2020/05/30

المشطورة .. المحروسة سابقًا !

بقلم : ياسر حجاج
 لعلكم قرأتم في كتبِ تراثكم ومطوياتكم العتيقة على إختلاف أديانكم ومذاهبكم ، قصة ذاك الشيخ الوقور، الذي يقفُ مُتبتلًا في محرابه ليلًا، يبكي من خشية الله، حتى تبتل لحيته الشريفة، فإذا ما أدركه الصباح، أراق من الدماء أكثر مما يريقُ أحدنا من الماء، وبلا مُسوغٍ ظاهرٍ أحيانًا، وذلك بمظنة الإنتصار لله ولشريعته المُقدسة!
 هذا هو أعظم داءٍ ورثناه، حتى غدا ضمن متاعنا الفكري عبر السنين، وبات جزءًا أصيلًا من حياتنا، إلى الحد الذي كدنا لا نشعرُ بوجوده أصلًا، لأنه بالفعل قد أصبح مُتغلغلًا ضمن نسيجنا الجيني العبقري في غرابته، والعصي بالضرورة على كل محاولة فهم أو إدراك!

هذا الداء هو " تبني القيم المتعارضة بذات الحماسة " !!


 خلال الـ48 ساعة الماضيةالمصريون على كوكبنا الأزرق FB إلى فسطاطين عظيمين، أحدهما يُناصر إنتفاضة نقابة الأطباء، فيما اعتبرته الأخيرة تقصيرًا مُريعًا في حق منتسبيها من الأطباء، مما ترتب عليه سقوط بعضهم في مضمار مكافحة وباء كورونا، أما الفسطاط الآخر فهو المُكلف دائمًا "وتطوعًا" أحيانًا بالدفاع عن الدولة، مهما كانت خروقاتها واضحة، وأخطاؤها بيِّنة.
 هذه الفِرقُ المتطوعة والمخلصة جدًا!! هي ذاتها التي كانت تُثني على الأطباء، وتخلع عليهم من الألقاب الشيء الكثير، فهم الجيش الأبيض، وهم خط الدفاع الأول، وهم الحصن الحصين للشعب في معركة الوباء، لكن ما أن يتوجه البعضُ بلومٍ لأجهزة الدولة مُتهمًا إياها بالتقصير أو حتى بشبهة التقصير، حتى يتحول هذا الجيش الأبيض، إلى جيش إبليس الأحمر، وخط الدفاع يُصبح ممر العمالة، والحصن الحصين يغدو التغرة التي يمر من خلالها أعداء الوطن!
هذا مجرد مثال على حالة التناقض الغريبة التي تتلبس بعضنا في المحروسة، بلا منطق، بلا عقل، وأحيانًا بلا حياء !!
أمثلة أخرى سريعة

------------------
 نحنُ مع الحريات العامة، لكن في ذات الوقت مع العصف بذات الحقوق إذا انتهكها مسؤولٌ يشغلُ منصبًا غير منصوص عليه في الدستور، ألا وهو منصب "معبود الجماهير" أو "قرة العيون" أو ""مهوى الأفئدة والقلوب" !

 نحن مع وحدة ترابنا الوطني وحساسون جدًا حيال كل ما يمس سيادة بلادنا بالتأكيد، لكن لا مانع لدينا - في ذات الوقت - من أن يذهب جزءٌ عزيز منه بلا ثمن معلوم!
 نحن نُعلي من شأن دولة القانون وإستقلال مرفق القضاء، لكننا نغضُ الطرف الناعس عن انتهاكات جسيمة عديدة، ونزدري الأحكام القضائية الباتة ونُطلقُ سراح المجرمين، وباسم القانون أيضًا.
نحن متدينون جدًا بالفطرة - هكذا يقولون - ولكن إذا ما تعلق الأمر بمن لا يشاطروننا ديننا أو مذهبنا أو نمط حياتنا الروحية، انقلبنا إلى حفنة أوغاد.
خلاصة

-------
 لا يكاد يوجد مجتمعٌ واحدٌ يخلو من خاصية التنوع بين أفراده، فانحيازاتهم ليست واحدة بالضرورة، ومعارفهم ليست مُتشابهة، ورؤاهم لا تنطلقُ من ذات المنظار، وهذا أمرٌ مفهوم، بل وقد يكون مطلوبًا أحيانًا، ليظلَ المجتمع في حيويةٍ دائمة، كنهرِ ماءٍ جار، إذا ما قُدر له أن يتوقفَ يومًا، أصبح آسنًا تعافه النفوس.

 لذلك يشعرُ بالغربة الحقيقية في وطنه، كل من أراد أن يكون مًستقلًا في أرائه، نائيًا بنفسه عن تبني التفسير الرسمي للأحداث، ومُبتعدًا عن التمييع والإرهاب المعنوي الذي تمارسه الجماهير المُخلصة جدًا لمسيحها المُخلص.
لكن على أية حال ، إذا ما قُدر لك أن تحتفظ بعقلك في عنبر الحالات الحرجة، وأبيتَ أن تُورث أبناءك شيئًا من "القيم المتعارضة" فإنك بذلك تكون قد نجحت في إتمام أهم رسالة ابتعثك الله من أجلها، وهي أن تظل إنسانًا، وهي بالمناسبة الرسالة التي يفشل معظمنا في إتمامها على نحوها الصحيح!

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة