يُنبىء التاريخ بطوله وعرضه أن السيف ظل لحقب طويلة حامياً للإرث العربي والمسلم من أن تتناوله يد ورثته الشرعيين ، وبات أصحاب غمده يقبضون بقوة على معصمه ويلوحون به فيتلألأ بريقه الدامي على هامات شريفة آخذاً من عظامهم ولحومهم ما الله به عليم ، وظل الإرث وما يحويه من مقدرات الأمم والشعوب مغنماً يُكتسب وكلأً يُرعى فيه بلا حسيب أو رقيب وكأنه فيئاً آل إلى مغتصبيه كابراً عن كابر ، وتأسس بناء على ذلك عقداً غير مكتوب فيما بين طغم الفساد والمستعبدين في الأرض كان قوامه ولسان حاله أن مالنا لنا ، ومالكم لنا أيضاً ، وترسخت عقائد الإستبداد رويداً رويداً ، وباتت لها شرعة ومنهاجا ، وباتت دولة العدل أوهم من سراب حتى إذا رأيته لم تجد شيئاً ، وتسلح البغاة بالممكن من الأدوات والمتاح من الوسائل لترسيخ دعائم أمجادهم المهترئة ، ورفع راياتهم البالية ، فأضحى ذوي الألباب حيارى ، وما لهم ألا يكونوا كذلك بعد أن باتت للجبان صولة وللسارق دولة ؟ أما الورثة الشرعيين وشرفاء القوم وعيونهم فتم تنحيتهم وفي أفضل الأحوال تحييدهم ، فباتوا يراقبون المشهد من بعيد بغصة يجدونها في حلوقهم ضاربين أخماسهم في أسداسهم وهم يرون أحلام أقوامهم ضائعة أو منتهبة وحقوقهم مهملة أو مستلبة بعد أن تم القفز فوق كل حواجز المعقول واللا معقول من أصول الحكم والسياسة ، وتم تجاوز كل عهد كان يتعين الوقوف عنده . ولما كان الذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية فإنحازت تبعاً لذلك طائفة من الناس بعضهم إلى بعض في تكتلات وجماعات متعاضدة إما رغبة في حماية الحد الأدنى من مصالحهم بوجه من يرون بغيه وظلمه ، وإما إنتصاراً لعقيدة يؤمنون بها لا يرون بأساً من بذل أرواحهم فداءاً لها أو مذهباً يرون صوابه وأحقيته في التقدم على ما عداه من مذاهب ونحل ، كما نشأت طوائف من الذئاب ذات الطموح الأثيم والذين يرون أن بقاء سحت ثرواتهم مرهون ببقاء سارقهم الأكبر ونخاسهم الأمجد فإنحازوا له وشدوا على يديه ، فتحزب الخلق أحزاباً ، وتفرق الجمع جماعات فنشأت الأحزاب والفرق الدينية والملل والنحل من كل لون وطعم ورائحة ومنهم من يرى الحق على يديه جارياً ، فما أكثر من غنى على ليـلاه ، وليلى مـن الجميع براء
أما المهمشين من الخلق وبسطائهم فقد إنحازوا إلى هموم ركبتهم ورزايا ألمت بهم كنتيجة طبيعية لنهم سلطة وتوحش متسلط ، فأصبح الواحد منهم يعيش الكفاف الذي لا يكاد يدرك إلا بشق النفس ، ومنهم من أراق - في سبيل عيشه - ماء وجوهه ، وبذل في سبيل ذلك محاسن رجولته ، ناهيك عن أولئك النفر الذين يقتاتون على الفتات المتساقط من موائد اللئام ، فأصبح القوم جميعهم إلا قليلاً في مهب ريح الطغيان تعصف بهم في أودية النسيان السحيقة مقلبة إياهم ذات اليمين وذات اليسار يود أحدهم إزاء ما يجد لو كان نسياً منسيا ، فما أشق مـن أن يُغتـــــال المرء منـا في إنسانيته
يُتبع
هناك 4 تعليقات:
نحن نغتال في انسانيتنا بخطرنا وليس رغما عنا فضلنا عيشة العبيد من اجل حياة زائفة لامعني لها تركنا اللصوص والخونة والرعاع يحكوموننا وليت هذا وحسب بل هتفنا لهم بطول العمر وزعمنا اننا سوف نفديهم بارواحنا ودمائنا ...شئيا ما يشدنا الي العبودية وليتها للواحد القهار بل لكل فاجر جبار...انا اتعاطف مع الطغاة لاننا نحن الذين انزلناهم هذه المنازل انهم ضحايا ضعفنا وعجزنا وحتي خصينا.
ولله الامر من قبل ومن بعد
م./ الحسيني لزومي .. تعقيبك صحيح تماماً وكنت سأتطرق للحديث عنه بوصفه أحد الأضلاع الحامية للإرث ولكنني سأتناوله بعد الإنتهاء من ضلعين آخرين لا يقلان أهمية وهما ( المال - التوظيف الديني ) بوصفهما عنصرين جوهريين في هذا الشأن ، وتقبل خالص تحياتي.
في هذه المرحلة كانت الساحة الإسلامية قد خلت من أغلب رموزها المبرزين، الذين أفنتهم حروب الدفاع عن الدعوة الإسلامية، لذا كان التحرك من قبل الثلة الباقية يُعد من أكبر الأخطار التي تهدد الكيان الإسلامي الفتي، لأنه سيكون بمثابة الثقب الذي سيُنخر ذلك الدرع القويم فيكون من السهل ردمه، من قبل أعدائه الذين كانوا يتحينون الفرصة للإنقضاض عليه، ذلك الكيان الذي ماكان ليكون لولا الدماء الكريمة التي أُريقت من أجل تشييده.
إضافة إلى ذلك أن الطغاة كانوا يعون جيداً أن أغلب الناس آنذاك كانوا حديثي العهد في أعتناق الإسلام، فكان من السهولة التغرير بهم بأحاديث توجب الإنقياد لهم وإلا يكون كل من يخالفها أو يعترض عليها خارجاً من ربقة الإسلام، ليكون السيف بأنتظاره بأعتباره مرتداً عن الإسلام، فكانت هذه الأحاديث هي المرض الذي حجر العقول مكبلاً الأيدي الحاملة للسيف الذي يقابل سيوفهم المتجبرة، وقد كان أقوىسلاح أُستخدم لتوطيد حكمهم، وبه قامت سيوف الظلمة على مر الت وإلى يومنا هذا، إن كان هذا حال عيون القوم وشرفاءهم فكيف بحال بسطاءهم!
في هذه المرحلة كانت الساحة الإسلامية قد خلت من أغلب رموزها المبرزين، الذين أفنتهم حروب الدفاع عن الدعوة الإسلامية، لذا كان التحرك من قبل الثلة الباقية يُعد من أكبر الأخطار التي تهدد الكيان الإسلامي الفتي، لأنه سيكون بمثابة الثقب الذي سيُنخر ذلك الدرع القويم فيكون من السهل ردمه، من قبل أعدائه الذين كانوا يتحينون الفرصة للإنقضاض عليه، ذلك الكيان الذي ماكان ليكون لولا الدماء الكريمة التي أُريقت من أجل تشييده.
إضافة إلى ذلك أن الطغاة كانوا يعون جيداً أن أغلب الناس آنذاك كانوا حديثي العهد في أعتناق الإسلام، فكان من السهولة التغرير بهم بأحاديث توجب الإنقياد لهم وإلا يكون كل من يخالفها أو يعترض عليها خارجاً من ربقة الإسلام، ليكون السيف بأنتظاره بأعتباره مرتداً عن الإسلام، فكانت هذه الأحاديث هي المرض الذي حجر العقول مكبلاً الأيدي الحاملة للسيف الذي يقابل سيوفهم المتجبرة، وقد كان أقوىسلاح أُستخدم لتوطيد حكمهم، وبه قامت سيوف الظلمة على مر الت وإلى يومنا هذا، إن كان هذا حال عيون القوم وشرفاءهم فكيف بحال بسطاءهم!
مرحباً سراج .. ما ذكرتيه هو عين ما عنيته تحديدا من خلال هذه المجموعة من التدوينات ، فعندما يتأخر الأفضل ويتصدى المفضول تكون العاقبة شديدة الوبال ... ترقبي بقية التدوينات مع خالص التحية والتقدير لمرورك الكريم .
إرسال تعليق