دعونا نتفق بأن القريحة البشرية لم تتمكن بعد من خلق
وسيلة أكثر نزاهة أو موضوعية من صناديق الإنتخابات كوسيلة لإستمزاج هوى ورأي جموع
المواطنين في شأن من الشئون ، ودعونا أيضاً نتفق بأن ما تفرزه هذه الصناديق ليس
بالضرورة أفضل الإختيارات ، وإنما ربما أقلها سوءاً أحياناً ، وعليه فإنك شئت أم
لم تشأ فقد بات مرشح جماعة الإخوان المسلمين د./ محمد مرسي رئيساً لمصر ، وبصرف
النظر عن رأيك الخاص في شخصيته ، فإن نسبة أكثر منك عدداً تراه خفيف الظل بهي
الطلعة ، قادراً على قيادة الدولة ، بخلاف رأيك الذي تعتبره مهيئاً أكثر لملازمة
منزله لمطالعة الصحف وتأدية فروض الصلاة بالمسجد المجاور .
لا ينطوي الأمر على التقليل من شأن الرجل أو الحط من
قدره ، إنما هو تقرير واقع لما هو واقع بالفعل ، فهو على المستوى الإنساني الصرف
قد يكون إنساناً رائعاً بحق ، قد تشعر بالسعادة لكونه جارك مثلاً ، أو زميلاً لك
في العمل ، ولا يوجد بأس في أن تصطحبه إلى رحلة لقضاء مناسك الحج أو العمرة ،
وسيكون أمراً معقولاً تماماً أن ترتبط به بعلاقة نسب أو مصاهرة ، أو تجمعكما جلسة
لطيفة على المقهى وأنتما تتنافسان في مباراة للشطرنج أو الطاولة ، كل هذا وارد
وحسن أيضاً ، لكن أن يكون رئيساً لدولة بحجم مصر ، هذا ما أراني غير قادر على هضمه
حتى مع إستخدام أفضل أنواع عصائر الليمون .
منذ أكثر من أسبوعين وأنا أسائل نفسي عن إمكانيات هذا الرجل
لكي يشغل هكذا منصب ، ثم أدركت ببساطة أنني إنما أسأل سؤالاً ساذجاً ، ذلك أن
الرجل لا يمثل رؤيته الخاصة ولا مشروعه الخاص ، إنما يمثل رؤية ومشروع ظلا يعيشان
في الظلام وفي أروقة السراديب لعقود طويلة ، وتعاقب على إعدادهما وطبخهما رجالات
كثر ، منهم من مضى ومنهم من بقى ، فتم الدفع بصاحبنا ليشكل الواجهة السياسية البرتوكولية
لإنفاذ الرؤية وتطبيق المشروع اللذين يجري إعدادهما خارج أسوار قصر الرئاسة ، وما
على الرجل سوى إعداد المائدة وتقديم الأطباق ، وإذا بدأت تشعر بالصدمة أنك لست بصدد أو إزاء
رئيس فعلي يحكم ، فإنك على الأقل بدأت تعلم من هو الرئيس الذي يتحكم ، فما عليك
سوى أن تيمم بصرك شطر منطقة المقطم لتدرك من هو
الصدر الأعظم بمصر ، والذي لا يسكن بالضرورة في القصر ، فالعبرة دائماً بالمعنى لا
بالمبنى ، وبالمكانة لا بالمكان .
ينبني على النتيجة السابقة - رغم بساطتها - أمر هام
يتجلى في أنك قد عرفت الآن إلى من يجب أن تتوجه إليه بحديثك ، فنحوا فخامة الرئيس المنتخب
جانباً ، وأريحوه من سهام النقد ، وتوجهوا بدلاً من ذلك إلى فريق الطهاة بمقر جماعة
الإخوان المسلمين ، وليس يخالجني شك أن معرفة الوقائع على حقيقتها مهما بدت صادمة
أو مرة ، أفضل كثيراً من المناورة والمداورة فيما لا طائل من ورائه ، فهذا الرجل
القابع في قصر الرئاسة - ولكي لا تحمله ما لا يُطيق - ليس سوى إسم يرد ضمن كشوف
رواتب العاملين بهذا القصر والذي يستحق راتباً بنهاية كل شهر ، وتنحصر مهمته
تقريباً في الجلوس بجوار الهاتف إنتظاراً لمكالمة من كبير الطهاة ، أو ترقباً
لوصول رسالة مع مخصوص كُتب على مظروفها الخارجي ( عاجل ويُنفذ ) .
هل يستمر هذا الوضع كثيراً ؟ لا أدري ، فهذا يتوقف
بالتأكيد على قدرة حواسك على الإستساغة ، وقدرة معدتك على الهضم ، فقط أود تذكيرك
بأنه إذا أتى اليوم الذي تمل فيه الطعام ،
ثم قررت في لحظة غضب عنترية أن تقلب الطاولة بما عليها من أطباق ، أن لا
تتوجه بالعتب والملامة إلى سفرجي القصر ، وإنما إلى الطهاة القابعين بمطبخ الجماعة
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق