جمال الدين الأفغاني
( لا تحيا مصر ، ولا يحيا الشرق بدوله وإماراته إلا إذا أتاح الله لكل منهم رجلاً قوياً
عادلاً يحكمه بأهله على غير التفرد بالقوة والسلطان )
*****
عائلة الطغيان
(7) الديكتاتور العادل
نختتم عائلة الطغيان الكريهة بمناقشة هذا المصلح المحبب لدى البعض والذي ُيسمى أحياناً (بالمستبد العادل) أو (الطاغية الخير) ، فقد ظهر هذا المصطلح بداءة في الفكر السياسي الأوروبي للدلالة على نظام معين في الحكم في تاريخ أوربا الحديث ثم ما لبث أن إنتقل للشرق ، فالحل الحقيقي الذي إرتآه مثلاً جمال الدين الأفغاني لمشكلات الشرق إنما هو المستبد العادل الذي يحكم بالشورى ، فهو في كتابه (العروة الوثقى) يرد على القائلين بأن طريق الشرق إلى القوة يكمن في نشر المعارف بين جميع الأفراد .. وأنه متى عمت المعارف كملت الأخلاق وإتحدت الكلمة وإجتمعت القوة ، ويقول الأفغاني رداً على هؤلاء ( ... ما أبعد يظنون ، فإن هذا العمل العظيم إنما يقوم به سلطان قوي ماهر يحمل الأمة على ما تكره أزماناً حتى تذوق لذته وتجني ثماره ) .
والملك المستبد المستنير يكون مستنيراً بقدر ما يعتمد في حكمه لا على حق الملوك الإلهي بل على مفهوم العقد الإجتماعي أي عقد تبادل المنافع بين الحاكم والمحكومين ، ويكاد يجمع المؤرخون على إعتبار فريدريك الثني (الأكبر) ملك بروسيا هو النموذج الأول للملك المستنير ، إذ كان يعتبر نفسه الخادم الأول للدولة ويتصرف وكأن عليه تقديم كشف حساب عن عمله أمام مواطنيه ، فيتسامح في الدين ويهتم بالإصلاح القضائي وبإصلاح التعليم وتحسين أوضاع الفلاحين فهو ملك مستنير من هذه الناحية ، لكنه مستبد من زاوية أخرى وهي أنه ما من فرد أو جهة لها صلاحية أو حق مراقبة أعماله ، وهذا الخلط ما بين الإستنارة والإستبداد لخصها أحدهم بالقول ( لقد إختار الناس من بينهم من أعتقدوه أكثر عدالة لحكمهم وأفضل من يخدهم كأب ) ، وهنا يؤكد مؤلف كتاب (الطاغية) بأن مصطلح الطاغية الصالح أو الخير يجب رفضه منذ البداية ، ذلك أنه إذا كانت هناك فكرة واحدة في النظرية السياسية لا خلاف عليها فهي أن الطغيان هو أسوأ أنواع الحكم وأكثرها فساداً لأنه نظام يستخدم السلطة إستخداماً فاسداً ولقد لاحظ أرسطو بحق أنه ( لا يوجد رجل حر بقادر على تحمل مثل هذا الضرب من الحكم إذا كان في إستطاعته أن يهرب منه ) فالإنسان الحر لا يتحمل مثل هذه الأشكال التعسفية من الحكم إلا مرغماً ، ولهذا فإنه يندر جداً أن ُيذكر الطغيان بطريقة فيها مدح .
والسؤال المطروح هنا هو هل يجوز لمستبد بلغ ما بلغ من عدل وإستنارة أن يفرض على الآخريين أراءه وأفكاره بدعوى أنها تصب في صالحهم ؟ لقد طرح الفيلسوف البريطاني جون مستيوارت مل هذا السؤال في بحثه عن الحرية ثم أجاب عنه بالنفي القاطع فقال ( لا يجوز إجبار الفرد على أداء عمل ما أو الإمتناع عن عمل ما بدعوى أن هذا الأداء أو الإمتناع يحافظ على مصلحته أو يجلب له نفعاً أو يعود عليه بالخير والسعادة بل حتى لو كان ذلك في نظر الناس جميعاً عين الصواب وصميم الحق ، وحسب مل فإن القهر والإجبار والإكراه من جانب سلطة في سلوك الفرد أمر غير جائز على الإطلاق ما لم يكن تصرف هذا الفرد فيه مساس بالغير أو إلحاق الأذى بالآخريين ).
يُتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق