، سيرته هي سيرة الأخيار من أولياء الله الصالحين ، فمن تراه يجرؤ على مناطحة الصالحين ، أو النيل من مقامهم الشريف ؟ بدا الأمر وكأنه حرباً إستباقية من شأنها إماتة حتى محاولة طرح الأسئلة ، ناهيك عن الحصول على أجوبة 
.

قد يكون من السهولة بمكان مناقشة هذه الأكاذيب الرخيصة والفتاوى المغرضة ، ولكن المعضلة تكمن أحياناً في أن المناقشة هنا ستكون بمثابة إنزلاق لدروب من الوحل ، وحالها يبدو كحال من يقبل  مناظرة أحمق معلوم الحمق أو بادي النفاق ، فما هو المنطق الذي بوسعك إستعماله لمجابهة هكذا كذب وإفتراء سوى أن تقول حسبنا الله ونعم الوكيل في أناس لا يعلمون من أمر الدنيا والدين إلا القدر الذي يزين لأولي الأمر أعمالهم ، والأمر الغريب ، وربما المريب أن من قيلت في شأنه هذه المأثورات البلهاء لم يُنكر على قائلها قوله ، ولم يسارع إلى التبرئ منها بما يعني قبوله بها ورضاه عنها ، ويبدو أن هذا الرضا المشبوه سيشجع غيرهم على قول المزيد والمزيد لنصبح في النهاية إزاء حالة سريالية غير مفهومة يتم خلالها رسم صورة جديدة لمستبد آخر وهو يمر على أرض المحروسة .

إن تجار الدين سيفتتحون المزيد من الدكاكين وربما يدخلون في منافسة مع أصحاب دكاكين الفتوى التي بدأت في المسارعة إلى عرض بضائعها هي الأخرى ، فالزمن زمن رواج وإزدهار ، والغاية كل الغاية ليست سوى إرضاء الزبون .

2012/08/19

فروسية رئيس




على المستوى الشخصي لا توجد لدي أدنى مشكلة في أن يظهر الرئيس المصري / د. محمد مرسي ممتطياً صهوة جواد جموح على غلاف مجلة أكتوبر المصرية الحكومية في عددها الأخير ، بشرط أن يكون ذلك في باب ( الكاريكاتير الساخر ) أو مصاحباً لزاوية بعنوان ( صدق أو لا تصدق ) ، لكن أن يُصور الجواد الذي يمتطيه الرئيس على أنه جواد الثورة ويأتي ذلك على الغلاف الأمامي للمجلة فذلك أمر أشق على النفس من أن تمرره ببساطة أو تستوعبه هكذا بسهولة ، فالقاصي والداني يعرف الدور المتأخر لمشاركة الإخوان في الثورة المصرية ، بل كانت قياداتهم من المتحفظين على المشاركة فيها إبتداءاً ، لكن حينما بدا يلوح في الأفق أن الثورة بالغة مرادها لا محالة نزل الإخوان إلى الميادين والشوارع لحصد المكاسب وجني الثمار في غفلة من الثوار الحقيقيين .

 إن جواد الثورة الذي يمتطيه الرئيس في الصورة المبينة أعلاه لا يمكن النظر إليه – على الأقل بالنسبة لي – إلا في إطار الجريمة المنظمة التي تستهدف إظهار الأمور على غير حقيقتها التي يعرفها الجميع ، كما أنها لا تعدو أن تكون سوى إضافة مساحيق تجميلية رديئة سينبلج الوجه الحقيقي لصاحبها إن عاجلاً أو آجلاً ، أو كما يقول ويليام شكسبير أديب الإنجليزية الأكبر أن الخنزير لو إستخدم أفخر أنواع أحمر الشفاه فإن هذا لن يغير من حقيقة كونه خنزيراً .

هذا تعليق بسيط على صورة مقززة تُسارع من وتيرة سقوط الأوراق التي تغطي سوءات الجماعة وما أكثرها من سوءات .

2012/08/14

الوجه الكامل


بشرفة بالطابق السادس ، وبينما شمس اليوم الطويل تستأذن في الرحيل ، تم الدفع بمقعد أنيق في إتجاه ساعة الغروب لترقب القادم الجديد من ساعات الليل ، وعلى وقع رشافات هادئة من فنجان قهوة تم إعدادها على عجل ، تصاعد دخان السيجارة وبدا وكأنه هو الآخر في عجلة من أمره ، فها هي الخيوط تتبع الخيوط لتشكل في إرتفاعها كائنات هلامية أو مخلوقات خرافية غير مبينة المعالم ، وعلى وقع السكون الذي حل بالمكان أتيت ضيفتي المنتظرة فأوسعت لها مكان ، ثم يممت ببصري جانباً متحاشياً النظر إليها مباشرة ، وبرقت في اللا شئ ، ساد الصمت لفترة لم يبدده إلا سؤالاً مباغت من ضيفتي بعد أن إبتدرتني قائلة :-


·      علمت أنك على وشك السفر.. هل هذا صحيح ؟
·      نعم هذا صحيح .
·      "باسمة" .. يبدو أنك تسعى لتجديد خلاياك الميتة .
·      "بحدة" .. يُحتمل أيضاً السعي إلى إماتة خلاياي الحية .


ساد الصمت من جديد ، فيبدو أن إجابتي لم تكن لتشجع على مزيد من الإسترسال ، وإعتراني قدر من الحرج أن قتلت الكلام على شفة أرادت الحياة ، فعمدت إلى تلطيف الأجواء فبادرت ضيفتي قائلاً  :-


·      هل تقبلين الرفقة في سفري ؟
·      متى ؟
·      عندما تستقر قوانين الحركة والسكون .
·      أفهم مرادك .. فأنت دوماً تسافر في المكان ، وتسكن أوقات الإرتحال     
·      نعم .. فأنا أعشق التحرش بقوانين الفيزياء .
·      يحيرني أمرك حقاً .. كيف تتقلب على وجوه الأشياء ؟
·      أتقلب عليها من منظور الظهور والإختباء .
·      بمعنى ؟
·      الظهور ليس دليل وجود ، كما أن الإختباء ليس دليل عدم .   
·      "ضاحكة" وكأنك تؤمن بنظرية الأشباح .
·      طوفي ببصرك حول المكان .. ستجدينها في كل مكان .
·      هل تتحدث إليها ؟
·      تقريباً لا أتحدث إلا إليها .
·      هل تراها ؟
·      يكفي أن أشعر بها .
·      وماذا عن الناس ؟
·      خلق من خلق الله ، غير أنني بهم قليل الإنفعال .


بدأت إجابتي الأخيرة صادمة ، ورأيت أثر ذلك على وجه ضيفتي رغم محاولاتها لصرف إنتباهي عن ذلك ، ولكن قد سبق السيف العزل ، إلا أنها هذه المرة هي من لطفت الأجواء بسؤال جديد بدا لي ودوداً كونه يتعلق بما أحب.


·      أما زلت تهوى السهر ؟
·      لا يستهويني الليل إلا بالقدر الذي أمقت به النهار .
·      كثرة السهر أسهدت جفونك ، أنظر إلى إحمرار عيونك .
·      هذا ليس بشئ .. فقليل من القطرات المعقمة ستفي بالغرض .
·      ومتى تبدأ رحلة علاجك لها ؟
·      طالماً أنني أرى عقرب الثواني يسير فكل شئ على ما يرام .
·      وهل هذا دليل صحة وعافية ؟
·      لا .. بل دليل على أن الأمور لم تتجه للأسوأ بعد .
·      وفي ظنك متى تتجه الأمور ذاك الإتجاه ؟
·      عندما تتشابه الخطوط وتتماثل الإتجاهات .
·      حسناً .. قل لي .. هل لديك أفكار لقضاء إجازة لطيفة ؟
·    نعم .. سأعمل جاهداً أن لا أرى الناس بأنصاف وجوه .
·      ومتى يكون الناس بأنصاف وجوه ؟
·      عندما أجدهم لا يستحقون حواسهم كاملة  .


عاد الصمت المشوب بالإرتياب ليلف المكان ويبعث بروائح من الخوف ، وأغمضت عيني للحظة إستجابة لهبة نسمة خفيفة ، ثم عاودت النظر إلى موضع ضيفتي لأتحسس وقع كلامي على محياها ، فوجدتها غادرت المكان ولحقت بآخر خيط من خيوط شمس المغيب بعد أن أسلمتني إلى شبح جديد بدا يلوح في الأفق لتبدأ مناظرة أخرى في أمسية رائعة مع واحد من ذوي الوجوه الكاملة .

2012/08/12

مصر في سوق النخاسة




سعيد الحظ بلا شك هذا الجيل من المصريين بعد أن شاءت لهم الأقدار الحياة حتى يكونوا شهود عيان على لحظات هامة من عمر وطنهم ، هذا الوطن الذي يجري الآن إعادة تشكيل هويته ومقوماته ليتلاءم مع رجال المرحلة وأهدافها .. نعم .. سعيد الحظ هذا الجيل لأنه سيكون لديه ما يكفي ليحكيه عن مشاهداته وإنطباعاته لصغار أولاده وربما أحفاده المنتظرين ، غير أنني لست متأكداً من أن قطاعاً من هذا الجيل سيشعر بالراحة والسكينة وهدوء البال والرضا وهو يروي المشاهد كما رآها وسمعها وتفاعل معها وفهمها ، ولأنني لست متحدثاً إلا بلسان نفسي ، فأنا وأكثر من غيري أستطيع أن أقدر وأتفهم أيضاً كم الخجل الذي سأشعر به وأنا أحكي للصغار عن حقبة عايشتها ولم أشارك فيها إلا ببضع كلمات ربما لا يهتم بقراءتها أحد .

بكل ضمير مستريح أستطيع أن أؤكد لنفسي الآن أن الجيش المصري قد باع العباد ومن قبلهم البلاد لمجموعة من النخاسين بجماعة الإخوان (المسلمين) الذين لا يريدون سوى التسلط على الرقاب والإتكاء على مساند إمارة الحكم في البلاد ، والوصول بأي طريق إلى فك الشفرة الوراثية للدولة العتيدة القديمة ليتم العبث بها جينياً من خلال بضعة جراحين لا ضمير لهم  بمكتب إرشاد الجماعة ، ليتمكنوا تبعاً لذلك من تغيير الطقس العام للبلاد وتحويل المواطنين إلى جوقة عزف مكتملة الأركان تجيد قراءة النوتة الإخوانية ، واللعب على أوتار معدة سلفاً لا ترى في الإخوان ودولتهم وتنظيمهم الدولي المشبوه إلا لحن الوجود والخلود .

بات في حكم المؤكد الآن – على الأقل بالنسبة لي - أن المجلس العسكري المصري ومعه جماعة الإخوان لم يكونا يخوضان أية حرب لتكسير العظام لفرض إرادة أحدهما على الآخر ، بينما الأمر لم يكن في مجمله سوى إتفاقية ( سايكس بيكو محلية ) تم من خلالها تقسيم المغانم وتوزيع القلائد والأنواط والترضية بالمناصب الشرفية الفارغة من أي مضمون ، وما على الشعب المصري الكبير سوى أن يلعب دور الأرملة اليتيمة التي تنتظر في غرفة نومها إنتظاراً لمقدم مغتصب جديد .

إن سياسة عض الإصبع التي روج البعض لها على أساس أنها تحكم العلاقة بين الجيش والإخوان لم تكن في محلها على الإطلاق ، فما أشعر به حقاً الآن أن الإصبع لم يكن سوى أصبع الوطن الذي كان بين فكي الجيش والإخوان إلى أن تم الإتفاق بينهما على مفاوضات التسليم والتسلم لمقدرات الوطن والتي يبدو أنها لم تكن عسيرة ولا حتى مبعث قلق كبير ، وأن الأمر لم يزد في تقديري عن التلفظ بعبارات مختصرة تجمل شروط معينة لصحة ونفاذ عقد البيع مع آليات التسليم والتسلم ، وبمراعاة قواعد الإيجاب والقبول على النحو التالي :-

جماعة الإخــــــوان : بكم تبيع البلد ؟
المجلس العسكري  : مش هنختلف على السعر .
شهــــــــــود الزور : على بركة الله .

شئت أنت أم أبيت فإنه يجب عليك أن تعلم أن التاريخ يكتبه دائماً المنتصرون وإن كانوا مدلسون ، وليس بالضرورة المنهزمون وإن كانوا أصحاب حق ومخلصون ، فالمنتصرون وإن كانوا جناة أفاكون يكتبون بلغة حاسمة داحضة تتضاءل أمامها بلاغة وتبريرات المسحوقين والمقهورين ، وأرجوك أن لا تسألني عن المنطق والعقل في كل ذلك ، فقد حدثك التاريخ يا عزيزي غير مرة أن نفر من البغاة والقتلة والمجرمين كانوا يحملون لقب ( أمير المؤمنين ) ،  وهاهو التاريخ من جديد يعود فيخرج لك لسانه ثم يقول لك هاهنا جماعة جديدة من النخاسين أطلق عليها بالأمس القريب ( الإخوان المسلمين ) .


إن مصر التي هي ( حرة قد تجوع ولكنها لا تأكل بثدييها ) لهي على المحك الكبير ، وأن أبنائها بمعظم طوائفهم  أكثر من أي وقت لمدعوون للإنتفاض وتسجيل المواقف الوطنية الجادة لكي لا يكون أياً منهم شاهد زور أو ساكت عن حق في زمن النخاسة ، ولكى لا يُـفاجئ أي منهم غداً أن الوأد عاد ليصبح عقيدة عصرية .


2012/08/10

فرقة بديع

الشبيحة

فارق كبير جداً بين أن تتمتع بالقوة وبين أن تحرص على ممارسة هذه القوة بمناسبة وبدون مناسبة أحياناً ، فمن حيث المبدأ جميل أن تكون متمتعاً بالقوة ، وسيكون مدهشاً حقاً أن يكون مصدر قوتك نابع من فكرك المستنير ، وآمالك الخيرة لبناء نهضة حقيقية لأسرتك ومجتمعك وأمتك ، ولا بأس من أن يكون مالك مصدر آخر لقوتك طالماً كانت مصادر جلبه وإنفاقه متسقة أخلاقياً مع المبادئ الدينية التي تتبناها وتؤمن بها ، ولا غضاضة إطلاقاً في أن يكون جاهك وحسبك مصدراً إضافياً لهذه القوة مادام إستخدامها لن يجاوز الحدود التي تأمن داخلها من عبث الكائدين والمتآمرين .. نعم فالقوة أمر حسن ، بل ومطلوب السعي لإكتسابها لتحقيق النبيل من الأهداف والمقاصد الخاص منها والعام .

إن القوة التي أقصدها هنا ليست سوى القوة العاقلة التي هي في المجمل ذاك الشعور المعنوي والنفسي الذي يعتمل في دواخلنا أكثر منه مظاهر وتعبيرات خارجية أو تطبيقات عملية لهذه القوة ، ولكل منا مصادر متنوعة للقوة ، فمنا من يجنح للقوة الناعمة أو الرشيدة التي ترسل رسائل غير مباشرة وسلسة لكل من يهمه الأمر ، ومنا من ينتهج القوة الخشنة لإيصال رسائله المباشرة والإستباقية أحياناً ، وهنا تتحول القوة إلى نوع من أنواع البلطجة التي تمثل الوجه الأكثر قبحاً للقوة .

من هنا أقول أن زمام الأمور في مصر الآن بيد حفنة من هؤلاء البلطجية وهم جماعة الإخوان المسلمين الذين لا تتوقف رسائلهم الشاذة للقاصي والداني ، فما خطبهم ، وما حقيقة شأنهم ؟ يكاد لا يظهر أحد منهم إلا ونفخ في بوق وأشعل حريق ، يصك المسامع ، يلهب المشاعر ، يستدر المدامع ، فقد إسترهبوا الناس ، وأوجلوا خاطر الخلق ، فجعلوا الحليم حيران ، يضرب أخماساً في أسداس ، فمن ذا الذي سلطهم على رقاب العباد ؟ ومن تراه أسلمهم زمام البلاد ؟ أهي حقاً صناديق الإنتخابات ؟ أتحسبون هذا صحيحاً ؟ لا .. فما أعطاهم أحداً صوته – من غير شيعتهم - لطلعة أحدهم البهية ، ولا خفة ظله الندية ، إنما حصدوا الأصوات لأن أناس منهم فرقوا صكوكاً للغفران كُتب عليها ( من هنا باب الحنان المنان ) ، ( هاهنا بيت الحائر والجوعان )، نعم لقد أطعموا البائس الفقير لأيام ، ولكنهم قايضوا إرادته بحرام المال ورخيص الطعام ، وبت أسائل نفسي وأنا في حيرة من أمري ، أهؤلاء حقاً ثمار غراس الإمام الشهيد حسن البنا ؟ أهؤلاء حقاً مستنبت حقول الجماعة ؟

قبل الثورة كانوا وجلين مترددين .. أتوا متأخرين .. إنصرفوا مبكرين .. ولكنهم يا أقدار الله وفي غفلة ثلة من الثوار المساكين قبضوا على الزمام ، ثم ألزموهم اللجام ، ومضوا مسرعين إلى قصور الرئاسة فاتحين ، وهللوا مكبرين .. هي لله .. هي لله ، أكانت حقاً هي لله ؟ أعلم من كتاب الله سبحانه أنه لا يقبل إلا طيباً ، فما هي طيب فعالهم وجميل خصالهم ؟ فلا أرى منهم إلا تهديد ووعيد ، وإرغاء وإزباد ، وغي وعناد ، فبأي فخر يشعرون ؟ فأغلبيتهم تدليس ، وخطابهم تديين في تسييس ، أعداءهم بالأمس أصدقاءهم اليوم ، يالروعة التبديل والتغيير ، أتراهم يا سادة بقوس قزح يهيمون ؟

إن إحساس الجماعة المتنامي بالقوة ، والزهو بإظهار هذه القوة في كل مناسبة وحين لدليل على الحمق الكامن في عقول رجالها الذين تحولوا من مشاريع عاقلة مفترضة للنهضة والتنمية إلى كائنات ميكافيلية متغطرسة لا هم لها سوى التمكين والإستحواذ والتمترس خلف الدين ، حالهم في ذلك حال أي مستبد سافل وساقط عبر التاريخ والذي سيتجاوزهم بعد أن تجاوز من سبقهم ممن كانوا أشد قوة وبطشاً وعلواً .

ويوماً ما سينبؤنا التاريخ – كعادته دائماً – أن القوة الفاعلة هي قوة الحق لا قوة البطش ، قوة العمل لا قوة الصراخ ، قوة الإخلاص لا قوة التدليس ، ولكن للأسف فإن التاريخ لا يقدم لنا تعليماً مجانياً ، ولا يعطي دروسه هكذا بلا مقابل ، وإنما هناك دوماً من يجب عليهم دفع فواتير معينة لإستخلاص المعنى ، وفي الغالب لا يدفع هذه الفواتير سوى أنا وأنت ، من مالي ومالك ، من وقتي ووقتك ، من دمي أحياناً ودمك .

بإختصار فإن جماعة الإخوان المسلمين ليست سوى مشروع حزام ناسف ملفوف بإتقان حول خاصرة الوطن وجاهز للتفجير في أي وقت بواسطة جهاز تحكم عن بعد موضوع بجيب مرشد الجماعة وكبير شبيحتهم المدعو / محمد بديع ، وليس المطلوب سوى نزع جهاز التفجير بكل حكمة وفن دون إراقة دماء ، مع وضع محمد بديع وفرقته في مكان آمن بحسبانهم مسجلين خطر .

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة