بقلم : ياسر حجاج
في تاريخ الشعوب والمجتمعات ، تعد الثورات بمثابة الإنعطافات الحادة
والنتؤات البارزة والأخاديد العميقة ، ولكونها كذلك فإنها هي التي تعيد رسم
الخارطة التاريخية والجغرافيا السياسية لهذه الشعوب وتلك المجتمعات ،
والثورات على تنوع مشاربها ، وإختلاف أمزجتها تعمل بقصد ومن غير قصد أحياناً على
إعادة تموضع المشاهد ، وضبط زوايا الرؤية ، مع مزج مستحدث لألوان الطيف داخل
مجتمعاتها ، بل والعمل كذلك - إن أمكن - على صياغة الأحاسيس والمشاعر من جديد .
مرة أو مرتين في عمرك قد تعاين ثورة رأي العين هنا أو هناك ، وقد
ينقضي عمرك كله دون أن تعاين أي ثورة ، وبالتالي فلن تقف على مشاهدها ، ولن تتبع
نتائجها وأثارها في نفسك وفيمن حولك ، فالثورات في عمر الشعوب هي حالة إستثنائية
على قاعدة الجمود والرتابة والبرودة ، ولكونها إستثناءاً بهذا المعني فإنها غالباً
ما تٌحدث درجات متفاوتة من السيولة والمرونة والحرارة ، ولأن الثورات إستثناءاً
فلا تتوقع منها إلا منطقاً إستثنائياً ، ومساراً إستثنائياً ، وخصومة إستثنائية
أيضاً .
في عصر الثورات يخالُ المرء أن كل شئ يثور من حوله ، الناس ،
والكائنات ، وحتى الجمادات ، فيندر حينئذ أن يظل شئ على حاله ، دون أن يتلبس بهذه
الحالة الثورية بدرجة أو بأخرى ، فالكل إما ثائر بذاته أو هو قابل للتفاعل مع هذا
الحس الثوري من خلال تلك الأنفاس الحارة الثائرة ، التي تعلو كما الأبخرة والتي
تعود فتهبط على كل كائن بقدر يتفاوت بمقدار ما يسعه صدره أو تستوعبه رئتاه فينتقل
معها وبها من حالة شهيق ثورى ، إلى حالة زفير أكثر ثورية وسخونة .
ولأن الثورات لا يقوم بها غالباً الشعراء أو الفنانون أو الرومانسيون
وحدهم ، فلا تنتظر منها أن ترسم لك المشاهد التي تود أن تراها ، ولا أن تعزف لك
الألحان التي يطيب لها سمعُك ، فالثورة لوحة كبيرة ، بالغة الطول والعرض ، بالغة
العمق والتعقيد أيضاً ، فتتقاسم اللوحة كل اللغات وتتسع لكافة أوجه التعبير ،
وتقبل برحابة كل أنواع الفنون ، الراقي منها والمبتذل ، وتحفلُ بكل من يخط بها
خطاً ، فبها الخطوط المستقيمة الدقيقة ، وبها المائل والمتعرج ، عموماً سأترك هنا بعض إنطباعاتي عن
الثورة المصرية ، وردود أفعالي العفوية
تجاهها تسرعاً وتأملاً ، وللحديث تتمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق