الحضارات المرموقة ترى النور بفضل الهمم العالية لأبنائها ، والأمم الكبيرة تولد من رحم الأحداث الكبيرة ، والمجتمعات الناهضة تشب عن الطوق بنفضها غبار التاريخ والبحث عن كوة ترى من خلالها قرص الشمس ، والفرد أو الإنسان هو محور هذه الحياة ، بصلاح طويته وصلابته ينهض المجتمع فتولد الأمم فتتشكل الحضارات .
فلا تتشكل الحضارات هكذا بإنفجار كوني هائل ولا بتغير مناخي حاد ، فهذا وذاك لا يصنعان حضارة ، بل جغرافيا ، وإنما ما يصنع الحضارات حقاً هو الإنسان الذي له المقدرة على إلقاء حجر صغير في نهر فيخلق حالة جديدة من التموج وإن كانت بسيطة فتتغير على أثرها صفحة النهر.
فالحضارات في النهاية ما هي مجموعة من القيم التي إستقر عليها وجدان الناس ذلك لأنهم وجدوا فيها ما يكفي لإعلاء شأنهم روحياً ومادياً والإقرار بحقهم في العيش بكرامة والتعبير بحرية ، فضلاً عن الإعتزاز المعقول والإيجابي بتراثهم وإيمانهم في الوقت ذاته بدواعي التقدم ، مع الأخذ بأسبابه المعينة على ترسيخ هذه القيم أكثر فأكثر ، وبقدر إقتراب مجتمعاً ما من ملامسة هذه القيم فإنه ُيصنف عادة على أنه مجتمع حضاري دون نظر كبير إلى بلوغه المراتب العليا في شأن الأخذ بأسباب المدنية الحديثة .
فلا تتشكل الحضارات هكذا بإنفجار كوني هائل ولا بتغير مناخي حاد ، فهذا وذاك لا يصنعان حضارة ، بل جغرافيا ، وإنما ما يصنع الحضارات حقاً هو الإنسان الذي له المقدرة على إلقاء حجر صغير في نهر فيخلق حالة جديدة من التموج وإن كانت بسيطة فتتغير على أثرها صفحة النهر.
فالحضارات في النهاية ما هي مجموعة من القيم التي إستقر عليها وجدان الناس ذلك لأنهم وجدوا فيها ما يكفي لإعلاء شأنهم روحياً ومادياً والإقرار بحقهم في العيش بكرامة والتعبير بحرية ، فضلاً عن الإعتزاز المعقول والإيجابي بتراثهم وإيمانهم في الوقت ذاته بدواعي التقدم ، مع الأخذ بأسبابه المعينة على ترسيخ هذه القيم أكثر فأكثر ، وبقدر إقتراب مجتمعاً ما من ملامسة هذه القيم فإنه ُيصنف عادة على أنه مجتمع حضاري دون نظر كبير إلى بلوغه المراتب العليا في شأن الأخذ بأسباب المدنية الحديثة .
فكونك لا تقطن أحد الأبراج السكنية العالية ذات المواصفات التقنية المتقدمة أو ما ُيسمى بالمباني الذكية ، أو كنت لا تملك حاسوباً خاصاً ، ولا تستخدم أحدث الهواتف المحمولة ، حتى وإن كانت لا تروق لك فكرة أن يكون لك بريداً إلكترونياً ، بل ولا تجد متعة في إستخدام الإنترنت ، فلا يعني أي من ذلك أنك بت إنسان غير متحضر ، إنما تحضرك يكمن حقاً في ما تملكه من قيم وأعراف وسلوكيات تحكم تصرفاتك ومسالكك بالحكمة الواجبة مع نفسك ومع من حولك ، وكونك قد بلغت في الأخذ بأسباب المدنية الحديثة شأواً بعيداً ، ونهلت من روافدها الشيء الكثير فلا يعني هذا بطريق الحتم واللزوم أنك أصبحت في عداد المتحضرين ، بل العكس تماماً قد يكون هو الصحيح ، فإستغراقك اللا واعي في الأخذ بهذه الأسباب دون وجود حكمة ظاهرة ، أو ضرورة ملحة يعد في الواقع أحد العناوين الناصعة على سطحيتك .
وحسب رأيي فإنه يوجد في الواقع لبس أو خلط بين مصطلحين ، أحدهما ُيطلق وربما ُقصد به الآخر ، وتجد ذلك جلياً عند الإشارة إلى كلمتي الحضارة والتاريخ ، فيقال مثلاً أن شعب ما ذي حضارة عميقة ، والقصد أنه صاحب تاريخ قديم أو متجذر أو موغل في القدم ، فكل ما كان قبل الآن فهو تاريخ ، أما الحضارة فهي لحظتك الأنية وهي حاضرك ، فأنت حاضر بها ومعها ولها ، وكلما تعاملت مع هذه اللحظة بقيمة عالية وهمة نشطة فلا مراء عندي في تحضرك ، فلا تنساب اللحظات من بين يديك عزيزي القارىء فتغدو وإياها تاريخاً مهملاً وفي أحسن الأحوال كتاباً ملقى على رف بمكتبة عتيقة ، فتحضرك الحقيقي داخلك ، وجمالك الحقيقي داخلك ، فدع عنك العلل والأسقام ، وحاول إستكشاف منابع الدفء وروافد الروعة التي تسكنك ربما من حيث لا تدري .