2018/08/20

الدمع وحده لا يكفي !

بقلم : ياسر حجاج
كان ذلك قبل أكثر من ثلاثين سنة تقريبًا ، أتذكرُ تمامًا الآن هذه الزاوية التي كنتُ أجلسُ فيها. كان الليل قد أرخى سدوله ، وأوى الجميعُ إلى مخادعهم ، إلا مني ، فأنا على الدوام كائنٌ ليلي بإمتياز . أنهيتُ الصفحة الأخيرة من الرواية ، وألقيت نظرة مُودعة على غلافها،غ ثم طويتها ووضعتها جانبًا . وعلى حين غرة طفرت عينايَ بالدمع وسُمع لأنفاسي نشيج ، لم أحاول أن أرد الدمع المُنسكب ، فقد إنشغلتُ عنه بقلبي الذي كان في وجيبٍ هادر.

أدركتُ وقتها، أن الناس قد تموت في الحرب بلا سبب ، بلا قضية ، بلا هدف ، عاينتُ عن قرب كيف أن الإنسان قد يتحول في لحظات إلى مجرد عتاد بارد، ضمن مجهود حربي عبثي وظالم، رأيت أن الإنسان كان مجرد رقم قي قائمة المُرسلين إلى جبهة القتال ، ثم رأيته عائدًا أو ما تبقى من إلى الديار، من أجل مراسم دفن بلا عزاء .

إريك ماريا ريمارك
1970-1898
تفرستُ كثيرًا في وجوه الجنود ، والصُفرة التي علت محياهم ، بعد أن فقدوا القدرة على الكلام أو كادوا ، كانت العيون زائغة ، فالأفق ضاق كما لم يضق من قبل ، والأمل كان شعورًا ترفيًا بعيد المنال ، وكان حلم العودة إلى الديار ألمع من سراب . مازالت أسمع هدير المدافع ، والإنفجارات التي تعقب إطلاق الدانات ، والأنفاس المرتعبة التي تلهث بلا توقف . شاهدت الدماء التي إختلطت بالرمال والأجساد المشطورة والمبتورة والشائهة . غير أن أكثر ما آلمني في هذه الرواية ، أن البعض ممن رحلوا، لم تُتح لهم حتى فرصة للصراخ !! 

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة