إذا بكى الأطفال فهذا دأبهم ، وإذا بكت المرآة فتلك طبيعتها ، أما إذا بكى الرجل فذاك عنوان ضعفه ، هذه هي الفكرة النمطية المترسخة في وجداننا كشرقيين حول البكاء ، ولا أرى سبباً وجيهاً لوصم أحدنا بالضعف لمجرد إجهاشه بالبكاء ، فالبكاء مسلكاً إنسانياً رائعاً ومظهراً شاعرياً لا يوصف ، ولا أدري لما على الرجل أن يترفع فوق أحزانه ويتجاوز المكنون من مشاعره ؟ ولما عليه دائماً وحده أن يقف كجبل أشم أو أصم لا تنال منه رياح التغير وتقلبات الزمان ؟ فكثيراً ما كانت تدمع عين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) في مناسبات متعددة ، وكان نبي الله يعقوب كثير ما يذرف الدمع حزناً على فقد إبنه يوسف عليه السلام حتى قال الله تعالي في محكم التنزيل واصفاً حاله { وإبيضت عيناه من الحزن فهو كظيم } دلالة على كثرة بكاءه .
تذكرت هذه الخواطر وغيرها بينما كنت أتابع المبارة النهائية على لقب بطولة إستراليا المفتوحة للتنس والتي جمعت بين المصنفين الأول والثاني الأسباني رافاييل نادال ، والسويسري روجير فيدرر والتي كانت الغلبة فيها للأول على حساب الثاني والذي لم يتمالك نفسه وهو يخاطب الجمهور بعد المباراة في كلمة مقتضبة إعتيادية في مثل هذا الأحوال ، فقد غالب فيدرر دموعه أكثر من مرة ، إلا أن نفسه لم تطاوعه فتعثرت كلماته وغلبته نفسه وتلآلآت الدموع في عيونه في مشهد رأيته مؤثراً نال تعاطف الجميع من الجماهير الحاضرة والمتابعين عبر التلفاز حول العالم ، وإذا كانت دموعه في النهاية معبرة عن عوالج نفسه لفقد لقب هام في مسيرته الرياضية الزاخرة ، فهي لم تنل لا من شخصه ولم تحط من رجولته بل ربما رفعت من قدره في أنظار المعجبين به وبقدراته الهائلة في فن رياضته ، فهو وإن خسر لقباً أمام غريمه التقليدي فإن قد حصد لقب صاحب أجمل دموع ، فالدموع إن صدقت تعد إحدى فنوننا البيضاء ورياضاتنا النبيلة ، فلا تتعجلون مسح دموعكم ، ولا تخجلـون أبداً من عنوان إنسانيتكم
دموع فيدرر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق