2009/01/11

موسم الهجرة إلى كراكاس

{ غلبت قطع تذاكر وتعبت ياربي هجرة }

قالها من قبل الشاعر الراحل بيرم التونسي بعد أن تقطعت به السبل وُنفي مرات عديدة ما بين مصر وفرنسا وتونس وغيرها وظل ردحاً من الوقت مبعداً مطارداً يدفع ثمن سخريته اللاذعة ورأيه الحر . وها نحن نعاود ترديدها لأسباب مختلفة فعندما تضيق بنا نفوسنا وتتقطع بنا المسافات فلا بأس من الهجرة والسياحة ولو عبر الزمن . وستقف بنفسك عزيزي القارىء على أنك لم تكن الوحيد المهاجر ، ولا الفريد المرتحل ، فهناك الكثير- لو دققت النظر- ممن يحلق حولك حيث قد قدموا من أجواء متقلبة ، وطقساً ليس أفضل حالاً ، فإختلسوا من أوقاتهم سويعات قاصدين الهجرة حيث لا حدود ولا قيود وعلى جناحين قوامهما الوهم والأمل إنطلقوا متجاوزين الفيافي وعابرين البحار مهاجرين إلى ذواتهم ، وإن شئت فإن ذواتهم هي التي تهاجر إليهم ، فهجرتهم إذن لها ما يبررها وعناء الرحلة محتمل .. إلي أين إذن ؟ إلى فنزويلاً .... نيابة عني وعنك قالها هوجو شافيز رئيسها ، كأنه يحرك فينا الموات الطويل ، فلا هو منا ولا نحن منه ، ولكن أخوته لنا إنسانياً دفعته لقولها ، دفعته لطرد سفير إسرائيل من بلده إحتجاجاً على هولوكست غزة ، لم أسمع أن فنزويلياً واحداً قضى أو أصيب هناك ، لم أر أن إمدادات النفط الفنزويلية تأثرث بهذه الأحداث ، وعلى حد علمي فإن شافيز لا يجيد العربية ، ولكنه قالها ونحن بكل لغتنا وبحور شعرنا عجزنا ، فلم تسعفنا معلقاتنا ولا وقوافينا ، إذن فلا بأس من الهجرة ولو مؤقتاً إلى فينيسيا الصغيرة .. إلى فنزويلاً.. إلى العاصمة كراكاس فما زالت شمس الحرية والثورة تسطع في سماءها رغم غزارة الأمطار.. مرحا مرحا شافيز .. لقد أرقت يا رجل من حيث لا تحتسب ماء وجوهنا وأسقطت ورقة التوت المهترئة التي كنا نظن أنها تغطي سوءاتنا ، فيا سيدي الرئيس أتيتك معتذراً .. فلقد فرضوا الحراسة على مساجدنا وشاركوا في قتل عنترة بن شداد بدم بارد ، ياسيدي لقد أصبح حليب نياقنا خمراً ، وخيامنا لم تعد خيامنا ، لقد صادروا ديوان المتنبي وألغوا من حصصنا قصائد الحماسة ، وتجلطت الدماء جبنـاً في عروقنا أم تراه أضحى ماءا ؟ يا سيدي أتراك تعلم أن عشب التحرر تكاسل عـن النمو في أرضنا ؟ فأي حبوب تبذر أنت وأي نتـاج تحصد وأي فن نبيل تمارس ؟

2009/01/05

غزة .. لحن كربلائي


إن التاريخ في دورانه المسرع لم يكن ليتوقف إلا عند محطات فارقة ، وعلامات مضيئة ، وهو بهذه المثابة يتجاوز المحطات الخاملة أو تلك الباهتة كونها لا تستحق الوقوف متابعة أو مشاهدة أو توثيقاً ، وبوسعك إن شئت أن تقلب دونما ملل صفحاته قديمها وحديثها وستقف بنفسك بالتأكيد على أنه في جزء كبير منه قد أولى إهتمامه لأولئك الصنف من الناس الذين أبوا إلا أن يحيون بكرامة ويموتون بعزة ، فعاشوا وماتوا وما ماتت ذكراهم ولا خبت المعاني النبيلة التي أورثونا إياها ، فهؤلاء لا يقبلون العيش تحت ظلال من المهانة ، وضربوا للخاملين من الناس أروع الأمثال في كيفية التضحية وبذل النفس والمال والولد ، فتراهم لا يتدثرون بعباءة باغٍ ولا عادٍ ، تجري الحرية في عروقهم مجرى الدم ، فهي وقود حياتهم ، ومبعث أرواحهم ، يتعرقون نبلاً ويزفرون حكمة .

من هؤلاء بل في مقدمتهم من تحل ذكرى إستشهاده يوم العاشر من محرم الحرام الإمام أبي عبد الله الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي جابه بصدر عارٍ وعزيمة لا تلين ذلك الإصطفاف الطويل لأقوام رضوا أن يكونوا وقوداً للطغيان ، فبهم إستعرت المظالم وعلى كواهلهم إنتصبت قامات البغي ، فخلدوا أسمائهم كأسوأ ما يكون الذكر ، فإستحقوا مذمة الرائح والغاد ، لا أدري لماذا تذكرت الآن هذه الشخصية الفريدة ، هل لأننا في شهر الله المحرم ؟ لا .. بل أن ذكراه وغيره من كرام النفس تأوي إلى مخيلاتنا كلما مر بأمتنا ملمة من الملمات كتلك التي تدور رحاها في غزة الآن ، فهاهي صور الأيتام والثكالى والأيامى تفت فؤاد من كان قلبه ُقد حتى من حجر .. وهاهي مشاهد الدماء الزكية تتشكل جداول وعيون ممضية العزم سيراً إلى تربة جديدة ونبتة جديدة تينع في سماء الفداء .. بالتأكيد لا توجد مقارنة ما بين مشهدي كربلاء وغزة ، فالبون بينهما واسع ، والعمق جد بعيد ولكنها ربمــا الذكريات...نعم ... ذكـريات تتداعى متشحة بقتـامة المشهد وفجيعـة الخذلان .

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة