تحية
طيبة ، وعيد ميلاد مجيد
أكتب
إليك في يوم عيد الميلاد ، بعد أن شاركت مساء البارحة في الصلاة بكنيسة القديس
بطرس حيث كانت الأجواء إستثنائية النسمات حقاً ، رغم برودة طقس روما في هذا الوقت
من العام ، لكن الدفء الآتي من ناحية الشرق – حيث تقيم - كان يقوم بدور مساعد ،
ومحرض لطيف للغاية للإستمرار حتى إنتهاء مراسم الصلاة .
خرجت
من الكنيسة وطالعتها من الخارج وطفت قليلاً من حولها وأنا أتذكر كيف أنك وصفت لي
الظروف المصاحبة لبنائها إبان عصر النهضة ، وأن الرسومات الموجودة بها وكذا
التماثيل وكورال الموسيقى المصاحبة للطقوس تكاد تشبه إلى حد كبير تلك الأعراس
المقدسة المدونة في الأساطير .
خرجت
من الكنيسة حيث كانت الأجواء بالخارج مشبعة بالفرح والبهجة ، شئ لا يُصدق ،
فالشوارع مكتظة بالمحتفلين ، وفاترينات المحلات مزدانة بشجرة عيد الميلاد ، وسرور
الأطفال يعبق المكان برائحة البراءة البادية من عيونهم ، لم تكن الحانات أقل بهجة
، وإن كانت مزدحمة قليلاً .. ليتك كنت هنا .
بعدها
ذهبت مباشرة إلى المنزل سيراً على الأقدام هذه المرة ، وبدلت ملابسي ، وأكملت
زينتي ، وطالعت مرآة غرفة نومي ، وتحسست بشرتي ، آه يا عزيزي لقد النال منا الزمن
أخيراً بعد مقاومة لم يُكتب لها الصمود ، وعملت بنصيحتك .. رقصة صوفية مولوية عكس
إتجاه عقارب الساعة ، شعرت بعدها بدوار لم أغالبه ، حتى إنطرحت على فراشي وانا
أكثر صفاءاً وسكينة .
خرجت
وجلست في غرفة الإنتظار مترقبة بابا نويل يطرق الأبواب حاملاً هداياه للعام الجديد
، تلك الهدايا التي إعتاد دوماً أن يهديها لي عبر الجانب الآخر من المتوسط ، وظللت
أرقب هاتفي المحمول إنتظاراً لمكالمة تحمل التهنئة بالعيد .
مضى
وقت لا أدري أقليل هو أم كثير ، وإذا بإشعار يلبي النداء يُنبئ أن رسالة بالطريق
ونص مقتضب يحمل عنوان لها أسميته أنت (إلى
فينوس ... مع التحية) .
طرت
فرحاً .. يا إلهي إنه مازال يناديني بفينوس ، طالعت الرسالة ، وإذ بي أكتشف أن
بابا نويل هذه المرة كان منشغلاً بتجهيز هدايا غير التي إعتدتها ، وبطاقة تهنئة
على غير الهيئة التي كنت أعرفها ، نعم ... بابا نويل يا عزيزي أرسل على صندوق
بريدي الإلكتروني رسالة مفخخة ، وكلمات بطعم البارود .
في
البداية تلقفت رسالتك بنبض متسارع ، وتعرق داعب الجبين ، وحمرة سرت في بدن قد كساه
الجليد ، وبدأت في القراءة على مهل ، وأنا لا أكاد أصدق ما أقرأ ، وبعد الإنتهاء
من مطالعة آخر جملة ، وآخر كلمة ، صرخت بلا صوت : أهذا هو أنت حقاً ؟ أأنت صاحب
هذه الرسالة ؟ ومن فرط عجبي وإرتباكي وجدتني أطالع أعلى الصفحة الحاملة لرسالتك
الإلكترونية ، نعم .. نعم .. إنه بريدك وذاك إسمك ورسمك .. إذن فهو أنت ، أنت أنت
، وليس أحد سواك كما أملت !!
لبرهة
..غبت – ودون وعي - عن أجواء عيد الميلاد ، والفرحة التي منيت بها النفس ،
ثم رأيتني أشرع أبواب الشرفة المطلة على حديقة المنزل إلتماساً لهواء يرطب أثر
الجذوة التي زرعتها – بلا رحمة - داخلي ، ثم جلست على ذات مقعدك في ركن من الشرفة
أعيد قراءة ما كتبت ، تحسست الكلمات من جديد ، إنها هي هي ، لم تتغير صورتها في
قراءتي الثانية لها ، وجدتها لا تحتمل تأويلاً بخلاف ما كنت تنتويه وتقصده ،
فما الذي دهاك ؟ وكيف طاوعتك أناملك - التي ما عرفتها إلا رقيقة – على أن
تخاطبني على هذه الشاكلة الجافة ؟ بل كيف طوعت لك نفسك الهادئة أن تحملها على غير
ما تحب ، فتوردها موارد لا عرفتها يوماً ولا ألفتها ؟
أحقا
هي أنا من كنت تخاطبها في رسالتك ؟
أجبني
أرجوك ، فما زلت غير مصدقة أنك أنت يا من عمدته مراراً بماء الندي ، هو من يصلب
المسيح من جديد ، ومتى ؟ في عيد ميلاده المجيد !! .
فينوس
روما
, إيطاليا
Dec 25,2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق