2007/03/11

4- فن العمل للرجل والمرأة



لصوص الوقت


يواصل أندريه موروا رحلته الماتعة حول فن العمل فيقول بأنه على المشتغل أن ينأى بنفسه عمن لا عمل لهم سوى تبديد الوقت ، فهم أبداً لا يرحمون ، بل أنهم يسلبون من لا يصدهم آخر لحظة من وقته دون أن يراعوا أنه قد يبرم أجل الأعمال إذا هو ترك وحيداً ، وهم أراذل وقحون لا يتورع الواحد منهم عن سرقة الوقت الذي يمارسونه عن طريق الزيارة أو الهاتف أو الخطابات ، ومن الأخطاء الجسيمة أن نخجل منهم أو نشفق أو نصبر عليهم ، بل يجب أن يعاملوا بكل إزدراء وجفوة ، إذ أن مصاحبتهم ضرب من الإنتحار .


وما أحكم ما قاله جوته في هذا الصدد " أنه من الضرورات اللازمة أن تصد الناس عن أن يزوروك دون إخطار أو إعلان ، إنهم يصرون على أن يشغلونك بشئونهم ، وتملأ زياراتهم رأسك بالأفكار الغريبة عن أفكارك وأنا شخصياً لا أريد مثل هذه الأفكارلأنني أتكبد فوق ما أستطيع كي أصل بأفكاري الخاصة إلى خواتمها الصحيحة " ، ومن أقواله الحكيمة كذلك " أن من شاء أن يعمل للدنيا فليحرص على أن لا تسيطر الدنيا عليه " ولسوف تزداد حكمة هذه النصيحة وضوحاً إذا ما إنقلبت الدنيا تكيل لك اللوم يوم أن تفشل في أمر من الأمور .. ومما يؤثر عن جوته في صدد الزيارات غير المرغوب فيها " أنه إذا أفلح صفيق في أن ينفذ إلى داره - رغم أوامره - لقى من برود الشاعر العظيم ما يبدد رجاءه إذ كان جوته يعقد يديه خلف ظهره ويعرض عن الكلام ، فإذا كان الزائر ذا مكانة تنحنح جوته وغمغم بكلمات قليلة غير واضحة لا تلبث أن تضع للحديث حداً ، ثم أنه كان يقسم الخطابات التي يتلقاها إلى نوعين .. تلك التي تتضمن رجاءاً وكانت تمزق ! وتلك التي تتضمن عروضاً وهذه كان يهملها بلا رد ما لم تكن العروض فيها مما يعود عليه بالنفع ... وقد يقال أن أن مثل الأثرة قسوة وأن هناك من نابهي الذكر من يجيبون عما يتلقون من الرسائل كما أن من الثقلاء من يكونون أهلاً للإهتمام أو العطف .. بل الود .. وكم من الناس عابوا على جوته هذه الخصلة المجافية للإنسانية ، ولكن هذه الخصلة هي ما مكنته تحديداً من أن يؤلف فاوست ، وفيلهلم مايستر .. ثم أن من يضع نفسه بين فكي الأسد لابد أن يؤكل ويموت قبل أن يؤدي رسالته ، والشخص الذي يتملكه حماس قوي للعمل لا يرجوا من سواه إلا ما يعينه ، فهو لا يتنصل قط من عمل مفيد يستطيع أداؤه ولكنه يفر من الأحاديث والإجتماعات ومجالس اللغو ، بل أن جوته يذهب إلى نصح كل ذي عمل بأن يتجاهل الأحداث اليومية ما لم يكن يملك لها علاجاً ، فنحن إذا أضعنا ساعة من كل صباح في الإطلاع على أنباء الحروب البعيدة ، وساعة أخرى في الإشفاق مما قد يترتب عليها من عواقب - ونحن لسنا بالوزراء ولا القادة أو الصحفيين - فلن نؤدي بذلك لوطننا خدمة ما ، بل نضيع ما لا سبيل إلى إسترداده .. نضيع حياتنا القصيرة ، وكفاياتنا المهدرة

يتبع

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة