ألبير كامو
فيلسوف وأديب فرنسي
( ليست لوحاتك هي ما أحب ... بل رسمك )
هنا مقولة تُعظم من شأن النظر إلى ما هو خلف الخطوط والألوان التي وإن بدت جميعها بديعة للناظر فإن وراءها ولا شك إبداعاً من نوع آخر وهو المعاناة الإنسانية التي حركت خيالاً خصباً فدفعت صاحبه إلى أن يمسك بقلم أو ريشة ليخوض تجربة المخاض بشكل مختلف ، ومن البين أن المقولة لا تعالج حسب رأيي نوع أو لون خاص من الفنون رغم أن كلماتها لأول وهلة يظن معها القارئ أنها قاصرة على صنف واحد من الفنون ، ذلك أنه وبتدقيق قليل سنكتشف أنها تصلح لكل شأن في الحياة تقريباً ، فالمقولة فيها تحريض لطيف على تحسس الصور غير المرئية للوجوه والأشكال والأشياء عموماً ، وكلما كانت لديك قدرة على رؤية الأبعاد الأخرى – وإن بدت غائبة عن المشهد أو الصورة - كلما كان إنفعالك بها أكثر صدقاً وتأثيراً من أولئك الصنف الذين سقطوا أسرى الخداع البصري ، فما أروعك حقاً إن تمكنت من أن ترى الدموع تختبىء وراء صوت متهدج ، وما أروعك إن لمحت الأسى وراء شفاه بدت باسمة .
تصدق هذه العبارة ربما أيضاً في حق من يتجاوزون قوالب العبارات والجمل إلى حيث المعاني والمقاصد ، فسيكون من الجميل هنا أن تسمع ما لم يقله محدثك أو ما عجزت كلماته عن التعبير عنه أو البوح به ، وقد يكون من اللافت أن ترى مواطن الجمال في الأشياء التي تتبدى في عينيك مزرية أو مهملة ، فالجمال ساكن في كل شئ تقريباً ، كل ما عليك أن تحاول أن ترنو إليه بعينين برئيتين وجميلتين ومتصالحتين ، وساعتها قد تدرك أنك أضعت عمراً طويلاً في النظر لا في التبصر ، فقد يروقك الخط المستقيم ، ولكن المتعرج ليس بالضرورة منسخلاً من كل فضيلة ، قد تعلمك هذه العبارة أيضاً ليس فنون الغوص داخل تيارات المشاعر الإنسانية بحرارتها وبرودتها فحسب ، وإنما تعلمك ما هو أهم وأعمق وهو أن ألا تحسب الحرارة بالضرورة مجلبة للدفء ، ولا البرودة بالضرورة مجلبة لنزلات البرد والإرتعاد ، فالشئ أشياء والوجه أوجه ووجوه أحياناً .
هناك تعليقان (2):
أكثر من رائعه
شكرا لمرورك يا ليلى ، وأهلا وسهلاً بك دوما با إبنتي الحبيبة .
إرسال تعليق