2014/12/31

رفقاً بالقوارير .. يا أستاذ !!



عزيزي / ....................
طيب الله أوقاتك ، ثم أما بعد

أخط إليك رسالتي وقد بدأ العد العكسي الذي يُؤذن بإستقبال عام ميلادي جديد ، فكل عام وأنت بخير ، وها كما ترى فإن الناس جلهم يتمنون على الله الأماني بأن يكون العام المرتقب أفضل حالاً مما إنقضى ، هكذا جُلب الناس على الدوام ، لا تُرضيَهم غاية بلغوها ، ولا يقنعون بحلم قد لامسوا نهايته السعيدة ، فالسمو يراود الجميع ، والأمل ما انفك يداعب خيال كل ذي حاجة في شأن من الشئون .

 بيد أن واحدة تعرفها من بين هؤلاء لا تشعر بذاك السرور البادي في العيون ، بل ولا يخالجها حسن الظن بالآتي من الأيام ، بل لكم ودت أن لو تعطلت ساعة الزمن عن دورانها المحموم لتظل على قيد حياة ما أحبتها إلا لكونك – إلى عهد قريب – كنتَ جزء منها ، أما وقد عزمت على الرحيل من جديد في رحلة التيه التي يبدو أن لا نهاية قريبة لها ، فإلى أي بهجة تتطلع هذه الإنسانة ، بل وإلى أي أمنية عزيزة ترنو ، وهي ترى أن فروق التوقيت بينها وبينك أصبح لها أخيراً محلاً من الإعراب ؟ ... عن نفسي هنا أتحدث يا عزيزي .

أرأيت كيف أن سنوات طوال تستحيل فجأة إلى ذكرى تُختزل في سطور ، وأن غوالي الأيام أمست - على حين غرة – مجرد زهرة جافة بين صفحات دفاترنا العتيقة ، وأن الضحكات التي ما توقفت لحظة غدت صدى صوت يتردد في أمكنة خاوية .

إن أعمالي وأسفاري الكثيرة شرقاً وغرباً لم تصرفني ولو للحظة عن التفكر والتأمل لا في الهلال الخصيب ، ولا في طريق الحرير ، كنتً أنت الغائب الحاضر في كل المشاهد ، ضابط الجوازات الذي يتفحص تأشيرتي ، السائق الذي يُقلني إلى فندقي ، وسادة فراشي بعد إنقضاء يوم شاق من العمل ، كنتَ حتى مؤنسي على طاولة طعامي ذات المقعد الواحد ، وبت لا أستغرب من إستحواذك التام على كل تفاصيلي حتى الصغيرة منها ، فأنا يا عزيزي إنما أرتحل بجواز سفرك .

عزيزي .. لم أجد على النار هدى ، فها أنت تعود من جديد لتُسلمني إلى قدر ظننت أني قد نجوت منه ، لعلي كنت مخطئة في تقديراتي ، هذا يحدث دائماً لنا ، أليس كذلك ؟ لكن المرارة تكمن في أننا نكون مضطرين أحياناً إلى دفع الأثمان في أوقات غير مناسبة ، ولكننا ندفعها على أية حال .

 لقد جاء سطرك الأخير من رسالتك (لا .. يا عزيزتي فينوس) وقد أسكن الجدل ، وأمات ربما للأبد - أو إلى حين - رغبة راودتني منذ كنت صغيرة أن أكون على درب الصحبة ، أو حتى على هامش الرفقة ، لكن السأم الذي نال منك مناله قد إستكثر ذلك على من عاشت لا تروم سوى أن تشاركك معزوفة النصر ، فإذا بها - وهي صاغرة - توقع شروط تسريحها من أرض الميدان  .

 عزيزي .. ماذا تقترح عليَّ الآن ؟
أأطـوى صفحات نشـــيد الإنشاد ؟
عفـوا .. بقيت صفحة من الكتاب !

صفحة - ربما - لا تود أن تقراها الآن ، صفحة سأروي أنا فيها كل ما كان ، نعم ..  نعم كل ما كان ، وأنت بالخيار ، إن شئت عقبت ، وإن شئت أمسكت ، سأكتب صفحات بها السلوى والتسلية ، بها الإيضاح والتجلية ، سأعمل عزيزي على أن أضعك امام مرآتك ، وأردد على مسامعك كلماتك ، وسأذكركك بمفرداتك ، ولننظر أترد الغلظة لأصحابها ، وتستعيد الرقة ممن سلبها ، أم تظل تنفث دخاناً من شرفة بالطابق السادس معتقداً أن ذلك فحسب هو شاعرية العقد السادس .

2014/12/29

جميل .. خلق الله




·       سألت عن المُكرم ، أين هو ؟  
·       قالوا في كوكب الجمال .
·       وماذا يفعل هناك ؟
·       قالوا يبحث عـن بصمة وراثيـة .
·       فما بال تلك البصمة ؟    
·       قالوا نسبة الفروع إلى الأصـول .
·       فما عساه الأصل أن يكون ؟
·       قالوا جمال أول بلا إبتداء .
·       والفرع ؟
·       قالوا جميل تابع بلا إنتهاء .

2014/12/27

لا .. يا عزيزتي فينوس





عزيزتي / فينوس
تحية طيبة ،، وبعد

( أنتِ تسبقينني بخطوات ) !
عبارة لطالما رددتها لكِ وأنتِ غض صغيرة ، لمحتُ بها حيناً ، وصرحتُ بها أحياناً ، فسرعة إيقاعكِ ، وبُطء حركتي قد حالا كثيراً دون وقوفنا معاً في منتصف المسافات ، ولعلك تذكرين أنه عند بدايات الإنطلاق ، ما كان لعازف عود أن يجاري عازفة على أنغام الجاز ، فعملتُ - جهدي- على تهذيب أوتار مشدودة ، وتهدئة روع ألحان صاخبة ، فما كان منكِ طوال الوقت إلا الرقص حول النور والنار ، بينما كان شغلي هو الإبتعاد قدر الإمكان عن بؤر التوتر ومواضع الإشتعال ، فلقد كان من شأنيَ التوسط ، وأبيتي - ومازلتِ - إلا أن تقفين على حافة المنحدرات الأمر الذي أذن مرات كثيرة بالسقوط في أتون الشموس الحارقة .

 نعم .. فنحن إذن من مدرستين مختلفتين أيما إختلاف ، مدرسة تتعجل ظهور النتائج تمثلينها أنتِ ، ومدرسة تُعنى بالتصوص والمقدمات أمثلها أنا ، وكما ترين فإنهما بمثابة خطين متوازيين ، صحيح أنهما قد يسيران جنباً إلى جنب طويلاً ، لكن دون أن تجمعهما نقطة ما ، في مكان ما ، وذلك لإختلاف السرعات ، وتباين نقاط البدء ، وخطوط النهايات ، ولعلي الآن أكثر إيضاحاً لكِ ، فما أقوله ليس سوى ولوج صريح إلى صلب الموضوع ، دون أدنى مواربة أو تواري خلف الكلمات .

والآن .. إلى عنوان رسالتك الأخيرة لي أول أمس ، والتي حملت ألقاً لا يقل إثارة عن صاحبة الرسالة ، يا الله ( المسيح .. يُصلب من جديد ) !! . فمن ترينـهُ يا تُرى صاحب الجرم ، وسفاكُ الدم هذه المرة ؟ أهو أنا ؟ .
ما أحسبك إلا تمزحين مزحتين ، مزحة تاريخية لم يقم عليها دليل ، ومزحة معاصرة ثقيلة أملتها إعتبارات درامية واكبت ردات فعلك المتهورة على نحوها المعهود ، فيا عزيزتي - ودون التطرق إلى شئون الإيمان والإعتقاد الذي أقحمتيه إقحاماُ في هذه الرسالة - من لم يُصلب أولاً ، كيف لك أن يُصلب ثانياً ؟ ، ولقد كان حري بكِ الإبتعاد عن وصف الأمر بما ليس فيه ، ولا أن تلبسيه ثوباً فضفاضاً ، فيبدو على هذه الشاكلة من الفوضي والرثاء ، ولكنها المشاعر إذا تطرفت ، وجاوزت حد الإعتدال .

من ناحية أخرى وإذا أسقطنا عنوان رسالتكِ على واقع الحال ، والذي وجدتيه ربما معبراً عن الأسى الذي ألم بك جراء رسالتي ، فإنه – أي العنوان - سيبين كم كان مجافياً للحقيقة ، وبه تزيد غير مفهوم ، فأنا لم أتعود يوماً على أن أنالكِ بأذى ، غاية الأمر أنني أعرف الحدود التي يجب عليِّ أن أقف عندها ، وعدم تجاوزها بحال ، الأمر الذي كان دوماً محل تبرمكِ وتململكِ ، وكنتُ أسوس الأمر على قاعدة أنه ( إذا كان نصفنا مجنوناً ، فليكن نصفنا الآخر عاقلاً ) ، وبين شد وجذب ، وإقدام وإحجام عبر أكثر من عقدين نجحتُ بطريقتي في الحفاظِ على صمود النصف العاقل منا ، إلا أن عنادكِ ومكابرتكِ يأبيان إلا أن ننخرط معاً في دوامة من اللا معقول ، واللا مفهوم أحياناً .

عزيزتي .. لا أكاد أستوعب حقاً هذه الثرثرة الفارغة ، ولم يعد لديِّ جلد على إحتمالها ، أو تجشم مشقات وعناءات الرد عليها ، وبدلاً من ذلك فإنشغلي بتدبر ما كان ، وما عساه يكون ، وإعلمي أن هذه خاتمة المطاف ، ونقطة في نهاية ما مضى من سطور ، ولن يعقبها فقرة جديدة من القيل والقال ، فدعي يا عزيزتي الأيام تمر مرور الكرام بيِّ وبكِ ، فما القادم منها بأرحب مما مضى ، فلستُ بقادر على مواصلة العدو واللهاث ، وأرجوا في الختام أن يكون في هذا الكفاية .. والسلام .

2014/12/25

المسيح يُصلب من جديد .


 

عزيزي / .........
تحية طيبة ، وعيد ميلاد مجيد

أكتب إليك في يوم عيد الميلاد ، بعد أن شاركت مساء البارحة في الصلاة بكنيسة القديس بطرس حيث كانت الأجواء إستثنائية النسمات حقاً ، رغم برودة طقس روما في هذا الوقت من العام ، لكن الدفء الآتي من ناحية الشرق – حيث تقيم - كان يقوم بدور مساعد ، ومحرض لطيف للغاية للإستمرار حتى إنتهاء مراسم الصلاة .
خرجت من الكنيسة وطالعتها من الخارج وطفت قليلاً من حولها وأنا أتذكر كيف أنك وصفت لي الظروف المصاحبة لبنائها إبان عصر النهضة ، وأن الرسومات الموجودة بها وكذا التماثيل وكورال الموسيقى المصاحبة للطقوس تكاد تشبه إلى حد كبير تلك الأعراس المقدسة المدونة في الأساطير .

خرجت من الكنيسة حيث كانت الأجواء بالخارج مشبعة بالفرح والبهجة ، شئ لا يُصدق ، فالشوارع مكتظة بالمحتفلين ، وفاترينات المحلات مزدانة بشجرة عيد الميلاد ، وسرور الأطفال يعبق المكان برائحة البراءة البادية من عيونهم ، لم تكن الحانات أقل بهجة ، وإن كانت مزدحمة قليلاً .. ليتك كنت هنا .
 بعدها ذهبت مباشرة إلى المنزل سيراً على الأقدام هذه المرة ، وبدلت ملابسي ، وأكملت زينتي ، وطالعت مرآة غرفة نومي ، وتحسست بشرتي ، آه يا عزيزي لقد النال منا الزمن أخيراً بعد مقاومة لم يُكتب لها الصمود ، وعملت بنصيحتك .. رقصة صوفية مولوية عكس إتجاه عقارب الساعة ، شعرت بعدها بدوار لم أغالبه ، حتى إنطرحت على فراشي وانا أكثر صفاءاً وسكينة .

خرجت وجلست في غرفة الإنتظار مترقبة بابا نويل يطرق الأبواب حاملاً هداياه للعام الجديد ، تلك الهدايا التي إعتاد دوماً أن يهديها لي عبر الجانب الآخر من المتوسط ، وظللت أرقب هاتفي المحمول إنتظاراً لمكالمة تحمل التهنئة بالعيد .

مضى وقت لا أدري أقليل هو أم كثير ، وإذا بإشعار يلبي النداء يُنبئ أن رسالة بالطريق ونص مقتضب يحمل عنوان لها أسميته أنت (إلى فينوس ... مع التحية) .
طرت فرحاً .. يا إلهي إنه مازال يناديني بفينوس ، طالعت الرسالة ، وإذ بي أكتشف أن بابا نويل هذه المرة كان منشغلاً بتجهيز هدايا غير التي إعتدتها ، وبطاقة تهنئة على غير الهيئة التي كنت أعرفها ، نعم ... بابا نويل يا عزيزي أرسل على صندوق بريدي الإلكتروني رسالة مفخخة ، وكلمات بطعم البارود  .

في البداية تلقفت رسالتك بنبض متسارع ، وتعرق داعب الجبين ، وحمرة سرت في بدن قد كساه الجليد ، وبدأت في القراءة على مهل ، وأنا لا أكاد أصدق ما أقرأ ، وبعد الإنتهاء من مطالعة آخر جملة ، وآخر كلمة ، صرخت بلا صوت : أهذا هو أنت حقاً ؟ أأنت صاحب هذه الرسالة ؟ ومن فرط عجبي وإرتباكي وجدتني أطالع أعلى الصفحة الحاملة لرسالتك الإلكترونية ، نعم .. نعم .. إنه بريدك وذاك إسمك ورسمك .. إذن فهو أنت ، أنت أنت ، وليس أحد سواك كما أملت !!

لبرهة ..غبت –  ودون وعي - عن أجواء عيد الميلاد ، والفرحة التي منيت بها النفس ، ثم رأيتني أشرع أبواب الشرفة المطلة على حديقة المنزل إلتماساً لهواء يرطب أثر الجذوة التي زرعتها – بلا رحمة - داخلي ، ثم جلست على ذات مقعدك في ركن من الشرفة أعيد قراءة ما كتبت ، تحسست الكلمات من جديد ، إنها هي هي ، لم تتغير صورتها في قراءتي الثانية لها ، وجدتها لا تحتمل تأويلاً بخلاف ما كنت تنتويه وتقصده ،  فما الذي دهاك ؟ وكيف طاوعتك أناملك - التي ما عرفتها إلا رقيقة – على أن تخاطبني على هذه الشاكلة الجافة ؟ بل كيف طوعت لك نفسك الهادئة أن تحملها على غير ما تحب ، فتوردها موارد لا عرفتها يوماً ولا ألفتها ؟

أحقا هي أنا من كنت تخاطبها في رسالتك ؟
أجبني أرجوك ، فما زلت غير مصدقة أنك أنت يا من عمدته مراراً بماء الندي ، هو من يصلب المسيح من جديد ، ومتى ؟ في عيد ميلاده المجيد !! .
                                                                                                    فينوس
روما , إيطاليا
Dec 25,2014

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة