بقلم :
ياسر حجاج
ربما دون أن
تدري ، فلا قضية منتهية تقريباً ! كل نهاية متوهمة ، هي ذاتها إستهلال رتيب لفصل
جديد ، ولربما مع أناس آخرين ، تصل به ما سبق ،
وفي طقس يجمع ما بين المحبط والممل ، يبدأ النقاش ، بادئ الأمر في منطقة
محددة ، ومساحة زمنية معينة ، دقائق على بدء النقاش ، تجد نفسك ملقى إما في حضن
جبل ، او عالقاً بجذع شجرة ، أو تصارع موج من أجل البقاء على اليابسة ، قد تسترد
بعض من وعيك ، وتملأ رئتيك ببعض الهواء ، ثم تسأل السؤال الذي لا يعرف أحد الإجابة
عنه : ماذا كنت أريد أن أقول ؟ ، لن يجيبك أحد ، فالكل منشغل بالبحث عن إجابة .
عجيب أمر هذه الحوارات التي نكون
طرفاً فيها ، فأياً ما كان الموضوع ( هام - تافه ) يندر أن يبدأ النقاش وينتهي دون
خروج أحد عن صلبه (أنت أو هو) ، وكأن القاعدة هي تلك التفريعات العديدة ، والخطوط الجانبية ،
التي غالباً ما تستنفذ الوقت الأكبر ، والمجهود الأوفى ، ليس مستغرباً إذن أن لا
قضية منتهية ، فكل طرف من خيط ، يُسلمك إلى طرف آخر ، وهكذا دواليك ، حتي يستحيل
الأمر في النهاية ، إلى كومة من الشرنقات المتداخلة التي تنسج حول روحك حبلاً ، سيكون خبراً سعيداً بالتأكيد
إن تمكنت من النجاة بنفسك ، هذا بالطبع إن كنت مهتم .
النقاش هو نوع من الفنون ، غير أن
إدارته هو عين الفن ، والإلتزام بالخط العام للموضوع ، هو أمر جوهري للغاية ، نوع
من المران يُكتسب ، كما أنه أحياناً جزء أصيل من ثقافة المتحاور ، وكلماً كنت
حريصاً على الإلتزام به ، بل وجعل غيرك يلتزمه ، كلما كان أمل الوصول إلى نتائج
محددة ، وفائدة مرجوة كبيراً ، فعديدة هي القضايا التي لا نجد لها حلاً ناجعاً ،
أو لا نجد لها حلاً على الإطلاق ، ليس لأنها في ذاتها مستحيلة أو عصية على الحل ،
لا .. ولكننا في الحقيقة لا نتحدث بشانها ، وإنما في شأن من شئونها أو أشباهها ،
قديماً تشابه البقر على بعضهم ، وبعد مناورات ومداورات ، أدركوا أن التشابه الذي
تراءى لهم ، لم يكن في الواقع له حظ من الحقيقة ، بقرة .. أي بقرة ! .
لسنا أفضل حالاً .. لم يعد الأمر
مقتصراً على بقرة ، إنما حتى على البيضة ( مين اللي جابها وسلقها وقشرها وأكلها )
، صحيح كان هذا فيما سبق ، عندما كنا صغاراً ، ولكن هل كبرنا ؟ خض غمار أي حوار ،
ستدرك بسرعة ، انك ما بارحت حجر أمك ، او صدر أبيك ، لابد وأن قصة البيضة لم تزل
تستهويك .. أليس كذلك ؟ .
النقاش ليس هدفاً في ذاته ، ولا
ينبغي له أن يكون ، هو نوع من التواصل بشكل ما ، صحيح أنك لا تصل غالباً إلى شئ ذي
بال في النهاية ، ولكنك على أي حال ربما تكون قد أدركت من خلاله ، أن بوسعك إفحام
طرف أو أطراف أخرى ، بدا لي كم كنت سعيداً عندما وضعت أحدهم في زاوية ، وحاصرته
بحججك ، وصببت عليه البراهين صباً ، حتى إستغاث ورفع منديله الأبيض ، لكم كنت
قاسياً ، وأنت تسفه من أراءه ، وتسوق الأدلة على هشاشة منهجه ، لقد قتلته يا رجل ،
ولكن قل لي : هل أنت سعيد الآن ؟ إن كنت كذلك ، فيؤسفني أن أقول لك ، أنك لست أقل
تفاهة ، فهذا ليس نقاش ، وإن تسمى بإسمه ، وتزيا بزيه .
كثيراً ما نبتدع أسماءاً جديدة لذات
الأشياء ، ونكهات مختلفة نُغطي من خلالها على المذاقات الأصلية لها ، فلما نفعل
ذلك ؟ لأننا ألفنا اللعب والمناورة والتبرير ، جزء من ثقافتنا ، أو تراثنا ربما ،
حتى بات توأمنا الملتصق ، الذي لا يريد المغادرة قريباً على
ما يبدو ، إن أفضل ما رأيته وعاينته من سني العمر المنقضية ، أن فضيلة الإنصات لا
تضاهيها فضيلة ، كم هو جميل أن تكون إذنك في مقدمة الركب ، جميلة هي أيضاَ لحظات
الإسترخاء العصبي ، المصحوبة بإبتسامات باهتة ، وأنت تعاين الكذب والمبالغة والتنطع
، أيها الأوغاد .. هل أعرفكم من قبل ! عبارة وددت لو ألقيتها على وجوه الكثيرين .
نقاش واحد ، هادئ وصادق ستجده ، لما
لا تنظر إلى المرآة الآن ، ها قد عرفته إذن ، جريدتك وفنجان قهوتك ، وإن شئت
فسيجارتك ، فر إلى الشرفة أو غرفة المكتب ، إنسحب الآن من كل هذه العوالم الخطرة ، إنفض عن نفسك غبار الحوارات ،
خاصم تلك (المكلمات) البائسة ، فنفسك تستحق بعض من الرعاية والتدليل ، قل لي بالمناسبة .. هل جربت أن
تستخدم (إصبع روج) زوجتك في الكتابة ؟ لقد وجدته رائعاً .. المهم أن تتعلم كيف تكتب به ..
حاول .. لن تندم ، إنما .. لا يكن جل همك أرجوك ، إستنساخ عبقرية يوسف وهبي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق