عزيزي / .......
تحية وسلاماً ،،
لعلك تفاجئت الآن عندما رأيت رسالتي ضمن بريدك الإلكتروني صباح اليوم ، نعم
إنها انا ، اعلم تماماً كيف هي ردة فعلك الآن ، إعتدلت في مقعدك ، وضبطت نظارتك ،
وأسندت وجنتك فوق راحتك ، وترددت في فتح الرسالة للحظات ، ثم أراك وقد جمعت شتات
نفسك ، وتنهدت كما تعودت دائماً أن تفعل ، ثم إتخذت قرارك الشجاع بخوض تجربة
القراءة لمن إعتقدت دوماً أنها فينوس عصرك وأيام دهرك ، فينوس كما أسميتها أنت ، فينوس كما رأيتها أنت ، لكن
يبدو يا عزيزي أن ربة الحب والجمال لم تعد تشكل لديك ذاك الشغف الروماني الذي كان
.
عزيزي .. إن
إندثار الحضارات ، وإندحار الإمبراطوريات ، لا يعني بحال من الأحوال مصادرة لحظات
الألق والبزوغ ، ولا أيام المجد والنبوغ ، وإذا كان نجم القياصرة قد ولى ، فأرجوك أن
لا تستحضر دور بروتوس من جديد .
ما بالك جفوت
اللحظات ، وضربت صفحاً عن الأيام ، لا أريد هنا أن انعش ذاكرة أعلم تماماً كما هي
قوية ، ولآ أريد ان أرسم لوحات للفت إنتباه فنان عاق إلى تاريخ الخطوط والألوان ،
لا يا عزيزي .. إنما أكتب
لأؤكد لك أن أعمدة النار حول مدرج الكولوسيوم مازالت مشتعلة ، ومازالت
تلاطم - رغم السنين - كل محاولات الخمود ، أو حتى دفعها للإكتفاء بلحظات الدفء
العابرة من أنصاف الموهوبين ، وذلك كله لم يكن إلا إنتظارعودةً مأمولة لنيرون .
أكتب لك في
شهر ديسمبر ، شهرك الأثير ، أو كما تسميه أنت شهر الميلاد والوحشة ، أتذكر ما كنت
تقوله دوماً لي من أن السير تحت المطر بلا مظلة هو غاية شاعرية الإنسان ، فهل يا
تُرى أما زال لك منها نصيب ؟ أم تراك في رحلة الجحود قد تنكبت الطريق ، وتهت في
دروب منطق الملائمة ، ودواعي الموائمة ؟ .
عزيزي .. هل تفاجئت مما كتبت ؟
ما دفعني
إلى ما قلت لم يكن سوى حثك على الوفاء الجميل للماضي ولو قليلاً ، وما غرني في ذلك
سوى علمي بأنك كثيراً ما كنت تهوي الصعلكة في أزقة ما كان ، ودوماً ما كنت تحب
التسكع في ردهات الأبيض والأسود .
ليت شعري ..
لكم وددت أن أفرغ من كتابة قصة أبيت أنت أن تكتبها ، بل وأمسكت عن الخوض في تفاصيلها ، وكففت قلمك عن
البوح بأي من أسرارها ، وإكتفيت كعادتك بإختبار قدرة حواسك على التذكر ، وكأنك
تقول لي : ها أنا اتذكر !! هذا إذن هو كل ما تستطيع فعله لي ، فقط أن تتذكر ! .
سأذكرك أنا بقصة قديمة ، يوم أن إنفرطت المسبحة من يديك ، وتدحرجت حباتها في أرجاء الأمكنة والشقوق ، وبعد
جهد جهيد لم تقدرعلى جمعها كلها ، فظل بعضها عصي على الظهور أمام عينيك ، وبمنأى
عن أطراف أناملك ، وفشلت بالتالي عملية نظم المسبحة من جديد ، وإعادة سيرتها الأولى .
أتذكر أنك شعرت ببعض الضيق المكتوم ، ولكنك لم تيأس من إعادة المحاولة مرة بعد مرة ، صحيح
لم تكن النتيجة مختلفة إلا من حبات عرق نازفة من جبينك ، إلا أنك نظرت إلى حبات المسبحة التي أفلحت في جمعها ، ثم أنك تأملتها ملياً ، وأدرتها
في راحة يدك ، وتوجهت إليها بلسان السائل المتشكك :-
- أتصلحين بنقصانك الماثل في
تشكيل بداية جديدة ومختلفة ؟
عند هذه اللحظة بادرتك باسمة :-
- يا هذا .. لما تسقط الأشياء دائماً من بين يديك ؟ .
جاءني الجواب سريعاً :-
- مللاً !!
هذا هو إذن ... الملل ! هل كفتك إشارتي ؟
عزيزي .. لقد قلبت أمرك على كل الوجوه ، فما أفلحت في الوقوف على موضع يقنعني بإرتحالك ، ولا سبب يشي بإعراضك ، ومع ذلك فإنني أعدك بأنني لن أكون حبة ضائعة أخرى من حبات مسبحتك ، ولن يكون حظي من الأمر النسيان ، ولا قصاصة مهملة في كتاب عتيق ، لا .. سأظل وفية لإرتشاف قهوة الصباح ، ومعاودة السهر في الشرفات حتى ينبلج النهار ، وضيف شرفي الدائم لن يكون سوي قميصك الذي أهملت ، وقنينة عطرك التي تركت ، فأنا لم أكن يوماً ملولة ، لا ولن أكون .
في النهاية .. ما أطلبه منك ليس سوى الرجاء بأن لا تهمل رسالتي ، ولأ تهدر مقالتي ، وتحلى بشجاعة الرد والإنصاف ، ولا يكون حظك من دراسة القانون أن تعكف فحسب على خط أسباب براءتك أو تسطير مبررات عقابي ، مع رجائي أن لا أكون قضيتك الأولى الخاسرة .
هناك تعليق واحد:
رائــــــعه سلمت يداك
إرسال تعليق