2018/08/20

الفتنة !

بقلم : ياسر حجاج
ويحها  !
لم تنم قط إبنة اللعينة
إنها الفتنة الكبرى التي بدأت منذ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وحتى مقتل الحسين بن علي سبط الرسول الأكرم، بل أن هناك من يعتبر أن شرارة الفتنة قد إندلعت منذ مقتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، لكن القدر المُتيقن منه، أن هذه الفتنة، أذاقت - من حر نارها - جمهرة كبيرةً من المسلمين، على مساحة جغرافية هائلة لعدة عقود، إنطلاقًا من مدينة رسول الله، مرورًا بالشام والعراق ونحوهما .

لم تكن المقتلة العظيمة للإمام الحسين وصحبه وجمع من بيت النبوة - على ثرى كربلاء - خاتمة الفتنة ، فلم يعد السيف أبدًا إلى غُمده، بل ظل مُشرعًا يتلألأ بريقه الدامي على رقاب العباد، في غالب أقطار العرب والمسلمين، وهم يضربون أخماسهم في أسداسهم عن المصير الذي ينتظرهم، بعد أن تحولت الخلافة الراشدة إلى مُلكًا عضوضًا، يستأهل أن نبذل من أجل توسد مسنده، الأنفس البريئة والأرواح المطمئنة، فما أهون الدم على طُلاب السلطة الذين يراودهم حُلم أن يكونوا - بزعمهم - خلفاء لله على أرضه ، وظله الممدود على عباده !

هذا سِفر قيم جدًا إذ يغطي الأحداث الجسام التي عاينتها الأمة، وقت أن كان الدين لله غضًا طريًا، وهو مؤلف من جزئين، الأول (عثمان) والثاني (علي وبنوه) ، وربما لو إمتد العمر بطه حسين، لكان أخرج لنا أجزاءً عديدة متتابعة، عن الفتنة التي حركتها رياح الطمع فألقت بشررها على كل قطر من أقطارنا تقريبًا، بعد أن تقاطعت فيها السياسة بالدين، والدنيا بالآخرة، والشدة باللين.

هذا الكتاب يلزم أن تقرأه - إن لم تكن فعلت- بروح محايدة ونفس وضيئة، ذلك أنك إذا قرأته وفي مخيالك مُسبقًا بعض الأفكار النمطية، تجاه الكاتب ذاته، أو موضوع الكتاب، فإنك على الأرجح لن تنال منه فائدة ولن تستلهم منه عبرة، وإن كنت أرى مع ذلك أن هذه مسألة شاقة على الكثيرين منا، فكل ما اتصل بمعتقد للناس أو مذهب لهم، فهم من وراءه بقضهم وقضيضهم، تدفعهم أحيانًا حمية الغيرة في غير موضعها، فتخرجهم من هدأة النفس، إلى نير التحزب والعصبية، بيد أني أذكر نفسي وإياهم، أن الفضيلة الكبرى ليست سوى الإشارة بإصبع الحق، أيًا ما كان الوجه الذي سيُصيب.

ختامًا .. فإن هذا السفر ليس الغاية من عرضه، أن تحاكم فريقًا على حساب فريق أو تتشيع لفئة على حساب أخرى، بل أن الغرض وكما قال المؤلف ذاته في مُفتتح كتابه نصًا ( إنما أحاول أن ابين لنفسي، وأبين للناس، الظروف التي دفعت أولئك وهؤلاء إلى الفتنة، وما استتبعت من الخصومة العنيفة التي فرقتهم، ومازالت تفرقهم إلى الآن، وستظل تفرقهم في أغلب الظن إلى آخر الدهر  .

مُستطرف ومُستظرف .


بقلم : ياسر حجاج
لا علم لي بعدد المرات التي قرأتُ فيها هذا الكتاب، للعلامة المصري شهاب الدين الأبشيهي ، فهو على الدوام رفيق أسفاري، ونديمي في حلي وترحالي، أسميه (دستور الأدب) لو قايضت كل ما أملك من كتب به، لرأيتني رابحًا غير خاسر، وغانمًا غير غارم .

ولأن أعمارُنا جدُ قصيرة، ودبيبنا على الأرض سيظل محدودًا، وسعينا فيها سيبقى محصورًأ، فلربما ود أحدُنا أن تتاح له فرصة أكبر، لمزيد من المعايشات والمعاينات والصولات والجولات، لكن هيهات هيهات، فقد إنقضت حقبة الأعمار المديدة، وإنفلتت دون رجعة، أزمنة الأبدان الشديدة، من هنا تأتي أهمية القراءة وتحصيل العلم، والوقوف على الأخبار، فذلك كله لا شك من شأنه أن يعطينا أعمارًا فوق أعمارنا، بالنظر إلى ما يجرى تشييده من صروح ، ومراكمته وتحصيله من فنون.

لقد حثنا الله في غير موضع على التدبر والنظر، وإجالة الخاطر والبصر، فنُضيف إلى معين خبراتنا عيونًا دافقة ، وأظن أن هذا الكتاب نقطة جيدة جدًا للإنطلاق. ولكي أكون دقيقًا أكثر، فإنه ليس بكتاب بالمعنى التقليدي، بل موسوعة باذخة تقع في مجلدين، تربو على الثمانين بابًا، فيها خبر من غبر، ونفائس الشعر والأدب، بها أخبار الحمقى والصعاليك والحكماء الذين يزخر بهم كل جيل

ستعرف عن قرب، كيف تفرقُ بين الفصاحة والبلاغة، ستحاط علمًا بالتأكيد بنوادر النحاة والقضاة والمُتقعرين، ستصادف في طريقك أبو نواس فيسكب لك من خمريات شعره الشيء الكثير، ستعاين قصور الخلفاء والأمراء، ولربما أجَلتَ النظر من وراء ستار، إلى مخادع الجواري والحريم.

سيحملك هذا الكتاب فوق بساطه الساحر، فترى الدنيا كما لم ترها من قبل، فيافيها وحواضرها، عيونها وبساتينها، الأحلام التي فُسرت، والآمال التي كُسرَت ، أما إن كنت من أرباب المؤانسات، فإنك سعيد الحظ بكل يقين، إذ ستجد من يُرَوِحُ عنك ويُوادعُك ويُعلمُك كيف يكون السهر والسمر

في الختام أقول ، أن حيازة هذا السِفر، ستمنحك وأنت في قعر بيتك، عمر نوح، وسياحة سليمان، فماذا تريدُ أكثر !

القبيلة الدولة !

بقلم : ياسر حجاج

صدر هذا الكتاب قبل ربع قرن تقريبًا في حوالي 400 صفحة من القطع المتوسط ، وهو كتاب في التاريخ يتناول فترة مثيرة لطالما تمنيت أن أقرأ عنها روايات غير رسمية، بخلاف تلك التي يتصدى لها غالبًا، جمع من المشايخ والباحثين ، ممن يبسطون البحث بطريقة كلاسيكية خبرية، أقرب ما تكون إلى عازفي الرباب منهم إلى الباحثين المدققين ، فالكتاب كما رأيته ليس كتابًا في السير أو المغازي أو التراجم ، بل هو كتاب منهجي، إرتبطت فيه النتائج بالمقدمات ، والمسببات بالأسباب .

يكفي أن تقرأ ما خطه المؤلف بذاته في صدر كتابه، لتعرف ما هو الطريق الذي أنت مُقدم على السير فيه ، إذ يُهديه مؤلفه إلى الذين يؤرقهم الشوق إلى قراءة التاريخ العربي والإسلامي وهو مكتوب كتابة موضوعية، بعيدة عن الحواجب التي تحجب العقل، مثل العواطف الفجة والأساطير، كما يُهديه إلى الأكاديميين الذين ينادون بضرورة إعادة كتابة التاريخ العربي والإسلامي، ولكنهم لا يفعلون، إما حرصًا على مكاسبهم، وإما تحرزًا من المتاعب التي سوف تلاحقهم، لو اقدموا على ذلك .

الكتاب يتناول قريش القبيلة ، ثم قريش الدولة، بكل ما تحملة الكلمة من معنى، من خلال المقدمات الذاتية لهذه القبيلة عبر مؤسسها الأول (قصي بن كلاب) مرورًا بالمقدمات الدينية التي صاحبت وجود أتباع الديانتين (اليهودية والمسيحية) فضلًا عن المقدمات السياسية، بالنظر إلى القوى الإقليمية المحيطة (كفارس وبيزنطة وأنصار المدينة) علاوة بالطبع على المقدمات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية .

سيلمس القارىء هنا كيف أن القريشيين دون سواهم من القبائل الأخرى، كانوا هم أصحاب الريادة والرئاسة، حيث لم يكن من المقبول أن يتقدم عليهم أحد، مهما كان سهمه في جاهلية أو إسلام، بل أن واحدًا من أكابر الصحابة وهو عبد الله بن مسعود، خضع لنوعٍ من التقريع ، بواسطة عمر بن الخطاب عندما سمعه الأخير يتلو قوله تعالى (عتى حين) أي (حتى حين) من سورة الصافات ، فكتب إليه عمر يُنكرعليه ذلك، ومُذكرًا إياه بأن القرآن لم ينزل بلغة هزيل (وهي قبيلة عبد الله بن مسعود) وأرشده إلى أن يُقرىء الناس بلغة قريش !

سيظل هذا الكتاب عالقًا في ذاكرتي طويلًا، فهو لم يصحبني في رحلته رغمًا عني ، بل على العكس تمامًا ، كان يسيرُ بي سيرَ الحاذق الماهر، فلا يجاوز بي نهرًا، ولا يقطعُ بيَ واديًا، إلا عن طيب خاطر مني، وهذا خلقٌ قلما تجده في سفر من الأسفار، وأنصحُ أصدقائي الأعزاءأن يخوضوا غمار مطالعة هذا العمل الكبير، لأنه ليس متاحًا كثيرًا في الأسواق، أن تجد عملًا يجمع بين المصداقية والجرأة والتوثيق !

الدمع وحده لا يكفي !

بقلم : ياسر حجاج
كان ذلك قبل أكثر من ثلاثين سنة تقريبًا ، أتذكرُ تمامًا الآن هذه الزاوية التي كنتُ أجلسُ فيها. كان الليل قد أرخى سدوله ، وأوى الجميعُ إلى مخادعهم ، إلا مني ، فأنا على الدوام كائنٌ ليلي بإمتياز . أنهيتُ الصفحة الأخيرة من الرواية ، وألقيت نظرة مُودعة على غلافها،غ ثم طويتها ووضعتها جانبًا . وعلى حين غرة طفرت عينايَ بالدمع وسُمع لأنفاسي نشيج ، لم أحاول أن أرد الدمع المُنسكب ، فقد إنشغلتُ عنه بقلبي الذي كان في وجيبٍ هادر.

أدركتُ وقتها، أن الناس قد تموت في الحرب بلا سبب ، بلا قضية ، بلا هدف ، عاينتُ عن قرب كيف أن الإنسان قد يتحول في لحظات إلى مجرد عتاد بارد، ضمن مجهود حربي عبثي وظالم، رأيت أن الإنسان كان مجرد رقم قي قائمة المُرسلين إلى جبهة القتال ، ثم رأيته عائدًا أو ما تبقى من إلى الديار، من أجل مراسم دفن بلا عزاء .

إريك ماريا ريمارك
1970-1898
تفرستُ كثيرًا في وجوه الجنود ، والصُفرة التي علت محياهم ، بعد أن فقدوا القدرة على الكلام أو كادوا ، كانت العيون زائغة ، فالأفق ضاق كما لم يضق من قبل ، والأمل كان شعورًا ترفيًا بعيد المنال ، وكان حلم العودة إلى الديار ألمع من سراب . مازالت أسمع هدير المدافع ، والإنفجارات التي تعقب إطلاق الدانات ، والأنفاس المرتعبة التي تلهث بلا توقف . شاهدت الدماء التي إختلطت بالرمال والأجساد المشطورة والمبتورة والشائهة . غير أن أكثر ما آلمني في هذه الرواية ، أن البعض ممن رحلوا، لم تُتح لهم حتى فرصة للصراخ !! 

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة