توجه مندوب من جريدة الجمهورية إلى الأستاذ العقاد يسأله عن آخر مؤلفاته ، فأجاب : كتاب (الإنسان في القرأن) وهو تكملة كتاب (المرأة في القرآن) ، ولما ذكر له المندوب أن هذا الكتاب أغضب سيدات كثيرات ، رد العقاد ( اللي زعلوا دول مش ستات ، دول منتسبات لعالم النساء فقط ، وسبب زعلهم الأصلي هو عدم فهمهم لنفسية المرأة ) ، فقال له المندوب إنه تحامل منك على المرآة ، فأجاب الكاتب الكبير ( أبداً لكن هذه رأيي .. الرأي الثابت والحقيقي .. رأي الطبيعة والخالق ) وبعد أن أوردت بنت الشاطىء هذه المقدمة قالت : { رأي الخالق ؟! يالها من كبيرة !! أفيضاف إلى الخالق سبحانه رأي ؟! وممن ؟! من كاتب مجمعي يؤلف الكتب الإسلامية ، وتحمل المجلة الرسمية للأزهر إسمه اللامع على غلافها ؟! } ، ثم أردفت تقول إن الرأي فيما نعرف وتعرف اللغة لا يكون إلا عن تدبر وإستحضار للمقدمات ، وإجالة الخاطر فيها ، ومن ثم لم يجز أن يُضاف إلى الخالق الحكيم ، كما لم يجز أن تُضاف إليه المعرفة ، أو يوصف بها ، وإنما هو تعالى الحكيم لا العارف !! ، وقالت أن الأب لامانس اليسوعي قد أدرك هذا في كتابه (الفروق الفردية) وأدرك معه لماذا نقول علم الله ولا نقول معرفة الله ، فكيف يغيب عن إدراك كاتب مسلم عضو في المجمع اللغوي يقول عنه مريدوه إن علمه لو وُزع على مئات من أساتذة الجامعة صاروا علماء ؟! ..... فرد الأستاذ العقاد وأورد آيات تُسند الرأي إلى الله فقال أن المعلوم لكل قارىء يفهم معنى القرآن الكريم أن كل كلمة تُنسب إلى الخالق لها تفسير غير تفسيرها بالنسبة إلى المخلوق ، وكذلك نفهم الوجه والعين واليد ، ونفهم المكر حين يُنسب إلى الله في قوله تعالى { ومكروا ومكر الله } أو قوله تعالى { ومكروا مكرا ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون } فليس بالممتنع إذن أن يُنسب الرأي إلى الله بمعنى البصر أو بمعنى الحكم والتقدير أو بكل معنى من المعاني نفهمه على الوجه الذي يناسب مقام الخالق ، وإن ورد في عبارة واحدة منسوباً إلى الله وإلى الرسول وإلى المؤمنين وليسوا في الرأي - على أي معني من المعاني - بسواء ، ولولا أن السيدة (يقصد بنت الشاطىء) مسلطة على نفسها لما إنساقت مرة بعد مرة إلى هذه اللجاجة التي علم من يقرؤنها حقيقة ما تنطوي عليه ولم يبق أحد ولا إحدى يفهم أنها مناقشة بريئة تتحرى مواقع الصواب والموافقة كما تتحرى مواضع الخطأ والإنتقاد ..... لكن بنت الشاطى تقول له ( كلا ليس الأمر هذا يا أستاذ عقاد ، فالأمر أولاً أنك لا تملك أن تطلق على الله ما لم يأذن به الله ، والأمر ثانياً أن التأويل إنما يكون لما ورد به القرآن وكان موهماً كما في الجوارح والحركات ؟ ونحن المختصين في تفسير النص القرآني بيانياً لا يجوز عندنا أن نفسر مفردات القرآن بمصطلحات متأخرة أو نحتكم فيه إلى دلالات لا يأذن بها الإستعمال القرآني نفسه ، فحين صارت الحكمة مثلاً تطلق في عصور متأخرة على الفلسفة لم يجز عندنا أن نفسر قوله تعالى {وهو العليم الحكيم} ، بأنه العليم الفيلسوف ، وحين صار الثراء يُستعمل في الغنى لم يجز عندنا أن نفسر قوله تعالى {والله غني حميد} بأنه ثري أو مليونير، ولو لم يكن في الرأي - بمعني المذهب - إلا انه يأتي عن تدبر وترجيح أو إعتقاد لأحد النقيضين عن غلبة ظن لكفى بهذا الإيهام مانعاً لعربي يحسن العربية ومسلم يعرف الإسلام من إضافة الرأي إلى الخالق في مجال الإقناع بصواب رأي العقاد في المرأة ، وتستطرد بنت الشاطىء فتقول أنه يفوت المجمعي الشهير بمطالعاته أن أحداً - لمن يصلح أن يُخاطب به - يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث والمذكر ، وهذا مدار قوة النفي به وشموله ، فإذا قلت لم يبق أحد هنا ، كان النفي عاماً شاملاً للمفرد والجمع ، والمؤنت والمذكر ، وبالعربية الفصحى تقول أحد من النساء .. لا إحدى منهن ، ومرجعي - أنا الجاهلة بالعربية والإسلام - كتاب العربية الأكبر ومعجزة الإسلام الخالدة ، فالله تعالى يقول في سورة الأحزاب {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} ..... وكان رد الأستاذ العقاد : قولوا للست المفسرة هل قال الأب لامانس اليسوعي أن (أحد النساء) كلام يجوز في لغته العربية ، وقولوا لها ما تفسير الأب لامانس لقوله تعالى { إني أريد أن أنكحك إحدى إبنتي هاتين} ، هل يفسره بأن (أحد) أو( إحدى) سواء في لغته ولغتها ...ومرة أخرى في الختام لا أحد ولا إحدى يقول هذا الكلام .....وقد علقت بنت الشاطىء على قول العقاد في مجلة المصور ( أنا فعلاً طاغية أدب ، وأنا لا أستبيح لنفسي أن أسترجل على بنت الشاطىء فألقمها حجراً وهي تعلم أني قادر على ذلك ) ..... فردت بنت الشاطىء ( لا والله ما أعلم أنك قادرعلى شيء من ذلك ولا يستطيع أن يُلقم مثلي حجراً من بيته من زجاج ، وإنما الذي أعلمه أن هذا الأسلوب في الخصومة الأدبية لن يجوز في عصر الإنسان الذي غزا الفضاء بقوة عقله وكرامة إنسانيته وصحة وجدانه وضميره ، لا بعضلات مسترجل وأحجار عملاق عاق للبشرية)
*****
بعد التدوينات الأربعة السابقة لابد وأننا ندرك الآن لما وضعتها مصنفة في باب ( بنات زمان ) ضمن هذه المدونة ... نعم إنهن بنات زمان ولسن بنات اليوم ، فأنتم وأنتن أدرى بحالهن ، إذن فيما كان الداعي لإستحضار ما فات ، وإستنبات ما إنطمر ؟ ... إنه الأمل على أي حال في أن تعاود بنات اليوم قراءة سيرة بنات الأمس ، ويتلمسن مواضع أخواتهن وأمهاتهن اللائي سبقنهن في دروب الحياة ومسالك الزمن ، فقد يكون للشاطىء إبنة جديدة ... والنهاية لا يفوتني أن أخص بالشكر بناتي الثلاثة وأمهن اللائي كن لهن الفضل في فكرة هذه التدوينات عن حسنة الذكر والذوق بنت الشاطىء رحمها الله تعالى
إنتهى
هناك 3 تعليقات:
العقاد كان حاداً في خصومته..ومعروف عنه حرصه على تسفيه آراء خصومه
وبغض النظر عن هذا التراشق اللفظي الذي شاب تلك المعركة الأدبية أو الثقافية بين العقاد وبنت الشاطيء فإن مطالعتها على النحو الذي قدمته تفيد القاريء وتضيف إليه
التدوينات الأربع مادة ثرية للنقاش.. وتأمل ما آلت إليه أحوالنا الآن
عزيزي / ياسر
نعم .. كان العقاد حاد النقاش والخصومة ، ولكنها الحدة التي أثرت الحياة الفكرية بمصر آنذاك لا سيما إذا علمنا أن هذه الحدة وذاك النقاش لم يكونا قاصرين على طرفي المعركة أو السجال الأدبي المستعر ، بل كان يمتد إلى أعلام الفكر والأدب وغيرهم ممن ينتمي إلى هذا الفريق أو ذاك وكان القارىء المستفيد الأول ، على أية حال تشرفنا بمرورك الكريم ، وتقبل خالص التحية والمودة
عندما قرأت كتاب المرأة فى القرآن للعقاد لم أشعر بإرتياح تجاه ما قرأته وتصورت أن الرأى الشخصى للعقاد كان هسيطراً. شتان بين ما كتبه العقاد فى هذا الشأن وكتاب الشيخ الغزالى "قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة".
وأعجبنى لبنت الشاطىء الأعمال الأدبية (صور من حياتهن ، وقود الغضب ، على الجسر و سر الشاطىء). كلها تحدثت عن قصص واقعية فيها كثير من المعانة والقسوة حدثت لفتيات عرفتهم بنت الشاطىء وعن سيرتها الذاتية أيضا. وأفضل ما قرأت لها "مع المصطفى فى عصر المبعث". شىء محزن أن النقاش الأدبى بين مفكرين على هذا المستوى كان بهذه الحدة. شكرا لك على هذه المدونة
إرسال تعليق