بليز باسكال
الفيزيائي والفيلسوف الفرنسي
( وددت أن أكتب خطاباً أقصر .. ولكن لم يكن عندي ما يكفي من الوقت )
بقلم : ياسر حجاج
عزيزي .. عزيزتي
هذا صحيح تماماً ، فنحن نستهلك وقتاً أطول لنجعل كلماتنا مختزلة وقصيرة
ومعبرة ، بينما الكتابة المطولة - كيفما إتفق - تستهلك منا وقتاً أقل بالتأكيد ،
والفارق هنا إنما يكمن بين عاملين إثنين ، عامل المعرفة ، وعامل الخبرة ، فتستطيع
وفق سعتك المعرفية العادية أن تكتب كثيراً في وقت قليل ، إنما خبرتك فقط هي التي
ستتيح لك تبسيط هذه السعة وإفراغها في كلمات معدودة وذات مضمون جيد إنما في وقت
أكبر بعض الشئ .
فالكتابة فن للنقش ، إنما إختزالها فن للنحت ، وليس من نقش كمن نحت ، وهذا
الأمر لا ينسحب على الكتابة فحسب ، إنما على كل شيء اريد له أن يكون دائراً ما بين
الواقعية والجمال ، فبوسع ثمار الفاكهة – وإن كثرت - أن تأخذ
طريقها إلى فمك مباشرة في ثوان قليلة ، إنما إن أردت أن تتحول هذه الثمار إلى عصير
مركز فلا بد أنك ستأخذ وقتاً أكبر بلا شك لإنجاز ذلك ، وقد تتمكن أيضاً من بناء
سور عال حول حديقة منزلك في أيام قليلة ، ولكن إن أردت أن يتوسط الحديقة تمثال
صغير وأنيق فإنك ستستغرق أسابيع لنحته .
من
ناحية أخرى فالواقعية هي ترتيب منطقي للأفكار ، بينما الجمال هو ترتيب شاعري
للأفكار ، فما يعد عابراً لأصحاب الرؤى الواقعية يضحي عميقاً وبعيد الأثر في نفوس
أصحاب الرؤى الشاعرية ، فالقمر مثلاً ينير ليلاً فلا يلتفت إليه الواقعيون إلا كما
ينظر أحدهم إلى مصباح غرفته وبطرفة عين عابرة ، هذا إذا إلتفت إليه أصلاً أو شعر
بوجوده ، إنما أصحاب الخيال وحدهم هم من ينظرون إليه مطولاً ويجيلون ابصارهم فيه
بكل حواسهم ويديرون معه ربما حواراً أفلاطونياً كل مساء ، فقصيرة جداً هي الألفاظ
التي تكتبها ، وطويلة حقاً هي المعاني التي تحسها ، ولهذا السبب يحب الناس الحكماء
، ويبغضون السياسيين الذين لا يملون الثرثرة والكذب أيضاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق