2019/01/24

من أجل روما .. !



بقلم : ياسر حجاج
من أجل روما تُرتكب كل المعاصي وتُنتهك جميع الحرمات، ومن أجلها أيضًا تُنثر في الفضاء كل الفضائل. بدت لي روما كمدينة تتقاسمها الملائكة والأبالسة، مستودعٌ يسع الرؤى الناعمة، كما الأحلام المُزعجة، مدينة النوافير المُذهبة والتماثيل العارية !
كم أنت عظيمة يا كل روما على وجه المسكونة، فالجميع يهتف بإسمك، وينشُدونكِ عظيمة بين كل المدائن، ثم لا يلبثون إلا قليلًا فيُدنسون روحك الساحرة !

كان قيصر رجلًا نبيلًا، هتف بإسم بلاده وهو يُسلم الروح، وقال فليمت إذن قيصر إن كان ذلك من أجل روما، وكان بروتس صديقه رجلًا نبيلًا، إشترك في قتله، وقال أنه فعل ما فعل من أجل روما أيضاً، ففي عشق روما يجتمع المتناقضون، الأبرياء والقتلة، الرحماء والقاسية قلوبهم، المخلصون والسفلة، ولكن سيظل الجميع مع ذلك نبلاء، أليس كذلك !

قيصر وبروتس أيقونة ما قبل الميلاد، سلعةٌ عتيقة وعريقة حقًا، لكنها غدت مُقلدة لأكثر من ألفي عام، وإن يكن بنكهات وألوان مختلفة، يلتقي القاتل والمقتول مرة من أجل روما، ومرات ومرات من أجل الإله، والتاريخ يهزل كالعادة، فيخلع ألقابه الفاخرة على الجميع، وفي دفاتره العتيقة قائمة طويلة بمراتب الشرف والتكريم، فهنالك النبلاء والشهداء القديسين والكرماء، لا يريد التاريخ فيما يبدو أن يصدمَ أحدًا من الرفاق، وإن تحرج إزاء بعض الوقائع أو الشخصيات، وجدته يُرجئ الأمر - خجلًا - ليوم المعاد !

في بلادنا ألف مدينة إسمها روما، لكنك لن تجد فيها قيصرًا واحدًا يهتف بإسمها عند الممات، كم يتشابه الخلق علينا ! لا تلدُ نساؤنا أمثال قيصرأبدًا ، وإنما نسخًا طبق الأصل من نيرون، ذلك العابث بأعواد الثقاب على الدوام، مُشعل الحرائق، ومُوزع اللهيب بقسطاسٍ مستقيمٍ بين العباد، وعلي قبر كل نيرون تجد نقشًا مهيبًا يقول : يرقد هنا من عاش من أجل روما، ومات أيضًا من أجلها !

2019/01/10

المامبو السوداني !


بقلم : ياسر حجاج


في محاولاته الحثيثة للخروج من مأزق المظاهرات الشعبية الهادفة إلى إقتلاعه من سدة حكمه الإستبدادي، خاطب الرئيس السوداني عمر البشير بالأمس جمعًا من أنصاره في الخرطوم، قائلًا لهم أن من يريد حكم السودان، فليس لديه سوى صندوق الإقتراع، يقول ذلك لهم، وهو الذي قفز على السلطة إثر إنقلاب عسكري منذ قرابة الثلاثين عامًا، إنقلب فيها على سلطة مدنية كانت تجمع أغلب الأحزاب السياسية في السودان

ينسى البشير (75 عامًا) أن في ظل حكمه غير الميمون، إنقسمت السودان إلى شطرين، وتكاد لا تتوقف في ربوعه النزاعات القبلية والعرقية، ناهيك عن مآسي الفاقة والإحتياج التي تضربُ الكثير من أطرافه، أما عن الأوضاع المعيشية لمواطنيه، فظاهر أحوال الناس أبلغ من باطنه

الرئيس البشير المطلوب رقم (1) لدى المحكمة الجنائية الدولية في جرائم إنسانية مريعة في أقليم دارفور، غالبًا ما يتقدم صفوف الصلوات، ويلهج لسانه بالذكر الحكيم، حاله ليس أفضل من حال أقرانه في المحِلة العربية، فهو وإياهم ومنذ زمن بعيد يُغيبون المعارضين عن المشهد، ثم يذرفون عليهم الدموع، ثم لا ينسون في المختتم إرسال برقية عزاء. البشير وأقرانه ينهلون من بئرٍ واحدة، ماؤه آسن ورائحته نتنة، ومع ذلك يسوقونه كالناس كما لو أنه لذة للشاربين!

في الواقع أن حُكامنا عمومًا - وليس البشير وحده - يتمتعون بدرجة عالية من الُظرف المُبالغ فيه، الذي يصل بهم وبنا أحيانًا إلى حد المسخرة الحقيقية، فتراهم - في مبتدأ عهودهم - وقد حدثوك عن الزهد في السلطة، فإن إقتنصوها، نشبوا فيها مخالبهم وأسنانهم، فلا يتركونها إلا وهي جثة هامدة أو في حالة تعفن شديد، وإذا حدثوك عن العفة ونظافة اليد، علمنا من الوهلة الأولى أن فنهم الأسمى ليس سوى اللصوصية وإنتهاب المال العام

اليابسة العربية في ظل أغلب حُكامها، مجرد نتوءات حادة ومشوهة على وجه الخارطة العالمية المعاصرة، فهي ليست سوى تضاريس جافة غير موعودة بإنباتٍ نافعٍ في عهدٍ قريب، ومع وفرة وغزارة في الإنتاج من الشوك والحسك، أضحى حالنا أشبه بحال قوم عاد في غابر السنين، أرسل عليهم الله عارضًا فحسبوه مطرًا، فإذا به ريحٌ عقيم !

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة