تدبقلم : ياسر حجاج
تدور الأمور في مجملها ما بين صفو وكدر وجد ولعب ، وإذا ُقدر لك وصارحتك نفسك
بأنها تريد أن تفهم أكثر ، فإعلم أنك على وشك أن تبدأ مرحلة مزاحك أو عبسك إنما
على حافة جبل شديد الإنحدار ، ذلك أن محاولة الفهم أكثر وأكثر إنما تفترض في
البداية بأن المشاهد بتجلياتها الراهنة لا تجد إلى نفسك سبيلاً ، فتستعين على قلبك
بعقلك ، لعلك تجد عنده ما أستغلق فهمه أو إستحكم إغلاقه .
ولا يعني ذلك بالضرورة أن عقلك سيجد الإجابات الشافية لأسئلتك العليلة ، هذا
مع إفتراض مبدئي بالطبع أنك تتمتع بقوىً عقلية معقولة بعيداً عن أجواء الخرف
المحيطة بك ، والطقس اللا معقول ، حيث تتنسم ما حسبته هواءاً ، فإذا به دخان محمل
بكم لا بأس من الضباب في بيئة لا تعرف على وجه الدقة أتمر هي بأشهر صيف أم شتاء .
الحالة المصرية بعد الثورة لا تختلف كثيراً عما سبق ذكره أعلاه ، ولعلها
الحالة التي تحاول فيها أن تتبين الخيط الأبيض الرقيق من الخيوط السوداء السميكة ،
كما بدت لي الحالة المصرية كأي حالة تعقب الإستشفاء المفاجىء ، بعد طول معاناة
ومعايشة مع مرض عضال .
فبعد بقاء المصريون قسطاً طويلاً من الزمن رهن أزمات مزمنة ، بدت من عمقها
وكأنها إلتصقت بجلودهم وأرواحهم ، وحتى مخيلتهم بشكل لا تكاد تستطيع أن تفصل بينها
، تراهم عمدوا إلى حل لا يلجأ إليه في الغالب إلا من هم على مشارف الهلاك ، فبدلاً
من أن ينظروا إلى الحياة الآن بحسبانها قد أعيدت إليهم ، مع غياب أو تغييب أو
تحييد المسببات الرئيسية لأمراضهم وآلامهم ، وبدلاً من أن يحاولوا السير بهدوء صوب
مرحلة النقاهة التي تعقب العمليات الحرجة ، تراهم قرروا في لحظة مجردة من المعقول
السير وبحماسة عير محسوبة إلى مرحلة التعافي الكامل والمباشر والسريع .
وظنوا أن السبيل إلى ذلك ليس سوى إقتحام كافة الصيدليات التي عرفتها
الإنسانية طوال تاريخها ، حيث قرروا وبلا وعي تقريباً ، وبجرعة واحدة أن يتناولوا
كافة الأقراص والحبوب والمضادات وسائر أنواع الشراب الموجودة على أرفف تلك
الصيدليات ، وربما بالقدر الذي يجاوز حدود القدرة أو الإحتمال أو التخيل ، معتقدين
أن هذا القدر من الخرف الوقائي سيكون سدهم المنيع وسورهم العالي ضد أية أمراض
جديدة ، ولو كانت محتملة ، بما يجعلهم بمنأى عن العودة إلى فراش المرض من جديد ،
وبمعنىً آخر ، فأنه ليس من البديهي بالمرة أن تكون على وشك الخروج من جراحة دقيقة ،
وتعمد بعدها مباشرة إلى خوض سباق في المسافات الطويلة ، معتمداً فقط على أقراص
للهلوسة ، وللحديث تتمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق