بقلم : ياسر حجاج
صديقتي وزوجتي الحبيبة / أم
محمد
بعد التحية
ها قد أطل من جديد شهر يونيه
، كشاهد عدل ، ذو ثقة صدوق ، على هذين الذين إستقلاً وحدهما قطار رحلة منذ 25
عاماً ، تقاسما فيها معاً لقمة عيش ، وفاتورة حساب ، ثم سرعان ما إستقبلاً أضيافاً
أعزاء ، أتسعت لهم مطارح قلوب ، وأحداق عيون ، هؤلاء الرائعين والرائعات من الأبناء
والبنات ، الذين أضفوا على الرحلة الكثير من البهجة والمرح والسرور ، حيث أعطوا
كلينا ، أسباباً وجيهة ، بأن في الحياة حقاً ما يستحق النضال والكفاح من أجله ،
لعله يا عزيزتي .. ربع القرن الأسرع في حركة التاريخ مذ كان .
إن شهر يونيه على قيظه
وحره ، رأيته يتواضع اليوم ، وقد داعب المخيلة بنسمات ليست في طبعه ، ولا هي من
شيمته ، لعله أراد يا عزيزتي ألا يكون ضيفاً ثقيلاً لهذه العائلة في مناسبة عزيزة
على نفوسهم جميعاً .
لعلك تعلمين ، أنني أميل غالباً إلى التقييم ، والنقد اللاذع ، وتتبع الثغرات ، وتسليط الضوء على
الهفوات ، ربما بحكم التخصص ، ولكنني اليوم أقف متجرداً ، إلا من سيف الإنصاف لأقر
لك ، بأنني لم أجد في محطات الرحلة الطويلة ، ما يستحق الوقوف عنده ، أو النظر فيه
، ويكون محل عتاب أو مؤاخذة ، ذلك أن العكس هو الصحيح تماماً ، فبحكمتك وأناتك ،
نجحت الأسرة جميعها في أن تكون مضرب مثل في التماسك ، والإحترام المتبادل والود
العميق .
لعلي أذكر الآن تساؤلات بعض
من الرفاق والأهل عن حصاد غربتي ؟ يبدو أن المساكين لا يدرون أنهم يتحدثون ألى
أمير متوج على عرش أسرة دافئة ، وسلطان مفتون بالوهج العائلي ، فأي حصاد ذاك
الذي يعلو على الرضا المنبعث من عيونكم ، وأي ثراء أفضل من الإحساس بأداء الواجب
تجاهكم في حدود الإستطاعة ، وأي غنىً أبقى من أن أشعر براحة
ضمير ، وهدوء نفس إن ذهبت لأخلد إلى النوم ؟ صحيح أنكم حولتموني من مليونير مُفترض
، إلى مستور مقتصد ، ولكن لا بأس ، فعافيتكم رصيد لا ينفذ ، وحساب جارٍ إلى يوم
الدين .
فشكراً لك أن كنتِ زوجة
عظيمة مخلصة ، وأم رؤوم ، شكراً لك .. أن تحملتي الأمزجة المتقلبة ، والفصول التي
أتت في غير أوانها .. شكراً لك أن تحملتي على مدار أعوام عديدة ، نثريات مملة ،
وأشعار مرتجلة وملفقة ، كانت دائمة مصحوبة بقهقهات عالية ، إذا ما قُدر
لقائلها التوفيق في الإتيان بوزن متسق ، أو قافية منتظمة .. شكراً لك أن تحملتي كل
هذه الثرثرات ، والسرديات البائسة عن عهد الطفولة غير البرئ .. شكراً لك على تعليمي قواعد الوقف والإبتداء ، والتفرقة ما بين المفخم والمرقق ، وكل أنواع
المدود .. شكراً لك أن شاركتيني الحلم حتى بات قبضة يد ، بعد أن ظننت أنه قبضة ريح ، شكراً لك أن تحملتي ذاك الصداح في غير أوانه ، الذي لم يمل كل صباح من
تكرار بائس وبصوت تخالطه بضعة من نعاس ، مطلعاً من أغنية الفيروز الدائم :
أنا شهر زاد القصيدة
وصوتي غناء الجراح
أنا كل يوم جــــــديدة
أهاجر عند الصبــــاح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق