2014/12/16

صفقوا للشمس !


كريستيان فريدريش هِيبل
شاعر وكاتب مسرحي ألماني

( الجمهور هو ذلك الذي يصفق للألعاب النارية
ولا يصفق لشروق الشمس )


عزيزي .. عزيزتي

مقولتنا اليوم بديعة حقاً لكونها تتعلق بقسمة منطقية وواعية بين نوعين من الناس ، سمى صاحبنا أحدهما بـ (الجمهور) ، بينما أمسك عن وصف النوع الثاني منهم ، لا  لشئ - ربما - إلا لوضوح الدلالة .

بالطبع لا يقصد الشاعر والكاتب الكبير قصر المعنى المراد من مقولته على حالة من ينشغل ببهجة الألعاب النارية ، ويغفل عن البهجة الأسمى المتمثلة في شروق شمس دنيانا ، ذلك أن هذه المقولة – يالتأكيد - تتعدى حدود الكلمات التي تضمنتها ، وتُجاوز بمراحل الواقعة التي ضرب لها الشاعر مثلا ، إنما هي إشارة بليغة ، ولفتة رائعة لكل أحد رضي بالأدني دون الأقصى ، وتشاغل بنشوة اللحظة عن المتعة المستدامة .

لطالما حثنا الخالق سبحانه على النظر والتدبر ، وإجالة الخاطر ، وإنزال الأمور منازلها التي تستحق وتستأهل ، كما ان التجارب الحياتية - على تنوعها - تعطي فرصاً حقيقية لإعادة التفكير وترتيب المهام ، وكلما كان نظرك ووعيك - في نفسك وفيمن حولك - متسقاً مع الغايات الكبرى والأهداف البعيدة ، كلما كنت قريباً جداً من الولوج إلى مواطن السعة والجمال ، وهذا الأمر قطعاً لا يتأتى لأحدنا بمجرد قراءته لمقال أو حتى كتاب ، إنما الأمر في الواقع هو مران مستمر ، ودأب متواصل لا يتوقف ، ومع بلوغك مرحلة متقدمة في هذا المضمار ، فإنك غالباً لن تتوقف حتى تضع يدك على مباهج المرحلة التي تليها ، وهكذا حتى تهدأ روحك وتصفو نفسك ، وتصبح متسقاً كامل الإتساق مع عالمك ، وكل من حولك أيضاً .

إن المتتبع لمواطن الإبداع والجد في هذه الحياة سيجد بسهولة أن الباعث الحقيقي وراء ذلك لم يكن سوى أن أناساً كثيرون لم يكتفوا بالتصفيق للألعاب النارية ، بينما يمموا وجهوهم قِبل السماء ليصفقوا للشمس حال بزوغها . بكل ما يحمله هذا المعنى من دلالات ليس أقلها تمردهم على القوالب والمسلمات الباردة ، ومناهضتهم لفكرة التموضع الممل حول الأشياء ، ومكافحة الرتابة الجالبة للأسقام .
 إن الدعوة إلى التصفيق للشمس ، ليست دعوة بلاغية خطتها يد شاعر أريب ، بقدر ما هي دعوة لإستنهاض النفوس وحثها على الإرتقاء إلى معالي المشاعر ، وعظائم الأمور .

 وأرجوا ألا يُفهم من السياق المتقدم أنه يحط من قيمة أو قدر أي أحد ممن لا يشاركني الفهم على نحو ما سلف ، فالناس دائماً سيظلون متفاوتين في المشاعر والأفهام ، فسيكون هناك دوماً من ينشغل بنظافة حذاءه ، بينما سينكبُ آخرون على العناية بنضارة وجوههم .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة