عزيزي / ....................
طيب الله أوقاتك ، ثم أما بعد
أخط إليك
رسالتي وقد بدأ العد العكسي الذي يُؤذن بإستقبال عام ميلادي جديد ، فكل عام وأنت
بخير ، وها كما ترى فإن الناس جلهم يتمنون على الله الأماني بأن يكون العام
المرتقب أفضل حالاً مما إنقضى ، هكذا جُلب الناس على الدوام ، لا تُرضيَهم غاية بلغوها
، ولا يقنعون بحلم قد لامسوا نهايته السعيدة ، فالسمو يراود الجميع ، والأمل ما انفك
يداعب خيال كل ذي حاجة في شأن من الشئون .
بيد أن واحدة تعرفها
من بين هؤلاء لا تشعر بذاك السرور البادي
في العيون ، بل ولا يخالجها حسن الظن بالآتي من الأيام ، بل لكم ودت أن لو تعطلت
ساعة الزمن عن دورانها المحموم لتظل على قيد حياة ما أحبتها إلا لكونك – إلى عهد
قريب – كنتَ جزء منها ، أما وقد عزمت على الرحيل من جديد في رحلة التيه التي يبدو أن
لا نهاية قريبة لها ، فإلى أي بهجة تتطلع هذه الإنسانة ، بل وإلى أي أمنية عزيزة
ترنو ، وهي ترى أن فروق التوقيت بينها وبينك أصبح لها أخيراً محلاً من الإعراب ؟ ...
عن نفسي هنا أتحدث يا عزيزي .
أرأيت
كيف أن سنوات طوال تستحيل فجأة إلى ذكرى تُختزل في سطور ، وأن غوالي الأيام أمست -
على حين غرة – مجرد زهرة جافة بين صفحات دفاترنا العتيقة ، وأن الضحكات التي ما توقفت
لحظة غدت صدى صوت يتردد في أمكنة خاوية .
إن
أعمالي وأسفاري الكثيرة شرقاً وغرباً لم تصرفني ولو للحظة عن التفكر والتأمل لا في
الهلال الخصيب ، ولا في طريق الحرير ، كنتً أنت الغائب الحاضر في كل المشاهد ،
ضابط الجوازات الذي يتفحص تأشيرتي ، السائق الذي يُقلني إلى فندقي ، وسادة فراشي
بعد إنقضاء يوم شاق من العمل ، كنتَ حتى مؤنسي على طاولة طعامي ذات المقعد الواحد ،
وبت لا أستغرب من إستحواذك التام على كل تفاصيلي حتى الصغيرة منها ، فأنا يا عزيزي
إنما أرتحل بجواز سفرك .
عزيزي ..
لم أجد على النار هدى ، فها أنت تعود من جديد لتُسلمني إلى قدر ظننت أني قد نجوت
منه ، لعلي كنت مخطئة في تقديراتي ، هذا يحدث دائماً لنا ، أليس كذلك ؟ لكن
المرارة تكمن في أننا نكون مضطرين أحياناً إلى دفع الأثمان في أوقات غير
مناسبة ، ولكننا ندفعها على أية حال .
لقد
جاء سطرك الأخير من رسالتك (لا .. يا عزيزتي فينوس)
وقد أسكن الجدل ، وأمات ربما للأبد - أو إلى حين
- رغبة راودتني منذ كنت صغيرة أن أكون على درب الصحبة ، أو حتى على هامش الرفقة ،
لكن السأم الذي نال منك مناله قد إستكثر ذلك على من عاشت لا تروم سوى أن تشاركك
معزوفة النصر ، فإذا بها - وهي صاغرة - توقع شروط تسريحها من أرض الميدان .
عزيزي .. ماذا تقترح عليَّ الآن ؟
أأطـوى صفحات نشـــيد الإنشاد ؟
عفـوا .. بقيت صفحة من الكتاب !
صفحة - ربما - لا تود أن تقراها الآن ، صفحة سأروي أنا فيها كل ما كان ، نعم .. نعم كل ما كان ، وأنت بالخيار ، إن شئت عقبت ، وإن شئت أمسكت ، سأكتب صفحات بها السلوى والتسلية ، بها الإيضاح والتجلية ، سأعمل عزيزي على أن أضعك امام مرآتك ، وأردد على مسامعك كلماتك ، وسأذكركك بمفرداتك ، ولننظر أترد الغلظة لأصحابها ، وتستعيد الرقة ممن سلبها ، أم تظل تنفث دخاناً من شرفة بالطابق السادس معتقداً أن ذلك فحسب هو شاعرية العقد السادس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق