2008/12/18

رفيقي اللدود


الصداقة والرفقة والعلاقات في حياتنا ترتيبات قدرية شئنا أم أبينا سواء أكانت هذه الصداقات والعلاقات إنسانية بحتة في نطاق العمل والأسرة والعائلة أم كانت في محيط العلاقات الذاتية البحتة التي تجمع بين المرء وما لا يعلمه من الرفاق وكثير هم صنف الرفاق الذين كنت تتمنى لو أنك لم تتعرف عليهم يوماً أو يمرون بخاطرك لحظة ومن بين هؤلاء أحد رفاقي الألداء .

فمنذ أكثر من (12) عاماً أو يزيد تعرفت عليه أو بالأحرى تعرف هو عليَ رغماً عني دون مقدمات مسبقة ودون أية إشارة إلى سابق معرفة ، هالني الأمر في البداية .. فما عساه أن يكون هذا الصديق الذي لا يطرق باباً ولا يأخذ إذناً بالدخول ؟ أليست هذه هي الأعراف ؟ هكذا توهمت ، حتى إكتشفت أن هناك من الرفاق من لا يدرك عرفاً ولا يأنس بأدب ، ومنذ ذاك التاريخ بات هذا الرفيق يشاركني كل لحظاتي يقظة ومناماً ، جيئة وذهاباً ، ورغم محاولاتي المتكررة والحثيثة لأنحيه عن طريقي فإنه أبي إلا أن يتفنن في رسم وجوده بصور مختلفة ، وترسيخ كيانه بجنباتي ، فما لبثت إلا قليلاً حتى قبلت مضطراً التأقلم مع هذا الرفيق الذي كنت أنظر إليه بعين الريبة حيناً والخوف أحياناً متوسلاً كل طريقة للتخلص منه أو على الأقل الحد من تمدده داخلي .

وبمرور الوقت أيقنت أن أفضل السبل للتعامل معه هو القبول به كما هو ، وبدلاً من أن يفرض أسلوبه على معركتي الدائرة معه والتي دائما ما يخرج فيها منتصراً رأيت أن من المناسب أيضاً أن يكون لي أسلوبه الخاص معه ، وكانت البداية أن أرسم له ملامح معينة إذ أن فطرتي تأنف من التعامل مع المجهول ربما بحكم التخصص المهني الذي لا يتعامل إلا مع الواقع والحقائق إلا ما كان أمر من الدين يتعين الإيمان به بالضرورة ، وبدأت بتحديد أبعاده عن طريق تخيل شخصية هلامية له لترتسم لدى ناظري كلما حل علي كأثقل ما يكون الضيف ، فرأيته كائناً أبيض اللون شفافاً متعدد الأذرع والأرجل ذو شعيرات حمراء دقيقة ولكن ناصعة ، له قدرة هائلة على التشبث والإلتصاق بمراكز إحساسي ، حيث يحلو له ومن خلال أذرعه وأرجله الدقيقة تلك الطرق على مؤخرة رأسي ووخزي في صدري لفترات طويلة ولا يهنأ له بالاً حتى يتركني وقد عقدت كلتا يداي حول رأسي وتحسست موضع الألم من صدري ، وهذه الإشارة في الحقيقة تكون العلامة البينة على إنتصاره ، فلا يتركني إلا بعد أن يكون قد أخذ مني كل مأخذ ، فإذا ولى في طريقه مبتعداً عني رأيته مستجمعاً أطرافه اللا محدودة ناظراً إلي ويكاد يقول لي إني عائد .. عائد ، بعدها تنشط نفسي رويداً رويداً وتلملم ما تبعثر منها ، ولسان حالي يقول ليتك لا تعود .. ليتك لا تعود يارفيقي اللدود .. فيا لسوء أدبك وخبث معشرك .

إنه ببساطة مرض إرتفاع ضغط الدم ، تحدثت إلى الكثير حول هذا الرفيق ما بين أطباء وأصدقاء ومرضى وتراوحت ردودهم ما بين إستخفاف بهذا الرفيق وما بين محذر من غدراته ، وكان من أطرف التعليقات التي سمعتها من صديق يكبرني بالعمر أن هذا المرض لا يصيب في الغالب إلا أصحاب الرسالات كالأدباء والفلاسفة والمفكرين والساسة ، غمرتني نشوة من هذا الإطراء غير المباشر مع يقيني الأكيد أنني لست واحداً من هؤلاء ، وبعد هنيهة أدركت أنني لست المقصود بإطراء صديقي وإنما ربما كان يقصد ذاته كونه مصاب بذات المرض ولكونه أيضاً له نظرة ساخرة حول الحياة والعالم ، وسمعت نظريات متعددة حول هذا المرض ومسبباته وطرق الوقاية والعلاج منه ، ولكني لم أعر إحداها بالاً معتمداً على إعتقادي أن هذا المرض ليس سوى إحدى ضرائب الحياة المعاصرة بتعقيداتها الرهيبة ومشاعرها المعلبة وأفكارها سابقة التجهيز والإجهاز على كل ما له قيمة أو معني جميل أو نبيل في هذه الحياة .

2008/11/23

4- إرث وورثة

ذهب المعز مازال براقاً

لم يكن السيف وحده هو العامل الوحيد الذي حافظ للبغاة على مقاليد الأمور ، ولا كان الأساس الوحيد الذي إستندوا إليه في توطيد دعائم حكمهم ، بل كانت هناك عوامل متضافرة ومختلفة ساهمت جميعها وبأشكال مختلفة في إعمار كياناتهم وتأسيس دولهم وتوريثها من بعدهم ، ومن بين هذه العوامل .. عامل المال .. ويا له من عامل ذلك الذي إستمال قلوب وأطاح برؤوس أناس كنا نحسبهم عقلاء القوم فإذا بهم يسقطون صرعى لرنين الدينار وصدى الدرهم ، فلقد عميت أبصاهم وإمُتحنوا وُفتنوا فما قويت عزائمهم ، ولا صمدت كرائمهم أمام وحش المال الذي إستذلهم فإستحالوا أمامه كعجينة صلصال يسيرة التشكيل ، سهلة التلوين ، طيعة لكل أشكال القوالب والطرز فتراهم ينطقون بكل اللغات ويتمتمون بكل اللهجات ، حركاتهم محسوبة ، وإلتفاتاتهم محكومة ، لا يقدمون موضع قدم ولا يؤخرونه ما لم يكن للبغاة في ذلك رضى ، فبضل المال الذي إكتسبوه بات أصحاب السلطان ذوي ألسن فصيحة وأراء رشيدة ، لا يصدرون إلا عن سديد الرأي ومحكم القول ، فالرأي ما رأوه ، والقول ما قالوه ، حلهم حلال وحرامهم حرام ، ولعلي إستطرفت الأمر يوماً وتساءلت في نفسي عن هذه الجينات العجيبة للمال التي جربها مهرة شراء النفوس ونخاسوا الذمم على من يختارون من عباد الله ليزينوا لهم أعمالهم ، ولربما تساءلت عن تلك الآثار العجيبة التي ترتبت على عمل هذه الجينات فرأيتها تتغلغل إلى عقول وقلوب ونفوس هؤلاء تغلغلاً فريداً فتحيل الواحد منهم في لحظة إلى كائن شفاف لا يكاد يلامس أطراف الأرض إلا بخفة كخفة الطير الكاسر الذي يلتقط لحم فرائسه فيعاود الطير في السماء محلقاً وناظراً بشذر إلى الأرض ومن عليها ، ويستمر تفاعل عمل هذه الجينات فتجري الحكم الكواذب على ألسنتهم مجملة كل قبيح ، ومبررة ما ليس بوسع أحاد الناس تبريره محدثة هذه الرائحة التي لا تخطئها أنف كل ذو سحت وغرض ، تلك الرائحة التي تدير العقول وتذهب بها كل مذهب تريد فتحط في ساحة السلطان فتنهل منه كالمريد من شيخ طريقته ، فينهل ما شاء له أن ينهل فينطلق وقد ُقدحت قريحته فيسل لسانه وغثائه ويبطش بمعوله هامة كل من لا تعجبه سيرة ولي المال والذهب .. ومن ذاق عرف .. إن بيوت الحكم وقصور الممالك والإمارات ومنذ القدم لملىء بهذا الصنف من الناس ممن يجيدون هذا الفن غير النبيل ، وهم وإن كانوا يحملون الآن مسميات عصرية أنيقة ، فإن هذه المسميات مع أناقتها لا تخفي بطبيعة الحال الدور المرسوم لهم ولا تغطي بأي حال على روائح ما إكتسبوه من محرم المال ، إن وظيفة بيع الضمائر بالبخس والثمين كالبغاء تماماً قديمة قدم التاريخ ذاته ، وإن شئتم فإنني لا أجد كثير فارق بيع الضمير وبيع الجسد فكلاهما متعة محرمة ، وكلاهما ينال من مرؤة الإنسان وشرفه ، وفي الحالتين ستجدون أن هناك نخاساً ما ، وهناك من ينتظر الإشارة للبيع ، وهناك عرض للبضاعة ، وهناك الوسطاء والسماسرة ، وسيظل الأمر كذلك مادام للذهب بريــق ، وللمال رنيــن
يُتبع

2008/10/20

3- إرث وورثة

يُنبىء التاريخ بطوله وعرضه أن السيف ظل لحقب طويلة حامياً للإرث العربي والمسلم من أن تتناوله يد ورثته الشرعيين ، وبات أصحاب غمده يقبضون بقوة على معصمه ويلوحون به فيتلألأ بريقه الدامي على هامات شريفة آخذاً من عظامهم ولحومهم ما الله به عليم ، وظل الإرث وما يحويه من مقدرات الأمم والشعوب مغنماً يُكتسب وكلأً يُرعى فيه بلا حسيب أو رقيب وكأنه فيئاً آل إلى مغتصبيه كابراً عن كابر ، وتأسس بناء على ذلك عقداً غير مكتوب فيما بين طغم الفساد والمستعبدين في الأرض كان قوامه ولسان حاله أن مالنا لنا ، ومالكم لنا أيضاً ، وترسخت عقائد الإستبداد رويداً رويداً ، وباتت لها شرعة ومنهاجا ، وباتت دولة العدل أوهم من سراب حتى إذا رأيته لم تجد شيئاً ، وتسلح البغاة بالممكن من الأدوات والمتاح من الوسائل لترسيخ دعائم أمجادهم المهترئة ، ورفع راياتهم البالية ، فأضحى ذوي الألباب حيارى ، وما لهم ألا يكونوا كذلك بعد أن باتت للجبان صولة وللسارق دولة ؟ أما الورثة الشرعيين وشرفاء القوم وعيونهم فتم تنحيتهم وفي أفضل الأحوال تحييدهم ، فباتوا يراقبون المشهد من بعيد بغصة يجدونها في حلوقهم ضاربين أخماسهم في أسداسهم وهم يرون أحلام أقوامهم ضائعة أو منتهبة وحقوقهم مهملة أو مستلبة بعد أن تم القفز فوق كل حواجز المعقول واللا معقول من أصول الحكم والسياسة ، وتم تجاوز كل عهد كان يتعين الوقوف عنده . ولما كان الذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية فإنحازت تبعاً لذلك طائفة من الناس بعضهم إلى بعض في تكتلات وجماعات متعاضدة إما رغبة في حماية الحد الأدنى من مصالحهم بوجه من يرون بغيه وظلمه ، وإما إنتصاراً لعقيدة يؤمنون بها لا يرون بأساً من بذل أرواحهم فداءاً لها أو مذهباً يرون صوابه وأحقيته في التقدم على ما عداه من مذاهب ونحل ، كما نشأت طوائف من الذئاب ذات الطموح الأثيم والذين يرون أن بقاء سحت ثرواتهم مرهون ببقاء سارقهم الأكبر ونخاسهم الأمجد فإنحازوا له وشدوا على يديه ، فتحزب الخلق أحزاباً ، وتفرق الجمع جماعات فنشأت الأحزاب والفرق الدينية والملل والنحل من كل لون وطعم ورائحة ومنهم من يرى الحق على يديه جارياً ، فما أكثر من غنى على ليـلاه ، وليلى مـن الجميع براء

أما المهمشين من الخلق وبسطائهم فقد إنحازوا إلى هموم ركبتهم ورزايا ألمت بهم كنتيجة طبيعية لنهم سلطة وتوحش متسلط ، فأصبح الواحد منهم يعيش الكفاف الذي لا يكاد يدرك إلا بشق النفس ، ومنهم من أراق - في سبيل عيشه - ماء وجوهه ، وبذل في سبيل ذلك محاسن رجولته ، ناهيك عن أولئك النفر الذين يقتاتون على الفتات المتساقط من موائد اللئام ، فأصبح القوم جميعهم إلا قليلاً في مهب ريح الطغيان تعصف بهم في أودية النسيان السحيقة مقلبة إياهم ذات اليمين وذات اليسار يود أحدهم إزاء ما يجد لو كان نسياً منسيا ، فما أشق مـن أن يُغتـــــال المرء منـا في إنسانيته

يُتبع

2008/09/24

2- إرث وورثة

أي سلطة هذه التي تجعل نفر من الناس يتبخترون على عباد الله ويذللوا لأولياء عهدهم من بعدهم العزيز من أعناق الرجال ، ويخضعوا لهم النفيس من كرائم شمائلهم ؟ وأي شهوة تلك التي تثير في نفوس هؤلاء النفر كل هذا الشبق المحموم والمختلط بدم ولحوم رعايهم ؟ وأية لذة يجدونها وهم يستعمون لأنات وصرخات الصرعى تحت ظلال من إصكاك السيوف بالعظام ذاهبة بما بقى من هامات عالية ونفوس شريفة ؟ وأي مغنم هذا الذي يجنونه من أفواه فارغة ، وبطون خاوية ومن ألسن ُعقدت فلم تعد حتى قادرة حتى عن المجاهرة بالشكوى أو البوح بها ؟ فأي مجد يبنونه وأية أسوار يرفعونها ؟ لا ريب أن هذه التساؤلات وغيرها مرت على خواطر كسيرة وذكريات أسيفة لبعض منا ، وحار الكثير جواباً لها ، لكنه هو الإرث أعزائي .. ذلك البريق اللامع الذي خطف القلوب قبل الأبصار فهيمن على حفنة من مرضى العقول والأفئدة فتسلطوا على خلق كخلقهم ونفوس كنفوسهم ، إننا في الواقع إزاء حالة نفسية مرضية أكثر منها إشكال سياسي أو تنظيمي ، فأصحاب العقول وذوي الألباب والفطن يأبون إلا الراحة من عناء الترف وثقل الصولجان لما يعلمونه من عاقبة أو مآل ، وهذه الحقيقة ليست بخافية على أحد من هؤلاء الظلمة المتسلطين ، إنما لا تتبدى لهم واضحة ولا يعاينونها معاينة الحاذق اللبيب إلا لدى إنفلات أرواحهم وإنطمارهم في الموحش من ذاكرة شعوبهم ، فلما التقاتل عليها إذن ، والحب والبغض فيها ؟


إن كان للمرء منا إلمام ولو عابر بالتاريخ لسهل عليه إدراك أن قيام المعاصرين من حكام العرب والمسلمين بتوريث مقاليد حكمهم لمن يلوونهم من إبن أو أخ أو عشيرة ليست ظاهرة لا بالجديدة ولا بالمستحدثة وإنما هي في الواقع ظاهرة عميقة بل متجذرة في تاريخنا الإسلامي والعربي ومنذ بداياته الأولى ، وأمر التوريث ربما كان مبرراً بل ومعقولاً أحياناً في تلك العهود الغابرة ، ذلك أن الأمر كان يتعلق في النهاية لا بدولة بالمفهوم والمدلول السياسي لها كما نعرفه في تاريخنا الحديث أو المعاصر، بل كانت نظم الأسرة ومصالح العائلة وشرف القبيلة هي التي كانت تشكل وجدان النظم السياسية والإقتصادية والإجتماعية القائمة آنذاك ، حيث كانت هذه النظم مختزلة تماماً في شخص أو أشخاص قليلون قائمون ومقدرون على تدبير أمورها ، فكان توريث المنصب أو الجاه آنذاك أمر لا يجافي الواقع ولا العادة بل أمر كانت تقبله النفوس ولا تنفر منه ، بل وتعتبره شأناً يستقيم والمجرى العادي من الأمور . ولكن الملفت بحق أنه وعلى الرغم من تدافع عجلات الزمن إلى الإمام وتطور الجماعات والقبائل والتي باتت لاحقاً تشكل دولاً وممالك وإمارات ، وعلى الرغم كذلك من تطور أدوات ونظم الحكم من مبدأ الشوري والبيعة مروراً بأفكار كالولاية والإمامة وغيرها وصولاً إلى مفهوم الديمقراطية فإنه وحتى الآن لم يتجاوز هؤلاء النفر من حكام المسلمين من تجاوز إرثهم القبلي اللامع ، ولا نسوا ذاك الوهج الذي يداعب خيالاتهم ويرقى بنفوسهم إلى مصافٍ من الطمع والطمح

يُتبع

2008/09/14

1- إرث وورثة

إن من عادة العرب أن يختص الأب إبنه الأكبر بكرائم ما خلفه من منصب أو جاه أو غيره على سائر أبنائه بإعتباره ولي العهد ، ولا زالت هذه العادة متأصلة في المجتمع العربي حتى الآن ، وهي ليست مقصورة على العرب وحدهم بل أنها موجودة في كثير من المجتمعات ، ويطلق عليها علماء الإجتماع "التعاقب" وهو إنتقال حقوق المنصب والدرجة والجاه والوضع .. هذا ما يقوله الأستاذ / خليل عبد الكريم "رحمه الله" في كتابه { قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية } ويؤكد عالم الإجتماع الراحل د./ مصطفى الخشاب أن بقايا هذه الظاهرة ورواسبها موجودة في كثير من المجتمعات المعاصرة مثل وراثة المهنة والوضع الإجتماعي ووراثة الفرق الدينية ومشايخ الصوفية والطوائف الحرفية وما إليها ، وإزاء هذا التعاقب أو التوريث وجدت أنه ربما يكون من المناسب لو نلقي الضوء قليلاً على جذور هذه الظاهرة في مجتمعنا العربي والإسلامي لعلنا نفهم ولو قليلاً ماهية الرواسب العميقة التي خلفتها هذه الظاهرة على مجتمعاتنا المعاصرة لاسيما فيما يخص الجدل الدائر والمستعرعن آفة التوريث في بعض البلدان العربية لاسيما بمصر... بداءة فإن التوريث لا يكون إلا في النظام الملكي فحسب وليس في غيره من أنظمة الحكم الديمقراطية الأخرى ، والسؤال هنا هل النظام الملكي يخالف نظام الحكم في الإسلام ؟ وإذا كان يخالفه هل يعتبر خروجاً على الإسلام ومجافياً لتعاليمه ؟ يجيب د./ محمد السيد الوكيل في كتابه القيم { الأمويون بين المشرق والمغرب - ج1 } أن نظام الحكم الملكي يخالف نظام الحكم الذي كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده ، فقد توفى الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعين خليفة من بعده ، وإختار أبو بكر الصديق الخليفة بعده وهو ليس من عائلته ولا من أقربائه ، وترك عمر بن الخطاب الأمر شورى بين الستة الذين توفى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، وإختار المسلمون خليفتهم بعد مقتل عثمان بن عفان ، وأما النظام الملكي ففيه يختار الملك ولي عهده في حياته ويكون من أبنائه وعائلته ، ويستطرد د./ محمد السيد الوكيل قائلاً أنه ليس بوسع أحد من المحققين أن يقول أن النظام الملكي فيه خروج عن الإسلام ولا مجافاة لتعاليمه ومبادئه ، ذلك أن الإسلام لم يعين طريقة خاصة بنظام الحكم ، ولو أنه إختار طريقة بعينها وجاء نص صحيح صريح بها لما جاز لأحد مخالفتها ، وقد رأينا الخليفة الأول رشحه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ثم بايعه المسلمون ، والخليفة الثاني إختاره أبو بكر الصديق وحده وحمل المسلمين على مبايعته ، وأما الخليفة الثالث فقد أُنتخب من بين ستة رجال وهو واحد منهم ، والخليفة الرابع علي بن أبى طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه فقد إجتمع عليه المسلمون لما قُتل عثمان بن عفان .. وهكذا نلاحظ أنه ليست هناك طريقة واحدة لإختيار الخليفة ، ومما يدل على أن النظام الملكي لا يجافي الإسلام ولا يخالف مبادئه أن الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا موجودين في عهد معاوية بن أبي سفيان وحضر كثير منهم بيعة يزيد بن معاوية وبايعوه ولم يقل أحد منهم أن معاوية قد خرج على الإسلام ، وحتى الذين إعترضوا وأنكروا لم يكن إعتراضهم وإنكارهم أن معاوية خرج عن الإسلام أو جافى تعاليمه وإنما كان ذلك لأن من ولاه معاوية ليس على مستوى الخلفاء الذين عهدوهم وتعاملوا معهم ، وكانوا يرون فيه من الصفات ما لا يناسب مقام الخلافة ، وكان بعضهم الآخر يرى أنه الأحق بالخلافة من إبنه يزيد ، وكان هذا وحده وجه الإعتراض .

يُتبع

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة