2007/03/22

يا قاطع الشجرة



من وحي التعديلات الدستورية المصرية الأخيرة


غالباً ما يطلق مصطلح الأباء المؤسسون في أدبيات الفكر السياسي والإجتماعي والإقتصادي وغيرها على مجموعة من الرجال أو الجماعات الذين أخذوا على عواتقهم نهضة أممهم وشعوبهم في مختلف المناحي والصعد في ظل ظرف تاريخي فارق ، فباتوا بهذه المثابة مضرب المثل في التفاني والإخلاص والتجرد لما بذلوه من كفاح من أجل تحقيق هذه الغايات والأهداف النبيلة أياً كان وجه الرأي في هذه الأهداف وتلك الغايات .

وفي المقابل لذلك قد يطلق هذا المصطلح على جماعة معينة آلت على نفسها في مرحلة ما تحقيق ما تراه أهدافاً صحيحة وفق المعتقد أو النظرية التي تؤمن بها ، وعلى كل حال فإن هذا المصطلح وببساطة يُنسب إلى - ما يسمى بشكل دارج - مجموعة الرعيل الأول في شأن من الشئون ، إلا أنه في الأغلب الأعم لا يطلق وبدقة إلا على أولئك المخلصون المتجردون من الزيغ والأهواء الذين وضعوا آمال ومصالح أممهم فوق كل غاية خاصة ، أو مصلحة رخيصة ، أو هدف ضيق باهت ، وبالتالي فلن يكون مستغرباً أن تسمع بأباء كثر للإستقلال والتحرير والدستور والنهضة والإقتصاد .

وكما إستعرض التاريخ لنا قائمة طويلة من الأباء المؤسسون ، فإنه قد ذكر وسيذكر لا محالة قائمة من الأبناء الهدامون الذين إرتدوا عن دين أبائهم وتنكروا لتاريخهم ، وإستخفوا بكل قيمة نبيلة في مجتمعاتهم قد كان أسسها أباؤهم ، ونقضوا كل مكتسب حميد إكتسبته شعوبهم بعد طول مرارة وكفاح ، فقد أرسى الأبناء الهدامون قيم الفساد والظلم في عهودهم فباتوا مضرب المثل في دروب العقوق والردة ومسالك الغي والنفاق ، بعد أن تجردوا أو كادوا من كل مكرمة وضمير فخرجوا طائعين من صفوف الشعب إلى الصفوف المناوئة له ، وفروا من هموم الناس فرار الحمر المستنفرة إذا ما رأت قسورة ، وإنطمروا في الخاص من شئونهم ومصالحهم على حساب الأغلبية المسكينة من بني جلدتهم ، وهؤلاء الأبناء الهدامون لا يستحقون منا سوى أن نلقمهم أحجاراً مهما تعالت أسوار قصورهم وحصونهم جراء قطعهم شجرة الأباء المؤسسون .

2007/03/18

غسيل الأدمغة

إن أهم ما يميز معظم القنوات والمحطات الإخبارية العالمية أنها تقوم على إعتبارات من الحرفية والمهنية والتخصص وقدر كبير من الإستقلالية علاوة على إحترامها لعقل ووجدان المشاهد والمستمع .. هذه المحطات قد ساهمت إلى حد كبير في تنمية مدارك وعقول وتثقيف ملايين المشاهدين والمستمعين عبر العالم بمختلف المواد التي تقوم ببثها وظلت جموع الناس ملتصقين بها إلتصاق الخيط بالمخيط ، وهذا على عكس الحال تماماً في معظم القنوات والمحطات الإخبارية العربية التي ساهمت وما تزال في تسطيح العقل العربي ، ذلك أنها وفي كثير من الأحيان محطات رسمية حزبية وموجهة وممولة وناطقة بلسان الأنظمة وتعكس توجهاتها الآنية والمستقبلية ، ولا تختلف الصحافة المقرؤة عن هذا المشهد كثيراً ، ولم تفلح محاولات تجميل هذا الكيان الذي شاخ وترهل وعلا الشيب مفرقيه .

وبالتالي فإن إعلامنا العربي بصفحاته الملونة ووسائل طباعته الحديثة وإستديوهات محطاته الأخبارية المجددة لم يكن في أحسن الأحوال سوى مستحضرتجميل ذو نوعية رديئة وضع على وجه باهت مليء بالتجاعيد ، وبالتالي فإنه وبالتأكيد ستمر سنوات طوال وربما أحقاب قبل أن يسترد الإعلام العربي عافيته وثقة مواطنيه وهي الثقة التي لن تحقق إلا بإستقلال الإعلام إستقلالاً تاماً وخروجه من جلباب النظم العتيقة ذو الثقوب الكثيرة .. تلك الثقوب التي تتسع وتضيق حسب مقتضيات الحاجة والمصلحة ، ووفق ما يبرزه المعز من سيف أو ذهب ...إن مقالة واحدة جادة بصحيفة أمريكية لكفيلة بأن تهز أركان البيت الأبيض ، وإن تحقيقاً جريئاً تجريه البي بي سي ببريطانيا لجدير بأن يغير من شعبية زعيم حزب العمال الحاكم في الإنتخابات ، وأن تقريراً إقتصادياً مهنياً ومحترفاً في صحيفة يابانية لكافي في ذاته لتغيير أسعار الأسهم بأسوق البورصة الأسيوية ، وهكذا دواليك ... والمستفيد في النهاية هو ذلك المشاهد أوالمستمع أوالقارىء الذي يرتد النفع إليه بوجبات إخبارية دسمة ورصينة على كل المستويات لتبقيه على صلة دائمة وحارة ببؤر النشاط في عالمنا الذي بات صغيراً ، لذلك ظل الجميع على وفائه لتلك المحطات والصحف ، لأنها في النهاية إحترمت ذاتها ومهنيتها فإحترمت عقول المتابعين لها وشاركتهم همومهم ... وإذا كانت معظم تشريعات الدول الآن تحارب وبشدة جرائم غسيل أو تبييض الأموال كون مصدرها هو تجارة الرقيق أوالمخدرات أو بيع السلاح غير المشروع .. فلما لا يجرمون في المقابل غسيل الأدمغة وتبييض العقول من أفكارها ومعتقداتها وآمالها وأمانيها ؟ .

2007/03/17

2- القراءة فنون

يقول موروا أنه من الواجب أن نحسن إختيار غذائنا الأدبي ، فكل ذهن في حاجة إلى غذائه الخاص ، ومن ثم فعلينا أن نتبين أي المؤلفين ُنؤثر على غيرهم ، وخليق بنا أن نقبل على القراءة بالرزانة والعناية والمهابة والإستغراق ، فليس من القراءة في شيء أن نقرأ صفحة ثم ننهض للرد على " التليفون " أو أن نختار كتاب جزافاً ، بينما أذهاننا شاردة في أفق آخر ثم ندعه جانباً لليوم التالي ، إنما القارىء الصادق هو ذلك الذي يفرد الليالي الطوال يخلو فيها إلى ما يقرأ وهو والذي يخصص أمسية لمؤلف يعجب به ، وهو الذي يرتاح إلى رحلة طويلة بالقطار مثلاً ، لأن خلوة القطار تتيح له فرصة قراءة رواية كاملة من روايات بلزاك أو ستندال ، وهو الذي يستشعر في إعادة تلاوة عبارة أو فقرة جميلة عين النشوة التي يستشعرها عاشق الموسيقى حين ينصت إلى لحن حبيب ، ويمضي موروا مردفاً أن عليك أن تؤهل نفسك لتكون جديراً بالكتب الجليلة ، إذ أن إستمتاعك بها يتوقف على ظروفك الراهنة ، فتحليل العواطف ووصفها مثلاً لا يهم سوى أولئك الذين خبروها ، أو الشباب الذين يترقبون إزدهار مشاعرهم في أمل وحنين ، وليس أبلغ تأثيراً في النفس من رؤية شاب لم يكن يطيق في العام الماضي سوى قصص المغامرات ، فإذا به يغرم فجأة بقصة انا كارنينا ، بعد أن أهتدى إلى ما في الحب من مباهج وآلام ، وبينما نرى كبار الرجال العاملين يحبون أشعار كبلينج ، إذا بكبار رجال السياسة يغرمون بمؤلفات تاسيتس وريتز . وهكذا .... فإن فن المطالعة والقراءة هو - إلى حد كبير- فن تهذيب فهم الحياة على الأضواء التي يصادفها الإنسان في الكتب
إنتهى

2007/03/14

1- القراءة فنون


يتسائل الأديب الفرنسي الكبير أندريه موروا هل القراءة عملاً أم متعة ؟ وهنا يستشهد موروا بفاليري لاريو - ( لم أجد له ترجمة ) - الذي يقول أن القراءة رذيلة لا عقاب عليها ، ويناقضه ديكارت فيصفها بأنها حديث مع أشهر عباقرة القرون الماضية ، ويمضي موروا قائلاً أن كلا الرأيين في نظره صحيح ، فالقراءة تغدو رذيلة إذا لجأنا إليها كمخدر أو منفذ للتهرب من الحياة الواقعية والتسلل إلى دنيا الخيال ، وممارسوا هذه الرذيلة يقرأون بإستمرار ، ويرون في كل شيء مادة صالحة للقراءة ، بل أنهم قد يفتحون دائرة المعارف فيقرأون مقالاً عن طرق إستخدام الألوان المائية بنفس النهم الذي يقرأون به مقالاً عن الأسلحة النارية ! وإذا خلوا إلى أنفسهم في غرفة تأملوا ما حولهم حتى إذا رأوا مجموعة من الصحف والمجلات إتجهوا إليها على الفور ، وآثروا أن يستغرقوا في القراءة - مهما كان موضوع ما يقرأون - عن أن يخلوا لحظة إلى أفكارهم ، فهم لا يسعون إلى آراء أو وقائع وإنما وراء مواكب لا نهاية لها من الكلمات تحول بينهم وبين مواجهة الدنيا أو مواجهة أنفسهم ، ومن ثم فهم لا يحتفظون في ذاكرتهم بغير قدر ضئيل من مطالعاتهم ، وهم كذلك لا يقيمون وزناً يذكر لمصادر المعرفة التي يستقون منها ... وهنا تكون القراءة مسألة سلبية ، فهم يلتهمون الصفحات دون تمعن أو تأمل ، ودون أن يفردوا لها فراغاً في عقولهم ، أو يستوعبوها بأي الطرق ...

هذا في حين أن القراءة للإستمتاع عمل إيجابي ، فهواة الروايات مثلاً يقرأونها لإرضاء هوى في نفوسهم ، وآملاً في أن يصادفوا معاني الجمال التي تثير أو تهز عواطفهم ، أو يعوضوا ما حرمتهم الحياة من مغامرات.. الخ ، ومن هؤلاء من يقرأ لمتعة البحث بين ما أنتجه الشعراء والأدباء عن خير تعبير يصور خلجاته وتجاربه أو مشاعره الشخصية ، ومنهم من يقرأ التاريخ - دون أن يقف على عصر معين أو فترة بعينها - لأنه يجد متعة خاصة في أن يتحقق من أن مشاعر الإنسان واحدة رغم توالي القرون ، وهذا الإستمتاع بالقراءة إتجاه سليم ولا شك ...عل
ى أن من القراءة ما يكون " عملاً " وتلك هي التي يمارسها رجل يبحث عن نوع معين من المعلومات يحتاج إليه ليعزز أو يكمل صرحاً في ذهنه يوقن من أهميته ، والقراءة كعمل يجب أن يصحبها قلم أو ريشة في اليد ما لم يكن للقارىء بالطبع ذاكرة جبارة ، فليس أضيع للوقت الثمين من أن يبحث المرء مرتين عن فقرة يريد إستخدامها ... ويستطرد موروا قائلاً لقد إعتدت حين أقرأ كتاباً في التاريخ أو في أي موضوع أن أسجل على غلافه مذكرات عن الفقرات الهامة وأرقام الصفحات ، وبهذا أستطيع أن أرجع إليها إذا دعت الضرورة دون أن أضطر لقراءة الكتاب بأكمله مرة ثانية ، ويمضي موروا بنا إلى مرحلة أخرى ذات أهمية ودلالة بالغتين فيقول أن للقراءة " ككل عمل " قواعد خاصة وخليق بالمرء في شبابه أن ينقب بين الكتب كما يبحث في الدنيا عن الأصدقاء ، فإذا ما عثر على ضالته المنشودة منها وإصطفاها إلى نفسه ، وجب أن ينفرد بها في عزلة ، وإن ملازمتك للكتاب الذي تحبه وتصطفيه لتكفي كي تملأ عليك حياتك .. وعندما يقرأ المرء يجب أن يولي كبار كتاب الماضي أعظم قدر من الإهتمام ، ولا مراء في أنه من الطبيعي والضروري أن يتعرف إلى كتاب العصر الحاضر ، إذ بينهم نجد الأصدقاء الذين يعانون هواجسنا ويحسون بحاجاتنا ، لكننا ينبغي أن لا نغرق في بحار من الكتب التافهة في حين أن لدينا من الروائع عدداً كبيراً قد لا نستطيع أن نحيط به كله ، فلنطمئن إلى ما إختارته القرون الغابرة ... وكما أن الإنسان يخطىء فليس بمستبعد على جيل من الأجيال أن يخطىء ، ولكن الإنسانية كلها لا تخطىء قط ، ومن المؤكد أن هوميروس ، وشكسبير ،وموليير أهل لما أصابوا من شهرة ، ولذا فمن حقهم أن نؤثرهم بقسط من التفضيل على الكتاب الذين لم يتعرضوا بعد لحكم الزمن
يُتبع

2007/03/13

9- فن العمل للرجل والمرأة


المرأة ملكة البيت


يقول أندريه موروا أن المرأة هي خير إمتزاج للعمل اليدوي بالعمل الذهني حيث أنها تسكب روحها ومشاعرها في أداء واجباتها ، والمرأة التي تجيد تدبر بيتها ملكة وخادمة له في آن واحد ، إذ أنها تيسر العمل لزوجها وأطفالها وتقيهم الهموم وتغذيهم وترعاهم .. إنها وزيرة المالية ، فبضلها يتم توازن الميزانية .. وهي وزيرة الفنون الجميلة ، فإليها ترجع فتنة البيت أو المسكن .. وهي وزيرة التربية ، حيث تضطلع بمسئولية تنشئة الأولاد قبل إلتحاقهم بالمدرسة أو الجامعة ، وإليها تنسب براعة البنات أو خيبتهن في مستقبلهن البيتي والزوجي ، والمرأة تفخر عادة بنجاحها في جعل بيتها عالماً صغيراً كاملاً ، كما يفخر السياسي الكبير حين يوفق في تنظيم شئون أمته .. لكن الواقع أن المرأة لا تكاد تعرف طعم الراحة إلا في الأسر التي أوتيت وفرة من المال ، أما فيما عداها فالمرأة لا تكاد تظفر بإجازة من عملها في المتجر أو الشركة ولو ليومين فقط حتى تتلقفها واجبات التنظيف والإصلاح والنهوض بلوازم الأطفال المختلفة ، إضافة إلى مطالب البيت والزوج العاجلة ، علاوة على ما ينبغي للمرأة أن تبذله من جهود لكي لا تبدو بسيطة في مظهرها ، فهي مضطرة إلى أن تعنى دائماً بإنتقاء الثياب الأنيقة ، ولا تهمل في تعهد زينتها ، بل ولا تغفل أيضاً شحذ ذهنها .. ولو أن المرأة أدت جميع المهام المطلوبة منها على خير وجه لما بقيت لها سوى لحظات قلائل من الفراغ ، لكن عزائها عن تعبها أنها تظفر بجزاء جهودها في الحال ، فإنه لمن العجيب حقاً ان ترى كيف تستطيع المرأة الحاذقة - في أيام قلائل وبالنذر اليسير من المال - أن تحيل الممكان الموحش إلى مكان بهيج يحلو العيش فيه .. وهنا يلتقى فن العمل وفن الحب في مجال واحد

إنتهى

8- فن العمل للرجل والمرأة

الآلات قد تقرب بين الطبقات

يقول أندريه موروا أن الناس ظلوا وقتاً طويلاً يرون العمل عاراً ونقمة من السماء تحيق بهم ، فكانت الأعمال اليدوية وقسط كبير من الأعمال الذهنية توكل إلى العبيد ، ولقد حاول أهل الرأي والنظريات فيما بعد أن يقسموا الناس إلى عامة وخاصة ، أو إلى كادحين وميسوري الحال أي أبناء الطبقة المتوسطة ، فالأولون هم الأُجراء والآخرون هم الذين يعيشون على دخل أو أرباح .. ولكن هذه التفرقة كانت مبهمة وغير واضحة الحدود والمعالم ، ولو أخذناها على علاتها لكان مدير المصرف الذي يتقاضى مثلاً مائتي ألف فرنك في العام من العامة ، ولكان صاحب المتجر الصغير أو مالك المساحة الضئيلة من الأرض الذي يحصل بشق الأنفس على عشرة آلاف فرنك في العام من الخاصة أو ميسوري الحال ! ويمضي موروا قائلاً أن تقسيم الناس إلى فريقين أو طبقتين محاولة خطرة وغير طبيعية ، فلا مراء مع ذلك في أن من الناس من جُنبوا العمل الشاق المضني في حين أنه ضرورة يومية لدى سواهم ، ومن هنا ينبثق الحقد العميق بين أفراد الطبقتين ، فهل من الممكن أن نعالج هذا الأمر الذي ولد مع الجنس البشري ؟ يجيب موروا هنا بالقول أن الثورات قد فشلت في ذلك وستظل دوماً فاشلة في هذه الناحية ، على أنه من المحتمل أن ينتهي تقدم الآلات إلى التقريب بين العامل وبين الخاصة ، فقد إنخفض فعلاً خلال المائة عام الأخيرة عدد ساعات العمل حوالي ثلث ما كان عليه .. وأصبح العمل الذي يتطلب قوة هائلة يترك للآلات كي تتمه ، وصحيح أن هذه الآلات قد عفت على ما كان يستخدمه العمال في حرفهم من ذكاء وألمعية ومهارة وإستبدلت بها نظاماً آلياً ينساب متوالياً وبدقة ، إلا أن هذه مجرد مرحلة إنتقالية ولن يلبث هذا النظام أن يتولاه أشخاص آليون ، ولا يكاد دور العامل يعدو دور الإشراف والمراقبة


متعة العمل ودرجة إتقانه

لا ينسى موروا هنا أن يأتي على ذكر العمل اليدوي من حيث أن هذا العمل سواء أكان بسيطاً أو معقداً فإنه محتوم الأداء ، حسن هذا الأداء أو ساء ، فهناك مثلاً من الوسائل لحفر خندق ما ينطوي على مهارة وما ينطوي على غباء ، تماماً كما أن هناك طرقاً تنم عن عناية وأخرى تنم عن إهمال في إعداد أية محاضرة ، فالسكرتيرة التي تنسخ ما يُملى عليها قد تؤدي مهمتها أداءاً عادياً أو تؤديها أداءاً رائعاً ، فإذا هي حاولت أن تؤدي عملها أحسن مما ينبغي عليها أصبحت فنانة ، وجوزيت على إحسانها بالرضى الدائم ، فهي لم تؤد هذا العمل لرئيسها وإنما لإرضاء نفسها وإمتاعها .. وقد تبلغ دقة العمل درجة من الكمال تمكنها من أن تطغى على سواها ، ويستطرد موروا قائلاً أنا حين أتصور الجنة لا أتمثل صورة مكان تعمره أرواح مجنحة لا هم لها سوى الغناء والعزف ، وإنما تلوح في خاطري صورة مكتب أعمل فيه - دون حساب للزمن - في وضع رواية رائعة لا نهاية لطولها بقوة ودقة قل أن أتمكن منهما في الأرض ، وعلى هذا القياس تكون جنة البستاني بستاناً يعمل فيه على هواه وجنة النجار مقعداً يظهر فنه في صناعته دون تدخل رئيس أو عميل

يتبع

2007/03/12

7- فن العمل للرجل والمرأة

يمضي أندريه موروا في مؤانسته لنا فيقول أن العمل مع أصحاب المناصب الكبيرة يجعل الناشئين الذين لم يتعودوا المسئوليات والسلطان ولم يمارسوا إصدار الأوامرأن يكونوا على إتصال وثيق بمداولات وقرارات غاية في الأهمية ، والكتمان في مثل هذه الظروف ضرورة لازمة ، إذ أن الشاب أو الشابة الذي يستخفه الزهو قد يجد في إتصاله بالأمور الهامة ما يغريه على أن يتباهى على أصدقائه بأن يروي لهم ما يؤديه من أعمال في حين أن طبيعة واجبه تستلزم عدم الكلام عنها ... إن مثل هذا النزق قد تتأتى عنه شرور لا عداد لها ، مع أن في التكتم وصيانة الأسرار متعة لا تقل عن متعة الكلام والزهو ، فليس أبعث على الإعتزاز من أن يكون المرء مستودع الثقة وأن يعرف الحقائق ولكنه يخفي ما يعلم ، ولقد كانت مدام ريكامييه ذات براعة رائعة في هذا المجال ، فقد أتى عليها وقت كانت تتلقى فيه أسرار زعماء الأحزاب المتعارضة ، بل كانت تظفر أحياناً بثقة رجلين يتنازعان منصباً واحداً ، أو تنصت إلى أسرار مؤلف وناقديه .. فكانت تصغي وتبدي العطف وتبتسم وتتحدث أحياناً عن الشخص أمام غريمه إذا دعا الأمر ، ولكنها قط لم تش بسر أحد


ومن واجب المساعد أو المرؤوس أن لا يقتصر على توفير البيانات التي يطلب إليه جمعها ، بل عليه أن يجمع البيانات التي قد تلزم فيما بعد ، فيجب عليه أن يسبق أفكار رئيسه ويمهد الطريق لتنفيذها ويبدد الهواجس التي لا داعي لها ويسوي المسائل البسيطة من تلقاء نفسه ، ويبسط الإجراءات اللازمة التي تحوط كل ذوي المراكز الهامة ... والسكرتيرة الكفء المقتدرة هي أكمل مساعد لرئيسها إذ أن دورها لا يقتصر على تلقي ما يُملى عليها وطباعة الرسائل بل أنه يتطلب أيضاً أن ترتب وتنسق ردود الخطابات ، وأن تذكر العناوين وأن تجعل من نفسها دليلاً متحركاً أو أرشيفاً لرئيسها ، وبالإختصار فإنها يجب أن تكون لها كل فضائل رئيس الإدارة والمرأة معاً .. فهي كإمرأة تمتاز ببديهة غريزية لماحة تمكنها من أن تشعر رؤسائها بأنها تحترم إعتدادهم بأنفسهم ، ومن أن تبسط حول مكتبها جواً ترتاح إليه النفوس ... وعليها في الوقت ذاته أن لا تبرز أنوثتها ، إذ أن العمل قد يرتبك إذا ما فطن أحد رؤسائها إلى هذه الأنوثة أكثر مما ينبغي ، ومن ثم لابد لها من الإحتفاظ بالتوازن بين شخصيتها كإمرأة وشخصيتها كموظفة ، وإن كان هذا التوازن شاقاً صعباً في كثير من الأحوال

يتبع

6- فن العمل للرجل والمرأة

العلاقة بين المرؤوس ورئيسه

يقول أندريه موروا أنه إذا كنا تحدثنا عن أولئك الذين يختارون أعمالهم إختياراً ، ويمتعون بحرية أدائها أو تركها ، ومن ثم يقع عليهم عبء تنظيم أنفسهم لأن أحداً غيرهم لن يتولى عنهم هذا التنظيم ، فإنه خليق بنا الآن أن نذكر شيئاً عن أولئك الذين ليسوا بمبتدعين ولا قادة ولا زعماء ، وإنما كل عملهم أن يساعدوا أفراد الفريق الأول ويقدموا إليهم المعونة ، ومن هؤلاء رؤساء أركان الحرب ، ورؤساء الإدارات وموظفي السكرتارية الذين يُعهد إليهم بمجموعة خاصة من الإجراءات والأوامر التي يجب أن تُتبع بدقة حتى لا تعترض الصعاب أولئك الذين يقتضيهم واجبهم فرض تلك الأوامر ، وهذا يتطلب خصالاً خاصة ، فالرجل الذي يعمل مع غيره تحت أوامر ونظم معينة يجب أن يكون مجرداً من الزهو والخيلاء ، فهو إن كان ذا إرادة مفرطة القوة إصطدمت أراؤه بأراء رئيسه ولم يعد هناك إطمئنان لتنفيذ الأوامر نظراً لما سيبذله هذا من جهد لكي يفسرها على ضوء أرائه ، ومن ثم كان الإيمان بالرئيس خير ما يربط بين المرؤوسين .. على أن الإحترام لا ينبغي أن ينقلب إلى عبودية بطبيعة الحال ، فالمرؤوس إذا إستشعر - إن صواباً أو خطأً - أن رئيسه ينزلق إلى خطأ جسيم وجب عليه أن يصارحه بجرأة ، بيد أن هذا التعاون لن يؤتي أثراً في الواقع ما لم يكن خلف الصراحة إعجاب وإخلاص صادقان ، وإذا لم يقتنع المساعد بأن رئيسه أكثر خبرة منه وأصدق منه حكماً لم يحسن خدمته ، ولكن الواجب أن يكون إنتقاد المرؤوس لرئيسه حدثاً عابراً ، لا عادة متكررة ... ومن المأثور عن المارشال بيتان أنه كان إذا رُشح لأركان حربه ضابطاً جديداً صحبه إلى الريف وعرض عليه إحدى مسائل التكتيك العسكري ثم تطوع لحلها بنفسه ، فإذا أقر الضابط حله دون نقاش رفض المارشال أن يقبله ، أما إذا إنتقد الضابط أراء رئيسه العظيم في حزم لا ينتقص من إحترامه له .. فعندئذ كان يهنئه ويعينه في المكان الشاغر ... ولكن ماذا يفعل المرؤوس إذا كان متأكداً من أنه على صواب ومع ذلك أبى رئيسه أن يتقبل نقده ؟ إن عليه حينئذ أن يطيع الأمر بعد أن يقدم إعتراضاته ، فلن ُيقدر لعمل جماعي أن يسير دون نظام ، أما إذا كانت المسألة من الخطورة بحيث تترك أثراً باقياً في مستقبل دولة أو جيش أو مشروع تجاري ، فللمعارض أن يقدم إستقالته على أن يكون هذا آخر سلاح يلجأ إليه ، إذا ما دام المرء يشعر أن بوسعه أن يكون نافعاً كان بقاءه في منصبه واجباً في عنقه ، وقد يكون التهديد بالإستقالة سلاحاً كافياً في بعض الأحيان ، ولكن التهديدات لا ينبغي أن تتوالى بكثرة

إفهم رئيسك وأكمل نقصه

على المرؤوس أياً كانت درجته الوظيفية أن يهيء نفسه ويروضها على أساليب رئيسه في التفكير والعمل فقد تكون الأوامرالتي يتلقاها مبهمة أحياناً ، فيتعين عليه حينئذ أن يترجمها ويجلوها ، وقد تكون إقتراحات عامة تبعث في ظلمات المستقبل ومضات خاطفة أو مؤقتة ، فعليه كذلك أن يستخلص منها توجيهات مفصلة ، وإذا كان الرئيس فظاً أو قاسي الطباع كان على معاونه أن يخفف عمن يتعرضون لإهاناته وفظاظاته ، وأن يُبصر الزائرين - من طرف خفي - بالموضوعات التي ينبغي أن يتحاشوها لتجنب إغضابه ، وينبغي إحترام نزوات الرجل العظيم !! لأن الوقت الذي يلزم لمكافحتها أثمن من أن يبدد ، وخليق بالمرؤوس أن يعمل على فهم رئيسه ومسايرته طالما كان حتماً عليه أن يعاشره ، والموظف الحاذق هو الذي يعرف أي الكلمات يجب أن يتجنبها في وجود رئيسه لأنها تستثير فيه إنفعالات نفسية مؤلمة وتوقظ غضبه ، وهو الذي يعرف كيف يعرض على رئيسه أي موضوع بلباقة بحيث يستثير إهتمامه به ويضمن رضاءه عنه !! وهو ولا شك يدرك أخطاء رئيسه ومواطن ضعفه ولكنه لا يدع هذا الإدراك يقلل من إحترامه له ، بل أنه على العكس يعمل جهد طاقته ليسد النقص الذي في رئيسه

يتبع

2007/03/11

5- فن العمل للرجل والمرأة

العزلة أوفي رفيق


يقول إندريه موروا أن سلطان النظام عند شاعر ألمانيا الكبير جوته قد إمتد من ميدان العمل إلى ميدان العواطف والأحاسيس ، وهو محق في قوله بأننا إذا سلمنا أنفسنا لميولنا العاطفية - دون تحفظ - لأعجزنا ذلك عن القيام بأي عمل.. ولما كانت بواعث هذه الميول والغرائز طبيعية فلا سبيل إلى نصح الناس بـأن يضحوا بحياتهم العاطفية - في جميع نواحيها - من أجل العمل ، ولكن ينبغي أن نذكر دائماً في هذا الصدد قاعدتين أولاهما أن لا ندع الإنفعالات الفارغة أو المغالى فيها تحولنا عن عملنا ، فكم من درجات جامعية ضاعت بسبب نزوات غانية ! وثانيهما أن نضحي بكل شيء في سبيل العمل الذي يبرر ويستحق مثل هذه التضحية ، مثل ما فعل مارسيل بروست حين وقف حياته على إتمام عمله الأدبي الخالد البحث عن الأمل المفقود ، وكما يفعل الزعيم الوطني في وقت الحرب أو الأزمات العصبية حين يقف كل جهده وهمه على تأدية رسالته العظمى .. ومن المشاهد أن جميع كبار العاملين أو جلهم رجال يعرفون كيف يلجأون إلى العزلة من آن إلى آخر ، فهم يملكون بيوتاً في الريف ، او أكواخاً فوق الجبال ، أو بجوار البحر يطرحون فيها عنهم كل المسئوليات ، حتى مسئولياتهم إزاء من يرتبطون بهم بروابط الود والصداقة ، وهناك فقط ترتد الأحداث والمشاعر إلى مكانها الصحيح من الصورة الكبيرة الشاملة ، إذ أن أية مسرحية أو مقال في مجلة ، أو سخافة من لغو القول قد تبدو ذات أهمية في خضم الحياة في مدينة كبيرة فتستأثر من الشخص بنصيب من التفكير الجدي .. أما تحت السماء السامية في البقاع الخالية فإن هذه التوافه المزرية لا تلبث أن تهجع في الظلام وتختفي .. وإذ ذاك ترسى في هدأة الليل وطمأنينة الروح أسس الصروح الخالدة على أرض نُظفت وطُهرت من الأوشاب .

فما أوفى العزلة من رفيق

يتبع

4- فن العمل للرجل والمرأة



لصوص الوقت


يواصل أندريه موروا رحلته الماتعة حول فن العمل فيقول بأنه على المشتغل أن ينأى بنفسه عمن لا عمل لهم سوى تبديد الوقت ، فهم أبداً لا يرحمون ، بل أنهم يسلبون من لا يصدهم آخر لحظة من وقته دون أن يراعوا أنه قد يبرم أجل الأعمال إذا هو ترك وحيداً ، وهم أراذل وقحون لا يتورع الواحد منهم عن سرقة الوقت الذي يمارسونه عن طريق الزيارة أو الهاتف أو الخطابات ، ومن الأخطاء الجسيمة أن نخجل منهم أو نشفق أو نصبر عليهم ، بل يجب أن يعاملوا بكل إزدراء وجفوة ، إذ أن مصاحبتهم ضرب من الإنتحار .


وما أحكم ما قاله جوته في هذا الصدد " أنه من الضرورات اللازمة أن تصد الناس عن أن يزوروك دون إخطار أو إعلان ، إنهم يصرون على أن يشغلونك بشئونهم ، وتملأ زياراتهم رأسك بالأفكار الغريبة عن أفكارك وأنا شخصياً لا أريد مثل هذه الأفكارلأنني أتكبد فوق ما أستطيع كي أصل بأفكاري الخاصة إلى خواتمها الصحيحة " ، ومن أقواله الحكيمة كذلك " أن من شاء أن يعمل للدنيا فليحرص على أن لا تسيطر الدنيا عليه " ولسوف تزداد حكمة هذه النصيحة وضوحاً إذا ما إنقلبت الدنيا تكيل لك اللوم يوم أن تفشل في أمر من الأمور .. ومما يؤثر عن جوته في صدد الزيارات غير المرغوب فيها " أنه إذا أفلح صفيق في أن ينفذ إلى داره - رغم أوامره - لقى من برود الشاعر العظيم ما يبدد رجاءه إذ كان جوته يعقد يديه خلف ظهره ويعرض عن الكلام ، فإذا كان الزائر ذا مكانة تنحنح جوته وغمغم بكلمات قليلة غير واضحة لا تلبث أن تضع للحديث حداً ، ثم أنه كان يقسم الخطابات التي يتلقاها إلى نوعين .. تلك التي تتضمن رجاءاً وكانت تمزق ! وتلك التي تتضمن عروضاً وهذه كان يهملها بلا رد ما لم تكن العروض فيها مما يعود عليه بالنفع ... وقد يقال أن أن مثل الأثرة قسوة وأن هناك من نابهي الذكر من يجيبون عما يتلقون من الرسائل كما أن من الثقلاء من يكونون أهلاً للإهتمام أو العطف .. بل الود .. وكم من الناس عابوا على جوته هذه الخصلة المجافية للإنسانية ، ولكن هذه الخصلة هي ما مكنته تحديداً من أن يؤلف فاوست ، وفيلهلم مايستر .. ثم أن من يضع نفسه بين فكي الأسد لابد أن يؤكل ويموت قبل أن يؤدي رسالته ، والشخص الذي يتملكه حماس قوي للعمل لا يرجوا من سواه إلا ما يعينه ، فهو لا يتنصل قط من عمل مفيد يستطيع أداؤه ولكنه يفر من الأحاديث والإجتماعات ومجالس اللغو ، بل أن جوته يذهب إلى نصح كل ذي عمل بأن يتجاهل الأحداث اليومية ما لم يكن يملك لها علاجاً ، فنحن إذا أضعنا ساعة من كل صباح في الإطلاع على أنباء الحروب البعيدة ، وساعة أخرى في الإشفاق مما قد يترتب عليها من عواقب - ونحن لسنا بالوزراء ولا القادة أو الصحفيين - فلن نؤدي بذلك لوطننا خدمة ما ، بل نضيع ما لا سبيل إلى إسترداده .. نضيع حياتنا القصيرة ، وكفاياتنا المهدرة

يتبع

3- فن العمل للرجل والمرأة


بالصبر والدأب ُتنجز الأعمال


يقول أندريه موروا أن كتابة تاريخ بلد من البلاد عملاً فوق طاقة البشر عند التفكير فيها لأول وهلة ، لكنك إن قسمتها إلى فترات وعصور ، وبدأت بالفترة التي تعرفها أكثر من سواها ثم أتبعتها بالتي تليها وهكذا فلسوف يدهشك أن تستبين ذات يوم أنك بلغت نهاية الطريق الشاق ، ولن يلبث القلب أن يكتسب جرأة بعد عدد من التجارب ، فالكاتب الذي ألف كثيراً من الكتب لا يخالجه شك ما في قدرته على أن يتم كتاباً شرع في وضعه على إرتقاء ركامات الكتب وكله ثقة في أنه بالغ يوماً ذروتها ، وهكذا هو حال المزارع الذي يقتطع الأعشاب من حقله ، فهو لا ينظر قط إلى الطرف الأقصى من الحقل ، كما أن ربة البيت التي تسعى لتنظيف بيتها إنما تتناول أرفف الأواني رفاً بعد رف

إن الأحمق يستسهل كل شيء ، فينتهي به الأمر إلى صدمات قاسية توقظه من غفلته ، والمتخاذل الخمول يرى كل أمر مستحيلاً فلا يأتي عمله ، أما صاحب الجد فيعلم أن جلائل الأعمال ميسورة ممكنة ، ومن ثم يعكف عليها في حكمة وتؤدة فلا يلبث أن ينجزها ، ولابد من النظام في العمل .. فما أكثر أولئك الذين يشكون من أن الحياة قصيرة ، ولكن كم منهم يعمل عمل الأحياء لثماني ساعات في كل نهار ؟ ، إن ما يستطيع أن يعمله الرجل الذي يجلس إلى مكتبه أو يذهب إلى مصنعه أو متجره منذ ساعة مبكرة من فجر كل يوم ليجل عن الوصف ، بل أن الكاتب الذي يكتب صفحتين فقط في اليوم الواحد ينجز بعد عمر طويل ما أنجزه بلزاك أو فولتير من مؤلفات من حيث الكمية لا من حيث المستوى طبعاً ، ولكن المسألة لا تقتصر على الجلوس إلى المكتب أو الوصول إلى المصنع ، بل لابد من توافر الهدوء ، فإن إنتاج العمل يزداد - إزدياد المتواليات الهندسية - إذا خلا مما يقطع إسترساله ، وهذا صحيح بالنسبة للكاتب الذي يحتاج إلى وقت لينسى العالم الخارجي ويستغرق في أفكاره وتخيلاته ، وهو صحيح كذلك بالنسبة للميكانيكي الذي يبحث عن سر خلل آلة من الآلات ، أو الصانع الذي ُيشغل بتلبية الطلبات المنهالة على إنتاجه ، أما العمل المفكك فلابد أن تظهر فيه آثار التعطل والتوقف التي تخللت إنجازه

يتبع

2- فن العمل للرجل والمرأة

تتواصل الرحلة مع إندريه موروا

حدد برنامجك

يقول موروا بأنه ولضمان التمسك والإرتباط بالعمل الذي تختاره فإنه يحسن بك من آن إلى آخر أن تكتب جدولاً للأعمال يبين كلا من أهدافك العاجلة أو الآجلة ، حتى إذا رجعت إلى هذا الجدول بعد شهور أو حتى سنين إستطعت أن تدرك مدى قواك وحدودها .. ويجب أن تفصل ذلك الجزء الذي يتطلب عملاً عاجلاً من برنامجك فتركز فيه كل إهتمامك ، وأعمل من أجله كل ما في وسعك وأوقف كل قواك ومواهبك عليه ، أفرغ فيه نفسك وعصارة فؤادك وذهنك في سبيل بلوغ الهدف ، فإذا بلغته ، حق لك أن ترجع لترتاد الطريق الذي قطعته وتملي عينيك من منظره وتتدبر العقبات التي كانت تعترضه ، ولكن لا إرتياد ولا إستطلاع ما لم تكن قد أتممت مهمتك أولاً ..ويستطرد موروا قائلاً .. قد يروق لنا أولئك الذين يبدون إهتماماً بكل شيء، بيد أنه لا يبرم الأعمال ولا ينجز المهام سوى أولئك الذين يقصرون إهتمامهم - في الفترة الواحدة من الزمن - على أمر واحد ، إنهم قد يبلغون في تصميمهم أحياناً حداً يبعث على السأم ، ولكنهم لا يلبثون بتكرار الإقدام أن يوفقوا إلى تحطيم العقبات التي تعرقل تقدمهم ، وعلى المرء أن يؤمن بأن النجاح ممكن ، فأنت إذا أتقنت إختيار هدفك ساعدتك قواك على أن تجتاز الأحداث كي تبلغه وليس من المجدي أن تأخذ على عاتقك السعي إلى أهداف لا سبيل إلى بلوغها ، بل أن هذا المسلك ينطوي على خطر ، إذ أن الفشل قمين بأن يحطم نشاطك وثقتك بنفسك ... خذ مثلاً على ذلك .. إن شاعر ألمانيا الكبيرجوته ينصح الشعراء الناشئين أن يكتبوا الأشعار القصيرة بدلاً من أن يعالجوا القصائد الطويلة ، ويقول (صمويل بتلر) أننا يجب أن نبدأ بخير ما في العنقود من أعناب .. وقد يكون من الأسلم أن نبدأ بأسهل الأجزاء إذا شئنا أن نؤلف كتاباً كبيراً معقداً ، وخليق بنا أن نقسم العمل الطويل الذي يراد منا إنجازه إلى مراحل نركز في كل منها بالتوالي إهتمامنا ، وعندئذ لا ينبغي أن نمد البصر إلى أكثر من حدود المرحلة التي نتولاها في كل مرة مقتدين في ذلك بمتسلق الجبال الذي يحفر في الجليد مواطىء لقدميه ويعزف عن التطلع إلى القمم أو الهبوط ببصره إلى أعماق الوهاد ، لأن المنظر في كلا الحالين قد يروعه .


يتبع

2007/03/10

1- فن العمل للرجل والمرأة


هذا الكتاب ضمن كتبي الصفراء القديمة
أهديكم بتصرف بسيط بعضاً مما جاء به في سلسلة من التدوينات

  لأديب الفرنسية الكبير وفيلسوفها الأشهر
 أندريه موروا

مقدمة المترجم : لكل رجل ، بل لكل إمرأة ، عمل يشغل به وقته سواء كسباً للعيش أو تبديداً للضجر أو خضوعاً لفريضة الحياة ، وكل إنسان يهمه بالطبع أن يتقن عمله وينجح فيه ، لكنه قد يعجز عن ذلك أحياناً ، ربما لأسباب لا صلة لها بنقص فيه أو قصور ، وإنما علتها هي جهله بطريقة أداء عمله أو تنظيم حياته على الوجه السليم الذي يكفل له النجاح في بلوغ غاياته وأهدافه ، سواء في أوقات العمل أو في أوقات الراحة على السواء ، وكما أن العمل فن كذلك فإن الراحة من العمل بدورها فن آخر لا يقل عنه أهمية ، بل لعله يفوقه لأنه الأساس الذي يجعلك قديراً على الشروع في عملك ، حينما يحين وقته بهمة ونشاط وعزم لا يلين .

إختر العمل الذي تصلحُ له
يقول أندريه موروا أننا لو بحثنا عن المعنى الدقيق لكلمة عمل ويعمل في المعاجم ، لألفيناه يتمثل في تجشم العناء لأداء مهمة من المهام ، لكن الواقع أننا لا نجد في هذا التعريف كل بغيتنا ، فليس في وسع المرء أن يجد في العمل متعة ، وهنا يُنحي موروا القواميس جانباً ويبدأ في إستعراض بعض الأمثلة ، لننظر مثلاً إلى صانع الزجاج .. ماذا يعمل ؟ إنه يخلق من الكتلة معدومة الشكل شيئاً نافعاً ، وماذا يفعل عامل المنجم ؟ إنه يستخرج من الأرض مواد أولية كالفحم والحديد فيسلمها إلى من يحيلونها إلى قوة محركة وحرارة وآلات ، وماذا يعمل المزارع ؟ إنه يفلح الأرض ويحرثها وينثر فيها البذور ، وماذا يعمل الروائي ؟ إنه يصب مشاهداته للناس في قالب قصصي كما يفعل صانع الزجاج حين يبدع من كتلة لا شكل لها تحفة تسر الناظرين ، وماذا يعمل الطالب ؟ إنه يحاول أن يستخلص لنفسه ما سبقه إليه غيره من معرفة ، فهو يهيء ذهنه وينظمه ، بل هو يصنع نفسه .

فالعمل إذن هو تحويل أو تحوير الأشياء إلى الصورة التي تجعلها أكثر نفعاً وجمالاً ، وهو أيضاً دراسة القوانين المسيطرة على عمليات التحويل هذه ثم تطبيقها ، ويستطرد موروا قائلاً : أنه وبالرغم من أن أعمال الإنسان متباينة لا تقع تحت حصر إلا أن هذه القواعد أو القوانين - التي يجدر بالعاملين عامة أن يعرفوها - قليلة محصورة ، فعلى المرء أن يختار أولاً من المهن ما يتفق مع إستعداده ، إذ أن لقدرة الإنسان وذكائه حداً ، ولن يقدر لذاك الذي يرغب في عمل كل شيء أن يعمل شيئاً ، وكلنا نصادف في أعمالنا ومجتمعاتنا ذلك الصنف من الناس الذي لم يؤت كفاءة معينة ، ولكنه لا ينفك يقول : في وسعي أن أغدو موسيقياً كبيراً .. وما أسهل الأعمال التجارية عليّ .. في إمكاني ولا شك أن انجح في الشئون السياسية ، فمثل هؤلاء لن يعدو الواحد منهم أن يصبح موسيقياً هاوياً ، او رجل أعمال فاشلاً ، أو سياسياً خائباً ، وقد كان نابليون يؤمن بأن فن الحرب يتمثل في أن يحشد المرء أقصى قواه عند نقطة معينة ، وجدير بنا في الحياة أن نختار نقطة نركز عندها قوانا ، ولا ندع إختيار عملنا للحظ ، فيسأل الناشىء نفسه لأي الأعمال تراني أصلح ؟ ما كفاءتي الطبيعية ؟ .. ولن يجدي الإصرار على المستحيل ، فإن كان لك إبن لا يعرف الخوف إلى قلبه سبيلاً فإجعله طياراً بدلاً من أن تجعله رئيساً إحدى الإدارات وهكذا ، ومتى عقد الإنسان إختياره على عمل ما ، وجب عليه أن لا يدع للندم سبيلاً إلى نفسه بأي حال ، ما لم يصادفه حدث خطر يضطره إضطراراً إلى تغيير إتجاهه ، بل أن في المهنة الواحدة التي يختارها المرء مجالات كثيرة للإختيار ، فالكاتب مثلاً لا يستطيع أن يعالج كل نوع من القصص ، والسياسي لا يملك أن يصلح كل وزارة ، والرحالة لا يقوى على أن يجوب كل بقعة وهكذا ، وفي هذه المجال أيضاً ينبغي على المرء أن يصد ويقاوم كل ما يغريه على أن يتولى أعمالاً لا يصلح لها .

2007/03/06

عفواً ... الإجابة .. لا


قامت الدنيا في مصر ولم تقعد بعد قيام تليفزيون الكيان الصهيوني بإذاعة فيلماً تسجيلياً عن تعرض مائتان وخمسون جندياً مصرياً للقتل بعد توقف العمليات الحربية في العام سبعة وستين على يد وحدة عسكرية كان يرأسها بنيامين بن اليعازر وزير دفاع الكيان الصهيوني تأسيساً على أن هذا المسلك الإجرامي منافياً لإتفاقية جنيف بشان معاملة أسرى الحرب ، وتصاعدت الإحتجاجات بدءاً من وزارة الخارجية مروراً بمجلس الشعب وإنتهاءاً بالصحافة .. وهناك بعض من الأسئلة المنطقية التي تفرض نفسها إزاء هذا الموضوع وهي هل سيجرؤ النظام في مصر على إصدار مذكرة توقيف دولية عن طريق الإنتربول بحق بنيامين بن اليعازر بإعتباره مجرم حرب تأسيساً على أن هذه النوعية من الجرائم لا تسقط بالتقادم ؟ هل ستكون هناك إجراءات دبلوماسية تصعيدية بدءاً من سحب السفير المصري مروراً بطرد السفير الإسرائيلي وإنتهاءاً بقطع العلاقات بين البلدين ؟ هل سيتم رفع شكوى إلى الجهات ذات الصلة بهذا الموضوع من منظمات دولية وحقوقية ؟ هل سيتم تجميد الإتفاقيات الإقتصادية بين مصر وإسرائيل على خلفية هذه الأحداث ؟ هل سيتم وقف تصدير النفط والغاز للكيان الغاصب ؟ هل سيتم المطالبة بتعويضات لأسر هؤلاء الجنود الشهداء الأبرار؟ هل سيتم وقف رحلات الطيران فيما بين مصر والكيان الصهيوني ؟ هل سيتم الإمتناع عن إستقبال سائحي الكيان الصهيوني ورجال أعماله ؟ هل سيتم إلغاء إتفاقية كامب ديفيد من طرف واحد ؟ عفواً ...الإجابة ... لا ... للأسباب التالية فنظامنا منشغل جداً ببذل مساعيه الحثيثة للإفراج عن الأسير الإسرائيلي المسكين جلعاد شاليط والضغط على تسلمه من خاطفيه حركة حماس الإرهابية تمهيداً لإعادته لإسرائيل الصديقة وبالتالي فإن أي عمل تصعيدي من قبل النظام قد يؤثر على هذه المساعي الحميدة المباركة ، كما أن بنيامين بن اليعاز محب للغاية للمياه الدافئة لشرم الشيخ والمعتاد على زيارتها بين الفينة والأخرى في ضيافة أخوانه ومحبيه الأمر الذي قد يسبب له حرجاً بالغاً من معاودة الزيارة في وقت قريب ، كما أن النظام الحاكم يخشي إعادة فتح ملفات الأهرامات الثلاثة من قبل المؤرخين والأثريين الإسرائيلين الذين يزعمون أن بناة الأهرام في سالف العهد لم يكونوا سوى أولئك اليهود المضطهدون والذين إستعبدهم فراعنة مصر مع ما قد يستتبعه هذا الإدعاء حال صحته من نقل الأهرامات على أول طائرة إلى تل أبيب بعد التنسيق مع اليونيسكو بطبيعة الحال ، كما أن النظام يخشي كذلك من أن تطالب إسرائيل بتسلمها لشعبان عبد الرحيم لمحاكمته على الأرض الصهيونية بإعتباره معادياً للسامية ..... وأخيراً وهو الأهم أن أي منحي تهديدي أو تصعيدي قد يجعل الكيان الصهيوني يهدد بإعادة النظر في طلبه المتعلق بإنضمامه لجامعة الدول العربية

2007/03/03

3- عندما يكون حكامنا فلاسفة


إن أقصى درجات الأماني الممكنة التي تعشعش في وجدان المواطنين هي أن يتمتع حكامهم بالحد الأدنى من المعقولية والمنطقية في تفكيرهم وطرق إدارتهم لنظم حكم بلدانهم ،وأن يتسموا بدرجة معقولة بصفات العدل ، ولكن أن يخطر على بال مواطن ما في دولة ما أن يكون حاكمه حكيماً فيلسوفاً فإن الأمر بذلك يخرج عن جادة الصواب وجدير بأن يوصم صاحبه بما لا يحب إمرؤ شريف أن يوصم به ، فهاهي تهم الجنون أو العته أو السفه أو جميعها معاً جاهزة للإنطلاق ، إذن ما هي حكاية الحاكم الحكيم أو الفيلسوف تلك ؟

يقول أفلاطون إن حكام دولتنا المثالية أو رعاتها والأوصياء على أمورنا ينبغي أن يكونوا مثقفين واسعي المعرفة ، ومن ثم يجب أن نعلمهم ونلقنهم ثقافتنا القومية الذهني منها والبدني من موسيقى ورياضة ، وتقليد كل ما هو طيب ونبيل فحسب ، والجديرون بأن نوليهم حكاماً علينا هم خيرة الرجال ممن صمد حزمهم وإستقامتهم أمام كل إمتحان وغواية وهم الذين نخلع عليهم ألقاب الأوصياء أو الرعاة أو أولي الأمر ، وهؤلاء ينبغي علينا تعليمهم دراسة أرفع فرع من العلوم إطلاقاً وهي الفلسفة تمهيداً لتولي شئون الحكم في الدولة ذلك أن الفيلسوف وحده هو الجدير أن يتولى منصب الحكم في الجمهورية المثالية ، وما لم يصبح الفلاسفة حكاماً أو يدرس الحكام الفلسفة فلن تقف متاعب البشر عند حد أو تبدو لها نهاية ، وينبغي ألا يكون لهولاء الحكام مصالح خاصة وأن يكونوا فوق الرشوة وإستغلال النفوذ ، ويجب ألا يكون لهم سوى مطمع واحد وهو أن يوطدوا العدالة ويرفعوا لؤاءها بين مواطنيهم على الدوام ، ومهمة الحكومة الرئيسية في الحكومة المثالية هي توفير السعادة للمحكومين بمنحهم الصحة والرضا والفراغ ، وفي هذا يقول المفكر إمرسون أعطني صحة ويوم راحة وأنا الكفيل بجعل خيلاء الملوك والأباطرة مثاراً لسخرية العالمين ... تلك كانت نبذة قصيرة عن حلم أفلاطون في دولته المثالية .

لغتنا الجميلة


كثيرة هي الهزائم التي قد ُتمنى بها الأمم ، وكثيرة أيضاً هي إنكساراتها ، ولكنها مع ذلك تظل حية طالما كانت لديها الرغبة في البقاء والتشبث بأسباب الحياة .. كثيرة ايضاً هي أيضاً أسباب إندحارات الشعوب والأوطان .. وأقلها شأناً هي هزائمها العسكرية ، وتراجعاتها الإقتصادية ، ولكن يبقى هناك نوع من الهزائم إن حدث سيصبح غير قابل للترميم ولا الإصلاح حال إنهزمت أمة ما في لغتها .. إذ اللغة تمثل خط الدفاع الأول لحصون الأمة ، ومخزونها الإسترتيجي الذي لا ينضب ، ولعل القوى الإستعمارية في القرون الغابرة قد إنتبهت لأهمية اللغة للأوطان وللأمم التي تستعمرها ، وعملت جاهدة على طمس هويتها عن طريق تذويب لغاتها ولهجاتها ضمن مشروعها الذي تسميه ثقافياً تارة وحضارياً تارة أخرى .. إلى هنا يبدو الأمر عادياً .. فإن أرادت قوىً ما إذلالك وإضعافك وطمر هويتك فهذا شأنها وتلك مصلحتها شأنها في ذلك شأن أية قوة غاصبة مرت على مسرحي التاريخ والجغرافيا .. وإنك إن يممت وجهك شطر الوطن العربي الذي كان كبيراً لهالك تلك القسمة بين أجزائه والتي تنوعت ما بين (فرنسة - وطلينة - وأنجلزة ) وكل في فلك يسبحون ، حتى لقد وصل الأمر إلى حد إستيعابنا لفهم مفردات اللغات الأجنبية من بعض الشعوب العربية أكثر من إستيعابنا لمفردات لغتهم العربية .. هذا إن تحدثوا بها ، بل أن نطقهم بالعربية الخالصة ستراه ممزوجاً بلكنة أجنبية حتى ليحار المرء ويسائل ذاته أي لغة أسمع ؟ ولعلكم قد سمعتم بعض المطربين العرب وهو يشدون بلغتهم العربية ممزوجة باللغة الفرنسية فيما كان يعرف بالفرانكو آراب في تزاوج غير مقدس ولا شريف .

وبعد أن تحقق الإستقلال لدول الحقبة الإستعمارية وظنوا أنهم أصبحوا على طريق الحرية أو كادوا إستسلموا بطريقة عجيبة لنوع آخر من الإستعمار قد عاد وإتخذ من اللغة هدفاً لا يمكن الإلتفات عنه ، فتأسس الكمونولث البريطاني وهو المنظمة التي تضم في عضويتها كافة المستعمرات البريطانية السابقة الناطقة أو التي أُنطقت بالإنجليزية .

في المقابل لم يضع المستعمر الفرنسي وقتاً فأنشأ الفرانكوفونية للناطقين أو المستنطقين بالفرنسية ، صحيح أن كلتا المنظمتين باتت لهما إهتمامات أخرى إقتصادية وإجتماعية لكن ظلت اللغة هي بؤرة الإهتمام وحجر الزاوية في المشروع ... ولكن المحير أن تبادر أمتنا العربية وهي بكامل قواها العقلية المخدرة أن تأخذ خيار الإنتحار الذاتي المتمثل في إهمالها الذي يأتي شبه متعمد في كثير من الأحيان للغتها ومخزون ثقافتها ، ففي مدارسنا لغة .. وفي منازلنا لغة أخرى .. وفي ملاعبنا ومنتدياتنا لغة ثالثة .. وفي دور عبادتنا لغة رابعة ، وفي الشارع وفضاء المدونات فحدث ولا حرج ، حتى لقد بات الحديث والكتابة بالعربية الفصحى أمراً مثيراً للدهشة ولا أقول السخرية ... والأكثر مدعاة للحزن أن كثير منا ولا أبرىء نفسي كثيراً ما يستسهل إستخدام اللغة الأجنبية في كثير من الأحيان حتى مع أقرانه من العرب وفي موضوعات تخص بل ومن صميم لغة الضاد ولا أدري السبب وراء ذلك .. هل وجاهة إجتماعية أم تنصل من العربية بحد ذاتها ؟

في ألمانيا مثلاً يستنكف المواطن الألماني العادي من الرد أسئلة الأجانب الزائرين بغير اللغة الألمانية حتى وإن كان على دراية باللغة الأجنبية التي يتحدث بها الزائر .. ليس في الأمر عصبية للقومية الألمانية كما قد يرى البعض ، إنما هو ذلك الإعتزاز بلغة الوطن الأم .. ذلك الإعتزاز الذي أصبحنا نتبرأ منه الآن وكأنه سبة أو نقيصة في جبين وذاكرة الأمة ...على أية حال فهذه ليست دعوة لنبذ تعلم اللغات الأجنبية بالطبع والتي باتت حاجة ملحة في فضائتنا الآخذة في الإتساع ، ولكنها دعوة للملمة الفوضى بشأن تعاطينا مع هذه اللغة العربية الجميلة ، وإن لم نفعل فستكون هذه آخر معاركنا الشريفة ... ولربما سيكون فارس العربية فاروق شوشة عاطلاً عن العمل وربما سيختار التقاعد الإلزامي ، ولن يكون بوسع أحد سماع اللغة العربية إذ تقول

أنا البحر في أحشائه الدر كامن ... فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي .

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة