سعيد الحظ بلا شك هذا الجيل من المصريين بعد أن شاءت لهم الأقدار
الحياة حتى يكونوا شهود عيان على لحظات هامة من عمر وطنهم ، هذا الوطن الذي يجري
الآن إعادة تشكيل هويته ومقوماته ليتلاءم مع رجال المرحلة وأهدافها .. نعم .. سعيد
الحظ هذا الجيل لأنه سيكون لديه ما يكفي ليحكيه عن مشاهداته وإنطباعاته لصغار أولاده
وربما أحفاده المنتظرين ، غير أنني لست متأكداً من أن قطاعاً من هذا الجيل سيشعر
بالراحة والسكينة وهدوء البال والرضا وهو يروي المشاهد كما رآها وسمعها وتفاعل
معها وفهمها ، ولأنني لست متحدثاً إلا بلسان نفسي ، فأنا وأكثر من غيري أستطيع أن
أقدر وأتفهم أيضاً كم الخجل الذي سأشعر به وأنا أحكي للصغار عن حقبة عايشتها ولم
أشارك فيها إلا ببضع كلمات ربما لا يهتم بقراءتها أحد .
بكل ضمير مستريح أستطيع أن أؤكد لنفسي الآن أن الجيش المصري قد
باع العباد ومن قبلهم البلاد لمجموعة من النخاسين بجماعة الإخوان (المسلمين) الذين
لا يريدون سوى التسلط على الرقاب والإتكاء على مساند إمارة الحكم في البلاد ،
والوصول بأي طريق إلى فك الشفرة الوراثية للدولة العتيدة القديمة ليتم العبث بها
جينياً من خلال بضعة جراحين لا ضمير لهم بمكتب إرشاد الجماعة ، ليتمكنوا تبعاً لذلك من
تغيير الطقس العام للبلاد وتحويل المواطنين إلى جوقة عزف مكتملة الأركان تجيد
قراءة النوتة الإخوانية ، واللعب على أوتار معدة سلفاً لا ترى في الإخوان ودولتهم
وتنظيمهم الدولي المشبوه إلا لحن الوجود والخلود .
بات في حكم المؤكد الآن – على الأقل بالنسبة لي - أن المجلس
العسكري المصري ومعه جماعة الإخوان لم يكونا يخوضان أية حرب لتكسير العظام لفرض
إرادة أحدهما على الآخر ، بينما الأمر لم يكن في مجمله سوى إتفاقية ( سايكس بيكو
محلية ) تم من خلالها تقسيم المغانم وتوزيع القلائد والأنواط والترضية بالمناصب الشرفية الفارغة من أي مضمون ، وما على الشعب المصري الكبير سوى أن يلعب دور الأرملة اليتيمة التي تنتظر
في غرفة نومها إنتظاراً لمقدم مغتصب جديد .
إن سياسة عض الإصبع التي روج البعض لها على أساس أنها تحكم
العلاقة بين الجيش والإخوان لم تكن في محلها على الإطلاق ، فما أشعر به حقاً الآن
أن الإصبع لم يكن سوى أصبع الوطن الذي كان بين فكي الجيش والإخوان إلى أن تم
الإتفاق بينهما على مفاوضات التسليم والتسلم لمقدرات الوطن والتي يبدو أنها لم تكن
عسيرة ولا حتى مبعث قلق كبير ، وأن الأمر لم يزد في تقديري عن التلفظ بعبارات مختصرة
تجمل شروط معينة لصحة ونفاذ عقد البيع مع آليات التسليم والتسلم ، وبمراعاة قواعد الإيجاب
والقبول على النحو التالي :-
جماعة الإخــــــوان :
بكم تبيع البلد ؟
المجلس العسكري : مش
هنختلف على السعر .
شهــــــــــود الزور :
على بركة الله .
شئت أنت أم أبيت فإنه يجب عليك أن تعلم أن التاريخ يكتبه دائماً
المنتصرون وإن كانوا مدلسون ، وليس بالضرورة المنهزمون وإن كانوا أصحاب حق ومخلصون ، فالمنتصرون وإن
كانوا جناة أفاكون يكتبون بلغة حاسمة داحضة تتضاءل أمامها بلاغة وتبريرات المسحوقين
والمقهورين ، وأرجوك أن لا تسألني عن المنطق والعقل في كل ذلك ، فقد حدثك التاريخ
يا عزيزي غير مرة أن نفر من البغاة والقتلة والمجرمين كانوا يحملون لقب ( أمير
المؤمنين ) ، وهاهو التاريخ من جديد يعود فيخرج
لك لسانه ثم يقول لك هاهنا جماعة جديدة من النخاسين أطلق عليها بالأمس القريب ( الإخوان
المسلمين ) .
إن مصر
التي هي ( حرة قد تجوع ولكنها لا تأكل بثدييها ) لهي على المحك الكبير ، وأن
أبنائها بمعظم طوائفهم أكثر من أي وقت لمدعوون للإنتفاض وتسجيل المواقف
الوطنية الجادة لكي لا يكون أياً منهم شاهد زور أو ساكت عن حق في زمن النخاسة ، ولكى لا يُـفاجئ أي منهم غداً أن الوأد عاد ليصبح عقيدة عصرية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق