2014/12/23

إلى فينوس ... مع التحية



عزيزتي / فينـوس

     روما , إيطاليا
تحية طيبة .. وبعد

طالعتُ رسالتكِ ، ووعيتُ مقالتكِ ، ووقفتُ على موضع لومكِ ومعاتبتكِ ، ثم أنني عرضت أمركِ على نفسي لتُدلي لها بدلو ، فإستمهلتني ثلاثاً فأمهلتها ، فلما أبطأت حثثتها ، وقلت لها هلمي إليَّ فإن هناك من ينتظر قولاً على قوله ، وأخشى أن يُحسب السكوت عليَّ قبولاً ، ذلك أن العرف قد جرى أنه ولئن كان لا يُنسب لساكتٍ قول ، فإن السكوتَ في معرض الحاجة إلى بيان يعد قبولاً ، وما ورد برسالتكِ - في ظني - بحاجة إلى ما هو فوق البيان والتبيين ، ولا أظن تستوعبه رسالة موجزة فحسب  .

عزيزتي .. لقد دعوتيني إلى الرد على رسالتكِ ، ولكنني يبدو - قبل ذلك - مضطر هنا إلى الإفصاح عن بادئة لازمة إقتضتها ظروف الحال ، فما نراه هيناً يسيراً في شأن لا يكون كذلك بالضرورة في غير شئون ، فما عهدت نفسي - قبل اليوم - في موقف المدافع عن نفسه ،  الأمر الذي أحدث لديَّ قدراً من الإرتباك نوعاً ما ، فكما أن أسوأ أنواع المرضي هم الأطباء إن أرادوا تشخيصاً لأوجاعهم ، فكذلك هم المحامون إن تصدوا للدفاع عن أنفسهم وإبانة سلامة مواقفهم ، ورفعاً لحرجي وحرجك فقد قررت - بينما أُسطر لكِ ردي - أن أتحلل من روب المحاماة الذي يُثقل كاهلي ، بل وألقيه طائعاً على أعتاب صاحبة العتاب .

إن العتب بين الأخلاء لخليق حقاً بالثناء الحسن ، طالما كان في موضعه وأوانه ، فإن لم يُصب موضعاً ولا أواناً  ، غدا كسهم طائش أصاب ظبياً يسرح هائماً في الفلوات ، لم يجترح ذنباً سوى أنه آثر التواري عن الأنظار لحكمة رأها .
عزيزتي .. كان خير لك - ربما - لو لوذتي بالصمت الجميل ، من أن تتورطي في هكذا تهم وتلميحات ، أما وقد إنطلق سهمُك من رميته ، وبات تجنب رده مستحيلاً أو يكاد ، فقد رأيت بعد ما عاينت موضع الطعن وأثر الإصابة أن أذيقكِ طعم ما قلتِِ وتقولين ، وأرد عليك القول ، ليس قولاً واحداً ، بل إثنين وربما أزيد ، لكنني أحجمت عن ذلك في اللحظة الأخيرة ، نزولاً على رغبة الذكريات قريبة العهد ، واللحظات صافية الود ، فرصيدكِ عندي يسمح بالتجاوز عن تفلت عبارة منك هنا ، وخشونة - غير مبررة - في كلمة هناك .

على كل حال ، فقد أتتني رسالتكِ في عطلة نهاية الأسبوع الماضي ، وكان لديَ - بالتأكيد - ما يكفي من وقت لطرح أسئلتي المرحة التي لا أجوبة حاسمة عليها ، فهذا دأبي على أي حال في هكذا عطلات ، حيث يروق لي العبث الصوفي الجميل لاسيما في أمسيات الشتاء ، وهو أمر - على ما أظن - بات معلوم لديك بالضرورة منذ سنين .

إن رسالتك لي والمعنونة (رسالة من فينوس) أثارت لدي الأسئلة بقدر لم تُثره حتى رغبتي في الرد والتعقيب عليها ، ودعيني أسألك هنا يا عزيزتي ، لما حقاً كانت رسالتك ؟ أتحاولين نفض الغبار العالق بنوافذ الأيام الخالية ؟ ومالِ أراكِ لا تملين من الطرق على أبواب الذكريات لتُشرع من جديد ؟ ولما تتأبين الآن على قواعد الفيزياء فتصرين على معاودة السطوع وقت المغيب ؟ بل لما يا عزيزتي تنسابين عبر أستار الزمن لتتركي لي رسالة غامضة من كلمتين فوق فراش ديسمبر البارد تقولين فيها ( نحن هنا ) ؟ .


فلأي شئ حقاً كانت رسالتك ؟ أجيبيني ، هل تريدين سماع المزيد عن مجد الرومان وتماثيلهم العارية ؟ أم إستثارك الشوق لحكايا التين الذي حلا فتشقق ؟ أم مازال لديكِ ذاك الهوى لسماع رؤية جديدة عن تلك التي ( حسبته لجة فكشفت عن ساقيها ) ، وأختها الصداحة بصوت الجسد ( هيت لك ) ؟ أم تراكِ تحسبينني مازلت أعاود ترديد ترنيمتك الأثيرة ( اليوم خمر ونساء وغداً نقتل أتباع محمد ) ؟ .

بدا لي أن رسالتكِ كان تحمل دعوة لمشاركتكِ في شئ من هذا وربما أكثر ، وما أود التأكيد عليه هنا - إن صدق ظني - أن هذه دعوة مردودة على صاحبتها ، فهي بادية التأخير عن مواعيدها المفترضة كثيراً ، فقد تجاوزتُ يا عزيزتي حفلات سُمار الليالي ، والأنخاب الدائرة على شرف المحبين ، وما عاد ليَّ جلد على الإسترسال الطويل في وصف مجد الرومان .

عزيزتي فينوس .. إن نيرون الذي تنشدين عودته ليملأ الأرض ناراً - بعد أن خبت لعقود - لم يعد قادراً حتى على إشعال عود ثقاب ، وحسبه - إن شئت - فنجان قهوة الصباح يُشارككِ فيه عن بعدٍ يفصل ما بين قارتين ، فإن تكاثر من حولكِ الجليد ، وبردت الدماء في العروق ، فتذكري ما كنت أقوله لك على الدوام من أن الدفء لا يرتبط أبداً بسطوع الشموس قدر إرتباطه بساعات الغروب .  

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة