2020/05/31

خطوة إلى الوراء !

بقلم: ياسر حجاج
 من وقتٍ لآخر، تخوضُ الإنسانيةُ اختبارات عسيرة، وتُصبح دولة القانون على المحك، ومع قلةِ الدول التي تتجاوز هذه المِحنة بديمقراطيتها الراسخة، ونظامها القضائي المُستقل، وأحكامه غير المُسيسة، تبقى هناك دولًا وأنظمة حكم لا يتمتع مواطنوها سوى بالحق في التلفظ بالعبارة الأخيرة التي تلفظ بها جورج فلويد (لا أستطيع التنفس) !
لا أدري كم "جورج فلويد" يعيش في شرقنا الأتعس، ذاك الذي لا يطالبُ بحقوقه كانسان، ولا يُبدي رغبةً أكيدة في التعبير عن رأيه، ولا تراوده أفكارًا مريبة كالحق في الرقابة وشفافية المعلومات، وكفالة العدالة، وإقرار المساواة في توزيع الفرص والثروات وحتى الآلام.
مشكلةٌ عميقةٌ جدًا، أن تكون رغبتك الوحيدة في الشرق أن تتمتعَ فحسب بالحق في التنفس، على الرغم من أن الكثيرين في هذا الشرق أيضًا يعتبرون هذا الحق البسيط، أمرًا مُستفزًا لمشاعرهم، بل ويرونه حتى أكبر من قدرتهم على تلبيته أو إتاحته لك! كثيرًا ما أتوقف حول أراء بعض الصينيين القدماء الذين كانوا يعتبرون أنهم لم يُخلقوا قط، إلا من أجل أن يجروا عربة الإمبراطور!
هنا فقط وعبر منصة التواصل هذه نستطيع "التنفس" ولربما حتى حين، إلا أن يأتيَ اليومُ الذي قد يُصبح فيه هذا الحق "الرقمي" غير متاحٍ، في عالمٍ يراه الكثيرون "إفتراضيًا" وعليه فإن الرسالة التي تحرصُ دولة "اللا قانون" على أن تصلك واضحة وبلا غموض، هي أنك إذا أردتَ الموت، فليكن ذلك في صمت، فمجرد التنفس بات حقًا غير متاحٍ للجميع!
فلتجُروا عربة الإمبراطور في صمت!

2020/05/30

المشطورة .. المحروسة سابقًا !

بقلم : ياسر حجاج
 لعلكم قرأتم في كتبِ تراثكم ومطوياتكم العتيقة على إختلاف أديانكم ومذاهبكم ، قصة ذاك الشيخ الوقور، الذي يقفُ مُتبتلًا في محرابه ليلًا، يبكي من خشية الله، حتى تبتل لحيته الشريفة، فإذا ما أدركه الصباح، أراق من الدماء أكثر مما يريقُ أحدنا من الماء، وبلا مُسوغٍ ظاهرٍ أحيانًا، وذلك بمظنة الإنتصار لله ولشريعته المُقدسة!
 هذا هو أعظم داءٍ ورثناه، حتى غدا ضمن متاعنا الفكري عبر السنين، وبات جزءًا أصيلًا من حياتنا، إلى الحد الذي كدنا لا نشعرُ بوجوده أصلًا، لأنه بالفعل قد أصبح مُتغلغلًا ضمن نسيجنا الجيني العبقري في غرابته، والعصي بالضرورة على كل محاولة فهم أو إدراك!

هذا الداء هو " تبني القيم المتعارضة بذات الحماسة " !!


 خلال الـ48 ساعة الماضيةالمصريون على كوكبنا الأزرق FB إلى فسطاطين عظيمين، أحدهما يُناصر إنتفاضة نقابة الأطباء، فيما اعتبرته الأخيرة تقصيرًا مُريعًا في حق منتسبيها من الأطباء، مما ترتب عليه سقوط بعضهم في مضمار مكافحة وباء كورونا، أما الفسطاط الآخر فهو المُكلف دائمًا "وتطوعًا" أحيانًا بالدفاع عن الدولة، مهما كانت خروقاتها واضحة، وأخطاؤها بيِّنة.
 هذه الفِرقُ المتطوعة والمخلصة جدًا!! هي ذاتها التي كانت تُثني على الأطباء، وتخلع عليهم من الألقاب الشيء الكثير، فهم الجيش الأبيض، وهم خط الدفاع الأول، وهم الحصن الحصين للشعب في معركة الوباء، لكن ما أن يتوجه البعضُ بلومٍ لأجهزة الدولة مُتهمًا إياها بالتقصير أو حتى بشبهة التقصير، حتى يتحول هذا الجيش الأبيض، إلى جيش إبليس الأحمر، وخط الدفاع يُصبح ممر العمالة، والحصن الحصين يغدو التغرة التي يمر من خلالها أعداء الوطن!
هذا مجرد مثال على حالة التناقض الغريبة التي تتلبس بعضنا في المحروسة، بلا منطق، بلا عقل، وأحيانًا بلا حياء !!
أمثلة أخرى سريعة

------------------
 نحنُ مع الحريات العامة، لكن في ذات الوقت مع العصف بذات الحقوق إذا انتهكها مسؤولٌ يشغلُ منصبًا غير منصوص عليه في الدستور، ألا وهو منصب "معبود الجماهير" أو "قرة العيون" أو ""مهوى الأفئدة والقلوب" !

 نحن مع وحدة ترابنا الوطني وحساسون جدًا حيال كل ما يمس سيادة بلادنا بالتأكيد، لكن لا مانع لدينا - في ذات الوقت - من أن يذهب جزءٌ عزيز منه بلا ثمن معلوم!
 نحن نُعلي من شأن دولة القانون وإستقلال مرفق القضاء، لكننا نغضُ الطرف الناعس عن انتهاكات جسيمة عديدة، ونزدري الأحكام القضائية الباتة ونُطلقُ سراح المجرمين، وباسم القانون أيضًا.
نحن متدينون جدًا بالفطرة - هكذا يقولون - ولكن إذا ما تعلق الأمر بمن لا يشاطروننا ديننا أو مذهبنا أو نمط حياتنا الروحية، انقلبنا إلى حفنة أوغاد.
خلاصة

-------
 لا يكاد يوجد مجتمعٌ واحدٌ يخلو من خاصية التنوع بين أفراده، فانحيازاتهم ليست واحدة بالضرورة، ومعارفهم ليست مُتشابهة، ورؤاهم لا تنطلقُ من ذات المنظار، وهذا أمرٌ مفهوم، بل وقد يكون مطلوبًا أحيانًا، ليظلَ المجتمع في حيويةٍ دائمة، كنهرِ ماءٍ جار، إذا ما قُدر له أن يتوقفَ يومًا، أصبح آسنًا تعافه النفوس.

 لذلك يشعرُ بالغربة الحقيقية في وطنه، كل من أراد أن يكون مًستقلًا في أرائه، نائيًا بنفسه عن تبني التفسير الرسمي للأحداث، ومُبتعدًا عن التمييع والإرهاب المعنوي الذي تمارسه الجماهير المُخلصة جدًا لمسيحها المُخلص.
لكن على أية حال ، إذا ما قُدر لك أن تحتفظ بعقلك في عنبر الحالات الحرجة، وأبيتَ أن تُورث أبناءك شيئًا من "القيم المتعارضة" فإنك بذلك تكون قد نجحت في إتمام أهم رسالة ابتعثك الله من أجلها، وهي أن تظل إنسانًا، وهي بالمناسبة الرسالة التي يفشل معظمنا في إتمامها على نحوها الصحيح!

2020/05/20

رائحةُ الأيام !

بقلم: ياسر حجاج
كل يومٍ يتعزز لديَّ الإعتقاد بأنه لا توجد أبدًا إمرأة جميلة، بل إمرأة نراها جميلة، هذا إذا نظرنا إليها لا بعين الجارحة، بل بتلك المتأملة، التي تقفز دومًا فوق كل أسوار الرتابة التي تصور المرأة كقالب حلوى شهي، ينتظرُ أن تمتدَ إليه أيدي الذوَّاقة أو الجائعين.

كل صورةٍ تقعُ عليها عيناكَ فتجدَها صامتة، ساكنة، أو حتى خاملة، هي بالتأكيد ليست صورتك التي تبحثُ عنها، ولا هي مُبتغاكَ الذي إليه ترنو.


حاول أن تجد نسختك في مكانٍ آخر، أو حتى في عالمٍ آخر، فإن صادفتها ذات مرةٍ حية، مُتحركة، نابضة، فقد عثرتَ أخيرًا على شيءٍ منك قد ذهب ذات يومٍ، ولم تعرف قط إلى أي وجهةٍ قد ذهب.


صورة هذه السيدة هي أجمل ما رأيتُ في هذا العام الكارثي، فقسماتها على قدر بساطتها، ربما بدت أكبر من أي محاولة تصويرٍ أو مُقاربة، فنظرتها الودودة تبعثُ برسائل أملٍ لا تنتهي، أحاولُ الآن أن أتلقفها وأقرأها على مَهَلٍ، وأما بسمتها الساهمة، فبدتْ لي كنسمةٍ وُلدت في ساعةٍ من سَحَرْ، وكأني بها تهمسُ لي قائلة أن الحياةَ على قِصرها ربما كانت أفضل من مائة موتٍ خالد.

الصورُ كثيرًا ما تُهيجُ الذكرى، وتهبك رائحةً ما عدتَ تعهدها، فقد أعادتني هذه المليحة إلى حيث ثوب جدتي الأسود، الذي ما رأيتُها قط بدونه حتى غابت بعيدًا، غابت بأكثر الوجوه وداعة وطيبة، وما حسبتُ قط أن الأرضَ - بعدها - بقادرةٍ على أن تُنبتَ مرة أخرى، بذور خير وجمال ويقين!

سيلفي قديم !


بقلم: ياسر حجاج
لعله السيلفي الأشهر في تاريخ الفن الحديث، هذا الذي جمعَ في لقطةٍ واحدةٍ، أربع لوحات مُصنفة ضمن اللوحات العشر الأشهر في العالم، وهي على النحو التالي :-
.1- ليلة النجوم - (الهولندي) فان جوخ.
.2- الصرخة - (النرويجي) إدفارت مونك.
.3- الفتاة ذات القرط اللؤلؤي - (الهولندي) يوهانس فيرمير.

.4- الموناليزا - (الإيطالي) ليوناردو دافنشي.


الشاهد أننا نستطيع وبامكانيات محدودة، مع شيءٍ من خيالٍ ومرحٍ، أن نُقربَ للناس كل ألوان الفن والإبداع، فترتقي مشاعرهم، وتتحول رمال أنفسهم الساخنة إلى أوديةٍ خصيبةٍ، لا ترعى فيها إلا أفكارهم المُفعمة بالجمالِ والإنسانيةِ والتسامح!
في كل لوحة تجربة إنسانية ذاتية، والتجارب الإنسانية كثيرًا جدًا ما تتشابه في الواقع، بمعنى أنك قد تجد نفسك - بصورةٍ من الصور - في إحدى هذه اللوحات، بل قد تجد نفسك في الألوان أو الظلال، ومن يدري فلعلك تجد باللوحة ما لم يدر أصلًا بخلد الفنان!
أنجبَ العالمُ ملايين من رجال السياسة وأضعافهم من رجال الدين، لكنه أنجب عددًا أقل بالتأكيد من الفنانين والمفتونين، فلتكنْ مع هذه القلة، فما ذُكرت الكثرة - في موضعٍ - إلا في مَعرضِ الذمِ أو عدم اليقين!

2020/05/16

شيءٌ من المرحِ والجنون !


بقلم: ياسر حجاج

ما أفاءَ الله على الإنسانِ من نعمةٍ قدر عطية الجمال، سواءً الجمال المنثور في الكونِ، أو ذاك المركوم أو المتواري خلف ثنايا المُهج والأرواح.
تمثلُ الصورُ واللوحات الفنية للإنسان تحديًا حقيقيًا وفريدًا، من حيث قدرته على ترجمة إحساسه بها، من خلال تتبع الأثر الذي سرى بفؤاده، أو الشعور الذي وقع بروعه.
بالطبعِ ليس الجميع سواسية في قدرتهم على تلقف الرسائل الفنية والمضامين العميقة أحيانًا التي تتوارى خِلسةً من وراءِ الخطوط والألوان والتفاصيل.

ومع ذلك فإن الميزة العظيمة للإنسان تتجلى في انفعاله بجمال اللوحات الفنية، وإحساسه الفريد بحركتها النابضة، إلى الحد الذي قد يدفعه أحيانًا لإعادتها إلى الحياة بشكلٍ جادٍ أو ساخرٍ يغلبُ عليه المرح.
من المفيدِ التأكيد على أن الأعمالَ الفنية ستظل طوال الوقت تعملُ بمعزلٍ عن صاحبها، أي أن المتلقي ليس مُلزمًا على الإطلاق بتبني وجهة نظر الفنان، أو إلتزام حالته النفسية أو تتبع معاناته بصورةٍ من الصور، لكي يكون قادرًا على إستخراج الدلالة او فهم المُراد .
فأنت تستطيع أن ترى في العمل الفني ما لم يره الفنان ذاته، وأن تستخرج منه المعاني والإيحاءات التي تحلو لك، ذلك أن الفيصل هنا هو الأثر الذي حرك شجونك أو داعب وجدانك، دون أن ننسى بطبيعة الحال فهم الفنان لإبداعه، وحريته المطلقة وغير المُقيدة في توصيفه لعمله على النحو الذي يريد.
الصور المرفقة هنا، محاكاة بديعة أيضًا لمجموعة من اللوحات العالمية ذئعة الصيت، تعرضت لقرصنة مُباحة، وإستيلاءٍ محمود، غدت على اثره كلُ لوحةٍ لوحتان، واحدة أصلية وأخرى مشغولة بخيوط مرحة، وموشاة بكم لا محدود من المرح والفكاهة والدلالة أحيانًا.

الفن هو رسالة الله، والجهامة خُلق شيطان.---
---

 ---

---



---

---

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة