ذهب المعز مازال براقاً
لم يكن السيف وحده هو العامل الوحيد الذي حافظ للبغاة على مقاليد الأمور ، ولا كان الأساس الوحيد الذي إستندوا إليه في توطيد دعائم حكمهم ، بل كانت هناك عوامل متضافرة ومختلفة ساهمت جميعها وبأشكال مختلفة في إعمار كياناتهم وتأسيس دولهم وتوريثها من بعدهم ، ومن بين هذه العوامل .. عامل المال .. ويا له من عامل ذلك الذي إستمال قلوب وأطاح برؤوس أناس كنا نحسبهم عقلاء القوم فإذا بهم يسقطون صرعى لرنين الدينار وصدى الدرهم ، فلقد عميت أبصاهم وإمُتحنوا وُفتنوا فما قويت عزائمهم ، ولا صمدت كرائمهم أمام وحش المال الذي إستذلهم فإستحالوا أمامه كعجينة صلصال يسيرة التشكيل ، سهلة التلوين ، طيعة لكل أشكال القوالب والطرز فتراهم ينطقون بكل اللغات ويتمتمون بكل اللهجات ، حركاتهم محسوبة ، وإلتفاتاتهم محكومة ، لا يقدمون موضع قدم ولا يؤخرونه ما لم يكن للبغاة في ذلك رضى ، فبضل المال الذي إكتسبوه بات أصحاب السلطان ذوي ألسن فصيحة وأراء رشيدة ، لا يصدرون إلا عن سديد الرأي ومحكم القول ، فالرأي ما رأوه ، والقول ما قالوه ، حلهم حلال وحرامهم حرام ، ولعلي إستطرفت الأمر يوماً وتساءلت في نفسي عن هذه الجينات العجيبة للمال التي جربها مهرة شراء النفوس ونخاسوا الذمم على من يختارون من عباد الله ليزينوا لهم أعمالهم ، ولربما تساءلت عن تلك الآثار العجيبة التي ترتبت على عمل هذه الجينات فرأيتها تتغلغل إلى عقول وقلوب ونفوس هؤلاء تغلغلاً فريداً فتحيل الواحد منهم في لحظة إلى كائن شفاف لا يكاد يلامس أطراف الأرض إلا بخفة كخفة الطير الكاسر الذي يلتقط لحم فرائسه فيعاود الطير في السماء محلقاً وناظراً بشذر إلى الأرض ومن عليها ، ويستمر تفاعل عمل هذه الجينات فتجري الحكم الكواذب على ألسنتهم مجملة كل قبيح ، ومبررة ما ليس بوسع أحاد الناس تبريره محدثة هذه الرائحة التي لا تخطئها أنف كل ذو سحت وغرض ، تلك الرائحة التي تدير العقول وتذهب بها كل مذهب تريد فتحط في ساحة السلطان فتنهل منه كالمريد من شيخ طريقته ، فينهل ما شاء له أن ينهل فينطلق وقد ُقدحت قريحته فيسل لسانه وغثائه ويبطش بمعوله هامة كل من لا تعجبه سيرة ولي المال والذهب .. ومن ذاق عرف .. إن بيوت الحكم وقصور الممالك والإمارات ومنذ القدم لملىء بهذا الصنف من الناس ممن يجيدون هذا الفن غير النبيل ، وهم وإن كانوا يحملون الآن مسميات عصرية أنيقة ، فإن هذه المسميات مع أناقتها لا تخفي بطبيعة الحال الدور المرسوم لهم ولا تغطي بأي حال على روائح ما إكتسبوه من محرم المال ، إن وظيفة بيع الضمائر بالبخس والثمين كالبغاء تماماً قديمة قدم التاريخ ذاته ، وإن شئتم فإنني لا أجد كثير فارق بيع الضمير وبيع الجسد فكلاهما متعة محرمة ، وكلاهما ينال من مرؤة الإنسان وشرفه ، وفي الحالتين ستجدون أن هناك نخاساً ما ، وهناك من ينتظر الإشارة للبيع ، وهناك عرض للبضاعة ، وهناك الوسطاء والسماسرة ، وسيظل الأمر كذلك مادام للذهب بريــق ، وللمال رنيــن
يُتبع
هناك 9 تعليقات:
السلام عليكم
يا أخي افكارك عميقة و شيقة، لكن كثرة التكلف في والتزويق في صياغتها يهن هذه الأفكار و يبعد القراء عنها.
أيها المحب .. تشرفت بمرورك وفيما يخص تعليقك فأود الإشارة إلى أن نحت الألفاظ وإنتقاء الكلمات مادام يخدم المعني والحالة النفسية التي يشعر بها كاتب المقالة فإنه لن يكون هناك تكلفاً أو تزيداً ، وعلى كل حال فأنا أتقبل نقدك براحبة صدر وسرور أيضاً ، مع تمنياتي لك بالتوفيق .
المال والبنون زينة الحياة الدنيا....انظر الي هذه الزينة كيف حولناها الي ادء من اهم ادوات الذل وشراء الذمم والضمائر من ناحيه وبيع الستر والعرض من ناحية اخري...قل لي بالله عليك ماذا اخذ قارون من ماله ..ودعك من هارون ماذا اخذ اي ثري سوي ما اكل فأ فني وما لبس فأبلي...لذا حرص رسولنا الكريم علي صناعة الرجال فما ابقوا من اموالهم لاهليهم سوي الله ورسوله
م./ الحسيني لزومي
بعد التحية ..
أوجزت فأحسنت الإيجاز ، فإن الطيبات الصالحات خير عندك ثواباً وخير أملا ، وأما ما يورثه أولئك فحدث ولا حرج ولكن هل يعتبرون ؟؟
التلويح بالمال قد سبق السيف إلا أنه يبقى يرافقه حتى آخر لحظات معانقته للرقاب الكريمة، عله يعيدهم إلى إمتحان المال الذي كانوا قد أجتازوه.. برأيي أن أمتحان المال أصعب من أمتحان السيف حتى أن الباري عز وجل قدمه في الجهاد {المال والنبون} وفي هذا يقول الإمام علي عليه السلام ما مضمونه: "أن الرجل يصبر على الثكل ولا يصبر على الحرب".. والحرب هنا بمعنى فقد الولد..
لا أتفق معك من أن بيع الضمائر يشبه بيع الجسد.. وإن كان كلاهما متعة محرمة، لكن بيع الضمير أشد وأكبر جرماً من الجسد.. لأنك قد تجد عند أحاب البغاء ضميراً ، بعضهم يكونوا هم أيضا ضحايا المال ، وقد تأخذ منهم حقاً لكنك لا تأخذه ممن باع ضميره.. .
صدقت والله للمال جينات عجيبة، فقد بات له عنفوانه حتى في أصغر مجتمعاتنا ولا فرق(للأسف) بين المتدينة وغيرها.. مع خالص الإعتذار
إلى سراج
بعد التحية
أتفق معك تماماً في أن المال قد سبق السيف والذي كان له على ما أحسب وقع على النفوس أشد من إصكاك السيوف والنزال في ساحات الوغى ،أما فيما يخص المقارنة بين بيع الضمير وبيع الجسد، فأنا لا أورد الأمرين على سبيل تأصيل المقارنة بين بينهما فهذا أمر لا يتصور بالطبع لإختلاف واقع البيع والشيء المبيع ، إنما كان الأمر مقاربة أو مشابهة بينهما لتوضيح المعنى العام الذي أردته ، وعليه فكونك تقولين أن بيع الضمير يظل أشد جرماً من بيع الجسد فهذا قول صحيح تماماً ولا غبار عليه ، وتقبلي خالص تحياتي .
آسفة جداً.. الحرب في حديث الإمام علي عليه السلام تعني المال وليس الولد.. كنت أحاول أختصار التعليق على وجه السرعة فأخطأت
عيدكم مبارك وأيامكم سعيدة وكل عام وأنتم بألف خير
إلى سراج
بعد التحية
أشكر لك التهئنة بعيد الأضحى المبارك ، فجزاك الله خيراً وكل عام وأنتم بخير أنت وسائر أفراد الأسرة الكريمة.
إرسال تعليق