2009/10/25

شباب القلوب

شباب على طول


لئن تغمد سكيناً في خاصرة إمرأة لهو أهون عليها من أن تسألها عن عمرها ... هذه فكرة نمطية ربما تعبر عن تحسس النساء كثيراً إزاء خوض أحدهم أو إحداهن في أمر أعمارهن التي يجب حسب رأيهن أن تظل منطمرة ومكنونة لإتصالها الوثيق بدواعي أمنها الأنثوي الذي يجب أن يظل إستراتيجياً وغامضاً أحياناً ، وهذا إتجاه أرى أنه لا غبار عليه على أية حال لا لشيء إلا من باب وجوب إحترام رغباتهن وخصوصياتهن ، وإلى هنا فالأمر يبدو عادياً ولكن أن يتحول الأمر إلى هوس المبالغة في الإخفاء والتستر والمداراة ، فعندئذ يبدو الأمر وكأنه سير في إتجاه عكسي لعقارب الساعة ، ولا أظن أن عاقلة شرعت أو فكرت بجدية في مقارعة الزمن إلا من باب المماحكات الخفيفة التي غالباً ما يتسامح فيها الرجال الذين يتندرون على الأمر بالقول بأن المرأة غالباً ما ُتنقص من عمرها عشرين عاماً وتضيف نصفها إلى عمر أعز صديقاتها .

في لقاء عمل سريع مع إحدى الفتيات تشعب بنا الحديث إلى دراستها الجامعية والقسم الذي تخصصت فيه ، وسألتها - بطيبة حسبتها ملفتة -عن تاريخ تخرجها فأبت أن تجيبني بعدما إمتقع وجهها قليلاً ، ولما رأت علامات التعجب والدهشة تعلو محياي أردفت قائلة أن معرفتي بتاريخ تخرجها سيقودني بالتأكيد إلى الوصول بشكل تقريبي لتاريخ ميلادها وهو ما لا تريده . والحقيقة أنني وإن كنت تجنبت سؤالها بشكل مباشر عن حقيقة عمرها فإنها قد فطنت لهذه الحيلة الساذجة ، وعندها أيقنت أني أوقعت نفسي في مأزق حرج ما كان لي أن أتورط فيه ، وتذكرت على الفور أن أحد الصحفيين المصريين منذ زمن كاد أن يكون مستقبله الصحفي على المحك أثر نشره مقالة تطرق فيها إلى الإفصاح عن عمر الفنانة فاتن حمامة بعدما ذكر أن تاريخ ميلادها يعود إلى عام 1929 على ما أذكر ، وهو أمر أثار ضجة في حينها لا تثيره عادة سوى التسريبات المتعلقة بالأمن القومي للبلاد .

كل هذا مفهوم أو من الممكن تفهمه على أقل تقدير ، ولكن أن يكون هذا الهوس المتعلق بإخفاء حقيقة العمر مستشرياً إلى نفوس الرجال إستشرائه في نفوس النساء لأمر جدير بأن يكون مدعاة للإستغراب، ذلك أن تقدم أعمار الرجال إنما ُيصنف نمطياً كذلك على أنه مؤشر على مدى إكتمال عناصر النضوج والرجولة لديهم والمقترن كذلك بمدى أهليتهم لتحمل المسئوليات المناطة بهم والملقاة على عواتقهم ، وكلنا معشر الرجال نحب هذا التصنيف عموماً ، ذلك أن إنقضاء عام تلو عام إنما هو رصيد حياتي إضافي وخبرة تراكمية يصب كل منهما في الخانة الإيجابية لمسارات حياتنا ، وعليه فإن الرجال الذي فشى فيهم هذا الإستشراء العجيب لن يكونون بمنأى عن المتطفلين ولن تفلح رابطات عنقهم بألوانها المزركشة الزاهية ولا قمصانهم الملونة ولا صبغات شعرهم الداكنة في إخفاء واقع ما كان يجدر بهم أن يخجلوا منه .

ولعل من نافلة القول الإشارة إلى سذاجة المهووسين من الصنفين ( رجالاً ونساءاً ) الذين يؤلمهم للغاية تغير الرقم في خانة أعمارهم عاماً من بعد عام بوصفه الرقم الذي يقربهم رويداً رويداً من الأمتار الأخيرة لمضمار حياتهم ، ولو فطن هؤلاء وأولئك إلى مغزى القدوم على الله ما هالهم أمر ذاك العمر كبر أو نقص فنحن كما يقول أحد الفلاسفة إنما نقترب من الموت ساعة أن نولد .

2009/10/17

بسلامته مترجم

إذا أردت أن تحصل على تأييد ومساندة الفرنسيين فليس كافياً أن تكون مجيداً للغة الفرنسية ، بل يلزم أيضاً أن تنطق الإنجليزية بلكنة فرنسية ، بهذه الجملة المعبرة والمرحة خاطب د./ بطرس بطرس غالي أحد الدبلوماسيين الأفارقة والذي بدا وكأنه أحد منافسي الدبلوماسي المصري العتيد على منصب الأمين العام للأمم المتحدة ، أورد ذلك د./ غالي نفسه في كتابه القيم "خمس سنوات في بيت من زجاج" وهو يتناول فترة توليه المنصب الدولي الأرفع في العالم وما أحاط بها من أحداث ، وما بين سطور هذه العبارة يتبين أن حصول المرء منا على تأييد أو مساندة أو تعاطف ما لا يتأتى في الحقيقة لمجرد إلمامه بلغة من ينشد تأييده ومساندته وتعاطفه ، وإنما الأمر بتعلق في حقيقته بحالة نفسية عميقة تتمثل في أن تعيش هذه اللغة حقاً بكافة أمزجتها حتى وأنت تتحدث بلغة أخرى ، فهكذا هم - على خلافنا - يحبون لغتهم ويدللونها .

ذكرني الأمر على حال بالأيام الخوالي ، فعلى الرغم أنني من الناطقين باللغة العربية والمعتزين بها أيما إعتزاز ، فإني أحمل وداً عميقاً للإنجليزية ، ووداً مشبوباً بالدفء للفرنسية ، ويعود الأمر في حقيقته إلى سنوات الإطلاع الأولى حيث كانت الكتب والروايات الأدبية العالمية أقرأها مترجمة إلى العربية من باب العجز عن قراءتها بلغتها الأم ، ويبدو أن حبي للإنجليزية أثناء الدراسة ونيلي علامات جيدة بها قد دفعني بإهتمام إلى التفكير في قراءة الكتب بلغتها الأصلية وهو تفكير محمود إذا كان المرء يملك من الإمكانات ما يؤهله للقيام بذلك ، فالفضول الإيجابي والنوايا الطيبة لا يكفيان بذاتهما لجعل أحدناً مترجماً ذواقاً أو قارئاً محنكاً ، وفي لحظة طيش جامح من لحظات ذاك السن إنتويت إمتطاء جواد الحمق على عجل في رحلة بائسة لا لقراءة كتاب بالإنجليزية فحسب وإنما لترجمته كذلك إلى اللغة العربية ، ولما كان هوسي بالتاريخ بلا حدود فقد قمت بشراء كتاب باللغة الإنجليزية كان يتناول عصور الإمبراطوريات الصينية لا سيما عصر أسرة منشو.
وكما لم أحب فإن هذه الترجمة باءت بالفشل المدوي بعد الإنتهاء من ترجمة الصفحة الثانية من كتاب يتجاوز الثلاثمائة من القطع المتوسط ، نحيت الأمر جانباً بشكل مؤقت حتى ينمو لدي الغراس اللازم لهكذا مغامرات ، فما لم يكن للمرء حس لغوي آخاذ للغته الأصلية ومثيله للغة التي يترجم منها فإن جهوده ستراوح مكانها، ولكن مع ذلك ظل الإهتمام بالإنجليزية يداعبني ، ورويداً رويداً وبتدافع عجلات الزمن إلى الإمام نبت الحد الأدنى للغراس اللازم ولكن قمت بتوجيهه هذه المرة إلى أولادي للعمل على الإلمام الكامل والدقيق للإنجليزية وأن ييمموا شطر وجوههم لما يجاوز مناهجم الدراسية الكئيبة التي تصيبهم بالبلاهة ، ويبدو أنني قطعت في شأن ذلك شوطاً لا بأس به ، أما عن اللغة الفرنسية فقد كانت في مرحلة ما لغة أهل الصفوة والثقافة والصالونات الأدبية في عصور ما يسمى بالتنوير فما زالت تحتفظ بدفئها داخلي وأتمنى أن أقطع بشأنها ما قطعته في الإنجليزية ، إذ إقتصر الأمر فرنسياً على المعلومات التي ظلت محفوظة قي تلك الذاكرة المنهكة من أيام الدراسة الثانوية والجامعية .
وياليت القائمين على أمور التعليم في بلادنا يولون قدر من إهتمامهم للغات الأجنبية فقد أضحى مستوى طلابنا والجامعيين من جملتهم في وضع مزرٍ ومخجل ، ويكفيك أن تطالع أحدهم وهو يتحدث بلغة أجنبية كالإنجليزية مثلاً لتقف بنفسك علة مقدار الإهانة التي تلحق بهذه اللغة جراء التهتهات والتلعثمات اللا منتهية ، هذا بالطبع إذا قمنا بإستثناء دول المغرب العربي المجيدون بشدة للغة الفرنسية والتي طبعت ملامح الحياة هناك وإن كان ذلك على حساب لغتم الأم التي يبدو أن ستأخذ طريقها لتكون هي اللغة الثانية للأسف .
إن الإهتمام باللغات الأجنبية أمر ضروري للغاية لنتمكن من العيش بإيجابية في هذا العالم الذي تم تقسيمه آلياً إلى قسيمن كبيرين ، قسم التجارة الدولية والأعمال والحاسوب وتمثله الإنجليزية بإمتياز ، وقسم للدبلوماسية والثقافة وتمثله الفرنسية بإمتياز أيضاً ، إن نظرة عابرة على الإحصائيات المتعلقة بحركة الترجمة العالمية ستظهر لك بلا مواربة أن مجموع ما ترجمته الدول العربية مجتمعة من كتب أجنبية في عقود طويلة لا يقارب مثلاً ما ترجمته اسبانياً في عام واحد وذلك إنما يعود في المقام الأول إلى عدم تشجيع مترجمينا وتقديرهم أدبياً ومادياً بالشكل اللازم واللائق بهم الأمر الذي يؤدي إلى إنصرافهم عن الإهتمام بهكذا أمور ذلك أن الترجمة إنما يجب أن ُتجند لها مؤسسات متخصصة ذات إمكانات مالية كافية والأهم أن يكون لدى القائمين عليها إيماناً بأهمية الترجمة بوصفها مقربة لسبل وأسباب التواصل الإنساني بين جميع الأمم ويبدو أن هذا الإيمان لن يجد طريقه قريباً إلى عقول وقلوب القائمين على شئون الثقافة في بلادنا .
أما عن اللغة العربية التي هي أكثر ثراءاً وقدرة أكبر على التعبيرفحدث ولا حرج فقد ُأدخلت بفعل فاعل إلى القاعات العتيقة لمجامعها ولم تخرج بعد ، وحلت محلها أو كادت تلك المصطلحات والأيقونات العصرية التي تسيل على الألسنة بلا خجل ، وباتت مجامع اللغة العربية في أفضل الأحوال تصب جل إهتمامها على مجرد تعريب الكلمات الأجنبية التي أخذت طريقها إلى الألسنة مع منحها تعريباً مسخاً ومضحكاً كالتي التي تروي عن تعريب كلمة sandwich والتي ُعربت فأصبحت " شاطر ومشطور وبينهما كامخ " .

2009/10/11

مهلاً يا صاحب الفضيلة

أزمة تتلـوها أزمة 1/3


تزايدت ردود الفعل على عدة مستويات في اليومين الماضيين على خلفية قيام فضيلة الإمام الأكبر الشيخ / محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر بزجر طالبة صغيرة لإرتدائها النقاب بمعهدها الدراسي الأزهري ، ويبدو أن ردود الأفعال المناوئة قد مست عصباً ملتهباً لدى صاحب الفضيلة فجمع فضيلته على عجل المجلس الأعلى للأزهر بالأمس وإستصدر قراراً بمنع المنتقبات من الطالبات حتى من الدخول إلى المدينة الجامعية التابعة لجامعة الأزهر والمخصصة لإسكانهن وإيوائهن ، وبذلك فإن فضيلته آثر إتخاذ منحىً تصعيدياً جديداً وحاداً مع أولئك الذين خالفوه الرأي ولم يلفوا لفه وقام بتوسيع فجوة التوتر التي لا يهنأ له عيش فيما يبدو إلا في قعرها .

فمن لهؤلاء الطالبات المغتربات وما ذنبهن وهن في مقتبل عامهن الدراسي الجديد وقد وجدن أنفسهن بلا مأوى وُسدت أبواب المدينة الجامعية في وجوههن ؟ كيف يتسنى لهن مباشرة دراستهن بلا مأوى ولا سكن ؟ ومن أين لهن بتكلفة السكن الخاص ؟ ولما ُيخيرن ذلك الخيار الصعب المرير .. إما نقابك .. وإما المدينة الجامعية ؟ وعلى حد علمي فإن المدينة الجامعية التابعة لجامعة الأزهر ليست من ضمن أملاك صاحب الفضيلة الخاصة ولا أورثها له والديه رحمهما الله ليتصرف يشأنها تصرف المالك لما يملك ، وإنما هو مأذون في إدارتها ورعاية شئونها بما ينعكس إيجاباً على الدارسين والخريجين خدمة وصوناً لدين الله والتي ما ُأنشئت مؤسسة الأزهر من أساسها ولا ُأبتدعت له مشيخة إلا رعاية لهذه الغاية وتحقيقاً لهذا الهدف النبيل ، ومن المعلوم أن الإصرار على هكذا قرار سيزيد من مرارة الخلاف وسيحدث قدراً من اللغط والشحناء وسيكون الأزهر وشيخه الخاسران الأكبران من ورائهما ، وإذا كان قرار منع المنتقبات من دخول المدينة الجامعية كان بداعي المحافظة عليهن وصونهن فمن المعلوم أن تكلفة رحلة واحدة لشيخ الأزهر خارج البلاد إلى حيث المدن والبلدات الإسلامية المترامية الأطراف كرحلته الأخيرة إلى طشقند لكفيلة بتوظيف مشرفات وموظفات مختصات يكون عملهن هو التأكد من شخصية كل منتقبة تلتحق بالمدينة الجامعية كلما غدت أو راحت فيتحقق مراد الأمن المنشود لتلك الطالبات المنتقبات دون أن نضيق عليهن أو نوقعهن في حرج خلع النقاب الذي يمثل لهن فضيلة يتقربن بها إلى الله ، ومن المعلوم شرعاً أن الضرورة إنما ُتقدر بقدرها ، وأن الأمر إذا ضاق إتسع يعني أنه إذا ظهرت مشقة في أمر ُيرخص فيه ويوسع بالتدابير الشرعية والعملية طالما كانت ممكنة .. نقول لك ذلك يا صاحب الفضيلة لتعلم أن عوام المسلمين كخواصهم يفهمون في الدين كذلك هم واللي خلفوهم أيضاً .

وفي سياق متصل ومساء الأمس السبت الموافق 10/10/2009 طل علينا فضيلته بطلعة غير طيبة ولا بهية في برنامج العاشرة مساءاً بقناة دريم الفضائية في حضرة مقدمته السيدة / منى الشاذلي في محاولة منه لتجميل ما لا ُيجمل فإذا به يزيد الطين بلة وبدا عصبياً متوتراً حاداً وهو يجيب عن أسئلة مقدمة البرنامج والتي بالمناسبة لم تكن لا منتقبة ولا مختمرة ولا محجبة ولا يوجد حتى غطاء بسيط على رأسها يعانق شعرها المتهدل بإنسيابية أخاذة على كتفيها بل على العكس تماماً كانت في حلة ناعمة كاملة الأنوثة وهي في حضرة صاحب الفضيلة والذي بدا وكأنه أنه لم يجد في أي من ذلك غضاضة ولا حرجاً بل واصل حديثه معها دون أن يحول ناظريه عنها وهو المأمور بغض البصر شأنه في ذلك شأن عموم المسلمين ، والحقيقة فإن مشكلته ليست مع هؤلاء وأمثالهن وإنما مع ذلك الصنف الفاضل المبالغ في التعفف والتستر ، وأخيراً أقول لك يا صاحب الفضيلة مهلاً .. مهلاً فعند الله ستجتمع الخصوم ، فإلزم غرزك وأعد ليوم لقاء الله عدتك


أزمة تتلـوها أزمة 2/3


أزمة تتلـوها أزمة 3/3

2009/10/07

شيخ الأزهر ... الشيخ الأزمة


في الحقيقة إن الحديث عن أرباب المناصب الدينية الرفيعة والرتب الروحية يتطلب قدراً عالياً من اللياقة لدى طرح أي من القضايا التي ترتبط بأصحاب هذه المناصب والرتب وذلك بالنظر إلى طبيعة هذا المنصب أو تلك الرتبة لإتصالهما معاً بقدسية الدين أو المذهب الذي يمثله كل منهم وهذا أمر بديهي مستقر ، ذلك أن لكل مقام مقال ، كما أن إنزال الناس منازلهم التي يستحقونها لهو أمر جدير بالإعتبار ، بيد أنني وللأسف لا أجد فضيلة الإمام الأكبر الشيخ / محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر ممن تنطبق عليهم هذه القاعدة بل وأراه إستثناءاً صارخاً لها وذلك لدأبه الحثيث على البقاء في دائرة ومحور الأزمات الإعلامية والمجتمعية بتصرفاته وتصريحاته المثيرة للجدل حتى أنه ليخيل لي أن فضيلته ما عاد يألف مباشرة مهام منصبه الرفيع دون إفتعال أزمة هنا وأخرى هناك .

وما واقعة نهره لإحدى التلميذات بأحد المعاهد الأزهرية الإعدادية لإرتدائها النقاب إلا حلقة جديدة وليست أخيرة من فصوله الباردة بل أن فضيلته إعتزم إصدار قرار رسمي بمنع ارتداء النقاب داخل المعاهد الأزهرية ومنع دخول أي طالبة أو مربية المعهد مرتدية إياه ، وإني والله ليبلغ بي العجب مبلغه ، فما الذي يضير فضيلته في إرتداء طفلة أو صبية أو سيدة لنقابها ؟ لماذا يضع نفسه كحجر عثرة في دروب المتقربات إلى الله ؟ فإرتداء النقاب على إختلاف الأراء الفقهية فيه ما بين أنه واجب أو مستحب وأنه عادة أكثر منها عبادة فإنما شأنه يعود في المقام الأول لمن ترتديه وكان حرياً به وهو الشيخ المتولي لسدة أرفع المناصب لمؤسسة دينية في العالم الإسلامي أن ينأى بنفسه عن هكذا منزلق وأن ينحاز إلى اللائي يردن العفاف وصون الأعراض وأن يكرس وقته للعمل على ترسيخ مبادىء الدين الحنيف في نفوس أتباعه ، ولكنه الهوس الذي يستشري في أوصال الشيخ ليظل في خصومة فكرية أو قطيعة مع من يخالفونه الرأي ولا يذهبون مذهبه حتى من بين العلماء والنظراء والأنداد له.

وبدا لي أن الشيخ ربما يحفل كثيراً وهو يرى كثير من المداد ينسال تعليقاً على أرائه ، وأرى أن مشيخة الأزهر أكبر كثيراً من أن يملأها هذا الشيخ الذي بات وبإمتياز مستحقاً للقب الشيخ الأزمة التي أدعوا الله أن تجد طريقها إلى الحل قريباً ، أما عن قوله للطالبة المسكينة أنه يفهم في الدين أكثر منها ومن اللي خلفوها ، فبدا لي الأمر وكأنه في حاجة إلى دليل عليه ذلك أن الدين الذي يتحدث عنه فضيلته إنما يحث أتباعه على التحلي بمكارم الأخلاق والمجادلة ليس بالحسن فقط وإنما بالتي هي أحسن ، إن أقل ما يجب فعله من ذاك الشيخ أن يقدم إعتذاراً علنياً للطالبة المنكوبة بلقاءه وفي ذات الفصل الدراسي الذي نهرها فيه مع إعتذار آخر علني للي خلفوها ، وعندها .. وعندها فقط قد نقول له هكذا تورد الأبل يا فضيلة الشيخ .

صوت يعظ

لعل المصريون يبتهجون كثيراً بعبارة لا أعرف مصدرها ومفادها أن القرآن الكريم إذا كان نزل بمكة المكرمة ، وُطبع في تركيا ، فإنه لم ُيقرأ إلا في مصر ، أي أن قراءة القرآن الكريم ترتيلاً وتجويداً لا تجد لها مثيلاً من الإبداع والإتقان ومهارة الأداء سوى لدى القراء المصريين على إختلاف مدارسهم في القراءة ، وهذه العبارة وإن كانت تقرر أمراً واقعاً تفردت به مصر منذ حقب طويلة فإنها لا ينبغي على حال أن تتجاهل مراتب القراء الرفيعة في دول العالم الإسلامي الأخرى ، فالكل مأجور إن شاء الله ، وإن كانت المدرسة المصرية في القراءة – لاسيما القديمة منها - تظل لها الريادة والسبق في هذا المضمار الطيب .
فهاهم القراء المصريين يجوبون العالم إحياءاً للمناسبات الدينية وتتلقفهم جموع المستمعين بشوق كبير وترحاب بالغ فليس أجل من إمرىء يحمل بين جنباته القرآن يتلوه حق تلاوته مصطحباً المنصتين له في رحلة شائقة ومحلقاً بهم في أجواء تصويرية ومشاهد تكاد تلامس الواقع بذاك الصوت العذب المتدرج ما بين طبقاته الشجية والفرحة بإختلاف المعنى الذي تعالجه الآيات الكريمات .
ولابد أنك عزيزي القارىء قد قلبت مؤشر مذياعك دونما كلل أو ملل وأنت تبحث بحثاً حثيثاً عن ذاك الصنف من القراء الذين تستعذب صوتهم ولا تمل صحبتهم ولابد كذلك أنك قد تفاعلت يوماً ما مع شيخك المحبب لنفسك وهو يردد كلام العلي القدير لاسيما إن كان لديك تلك الأذن التي تضبط مواضع الكلمات وقفاً وإبتداءاً وتتقن مخارج الألفاظ وما يتركه وقعها من أثر حبيب على النفس .
والحقيقة أني قد وجدت ضالتي بين كثير من هؤلاء القراء الأفاضل ومن بينهم صاحب البضاعة النفيسة والعرض المبهر الشيخ / مصطفى إسماعيل "رحمه الله" الذي يمثل أحد الأعمدة العتيقة في صرح المدرسة القرآنية بمصر والعالمين العربي والإسلامي فالشيخ ذو الأسلوب الماهر حاذق التلاوة بهي الأداء قد دأب على الأخذ بمجامع عقول وقلوب المستمعين مستعرضاً بهم الآيات القرآنية مبيناً مفسراً لمعانيها وبمجرد التلاوة فقط مستخدماً في ذلك المقامات المختلفة التي تناسب الجو النفسي والبعد الروحاني للآيات فكبرت هامته في نفوس المحبين وصار له تلاميذ كثر يسيرون على ذات دربه ، ولا يكاد يمر يوم إلا وأشنف أذاني بمقاطع من تسجيلات الشيخ "رحمه الله " وتلامذته النجباء الأوفياء لطريقته فتمتلىء النفس بهجة حيناً وعظة أحياناً ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد إستعذب جمال صوت قارىء القرآن وتغنيه به فقد صح عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه لما سمع أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن ويتغنى به قال له ( لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود ) ، فرحمة الله على الشيخ الكبير ولا حرمنا صحبة صوته الأثير

فاتحة الكتاب بصوت الشيخ
رحمه الله

مقطع من سورة التحريم

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة