في خضم الأحداث الكبيرة والملمات العظيمة تتوه الحقائق أحياناً ، فحادثة إستشهاد الإمام الحسين بكربلاء والظروف السياسية التي سبقتها وواكبتها ما زالت تثير في نفوس المسلمين الشىء الكثير من التحليل والتنظير ، وهذا أمر قد يغدو طبيعياً بالنظر إلى شخص ومكانة الإمام في نفوس المسلمين عامة من ناحية ، وبالنظر كذلك إلى الأهداف النبيلة التي كان يتغياها بخروجه على السلطة التي كانت قائمة آنذاك من ناحية أخرى ، فهو وإن بذل نفسه وقدم بعض من آل بيته الأطهار على مذبح الطغيان فإن هذا لم يكن هدفاً في حد ذاته ولا يقول به عاقل ، وإنما كان الهدف هو كسر شوكة العابثين بدين الله والذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، والعودة بالدين إلى نبعه الصافي كما أرساه جده صلى الله عليه وآله وسلم ، وكما دافع عنه أبيه رضي الله عنه وكرم الله وجهه مع جمع من صحبه الكرام .
صحيح ووفق لرأي البعض أن الحادثة قد عجلت بأفول شمس دولة بني أمية ، إلا أن الثابت أن هذا لم يكن على الفور بل تراخى الأمر سنوات طويلة ، بل أنه وبعد مغيب هذه الدولة ، فإن العباسيين في شطر منهم لم يكونوا أفضل حالاً من سابقيهم ، وهذا حسب رأيي المتواضع يرجع إلى أن حادثة إستشهاد الإمام في ذاتها والتفاصيل الأليمة التي صاحبتها قد طغت على المعاني التي أراد أن يبعث بها سبط النبي الأكرم ، ولم تترجم هذه الرسائل في كثير من الأحيان إلى واقع عملي إلا في أحداث قليلة معدودة لا ترقى بحال إلى عمق الرسالة ولا نبل المضامين التي إحتوتها ، ولا فداحة ثمنها ، فما زالت رحى الطغيان تدور بلا كلل أو ملل ، ومازال البسطاء من الناس ينسحقون تحت عجلاتها بلا رأفة أو رحمة ، وما زال الدين يتلاعب به حفنة من الحمقى والجهلاء إلا من رحم الله .
ولكون المضمون قد أطيح به لحساب الشكل والصورة والمشهد فمازال فريق من الناس لا يرى في هذه الحادثة المروعة إلا سهم وسيف ودم ودمع ، وهذا لعمري خطأ فادح في قراءة ما بين السطور وإساءة إلى صاحب الرسالة ، ذلك إن إحياء ذكرى إستشهاد الإمام وغيره ممن سبقه من النبلاء رفيعي القدر لا يكون إلا بإحياء صالح أعمالهم وإقتفاء آثارهم والسير على الطريق التي قطعوها من أجل جعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا ، فعلى من أساء فهم الرسالة أن يتريث ويعيد القراءة من جديد بعيداً عن الفلكلور الشعبي والمسرحيات المتوارثة التي تؤجج النفوس دونما طائل والتي تسترجع لا معان ٍ ولا أهداف ، بل صور وأشكال لا تغير من واقعهم المتردي شىء ، وإلا فإن الإساءة إلى الثوري الشريف ستتكرر ، مرة بخذلانه والتواني عن نصرته إبتداءاً، ومرات بإساءة فهمه والمتاجرة بدمه إنتهاءاً .
هناك 5 تعليقات:
أخي العزيز : هذه الجملة لخصت كل شيء (وإلا فإن الإساءة إلى الثوري الشريف ستتكرر ، مرة بخذلانه والتواني عن نصرته إبتداءاً، ومرات بإساءة فهمه والمتاجرة بدمه إنتهاءاً)
نحن اليوم نرفع اسم الحسين شعاراً لنا ولكننا لا نعلم لو عاد الحسين في وقتنا الحاضر كيف سيكون موقفنا منه وأظنك تستطيع التوقع .. أشكر تواجدك لدي وآسف لدخولي المتأخر
شرفت بتعقيبك والذي أعتبره ليس تعقيباً عابراً وإنما فهم وإدراك لما بين السطور ، وأهلا بك في أي وقت متأخراً أو متعجلاً .
تعليق peace ذكرني بالمالكي (رئيس الوزراء العراقي)عندما قال في القمة العربية: أن العراق بلد الرشيد!.. لعنة الله عليه وعلى هارون الرشيد
المهم أحياناً يكون فهمي بطئ ما أدري آني مدا أريد أفهم ما أدري!
لكن الحمد لله أن peace - والنعم منه:) - علق وفهمت من ردكم أن هذا ما بين الأسطر.. وهو عين النغمة والتي لازالت تردد وإلى اليوم بأن الشيعة هم من قتلوا الحسين واليوم يلطمون صدورهم ليكفروا عن ذنبهم!
العزيزة / سراج
ما عهدتك تستمطرين السماء اللعنات ! ، فالخلاف في الرأي لا يستأهل شيء من ذلك ، ولكنك شديدة الحساسية إزاء الخوض في هكذا موضوعات على ما يبدو ، فكما أن لك رأي نحترمه ، فاللآخريين كذلك أرائهم نحترمها وإن إختلفنا معهم ، فيا عزيزتي لا يملك أحد ولا يدعى أحد حصرية حقوق المحبة أو البغض ، والله أعلم بالصواب ، وبالمناسبة فإن نوري الماكي وصاحب مدونة Peace منكم وفيكم ولا إيه ؟؟
الله لعن الظالمين.. والمالكي دا يفتخر بيه!
[لا يملك أحد ولا يدعى أحد حصرية حقوق المحبة أو البغض].. هذه لا يختلف عليها إثنين! إن كان هناك شئ يمكن أن يجمع المسلمين فهو محبة آل البيت(ع).. أين وجدتني أدعي خلافها؟!
[نوري الماكي وصاحب مدونة Peace منكم وفيكم ولا إيه ؟؟].. بلي.. في العراق الإنتساب للتشيع صار مكسب.. طبعا بعد السقوط !
إرسال تعليق