2018/08/20

القبيلة الدولة !

بقلم : ياسر حجاج

صدر هذا الكتاب قبل ربع قرن تقريبًا في حوالي 400 صفحة من القطع المتوسط ، وهو كتاب في التاريخ يتناول فترة مثيرة لطالما تمنيت أن أقرأ عنها روايات غير رسمية، بخلاف تلك التي يتصدى لها غالبًا، جمع من المشايخ والباحثين ، ممن يبسطون البحث بطريقة كلاسيكية خبرية، أقرب ما تكون إلى عازفي الرباب منهم إلى الباحثين المدققين ، فالكتاب كما رأيته ليس كتابًا في السير أو المغازي أو التراجم ، بل هو كتاب منهجي، إرتبطت فيه النتائج بالمقدمات ، والمسببات بالأسباب .

يكفي أن تقرأ ما خطه المؤلف بذاته في صدر كتابه، لتعرف ما هو الطريق الذي أنت مُقدم على السير فيه ، إذ يُهديه مؤلفه إلى الذين يؤرقهم الشوق إلى قراءة التاريخ العربي والإسلامي وهو مكتوب كتابة موضوعية، بعيدة عن الحواجب التي تحجب العقل، مثل العواطف الفجة والأساطير، كما يُهديه إلى الأكاديميين الذين ينادون بضرورة إعادة كتابة التاريخ العربي والإسلامي، ولكنهم لا يفعلون، إما حرصًا على مكاسبهم، وإما تحرزًا من المتاعب التي سوف تلاحقهم، لو اقدموا على ذلك .

الكتاب يتناول قريش القبيلة ، ثم قريش الدولة، بكل ما تحملة الكلمة من معنى، من خلال المقدمات الذاتية لهذه القبيلة عبر مؤسسها الأول (قصي بن كلاب) مرورًا بالمقدمات الدينية التي صاحبت وجود أتباع الديانتين (اليهودية والمسيحية) فضلًا عن المقدمات السياسية، بالنظر إلى القوى الإقليمية المحيطة (كفارس وبيزنطة وأنصار المدينة) علاوة بالطبع على المقدمات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية .

سيلمس القارىء هنا كيف أن القريشيين دون سواهم من القبائل الأخرى، كانوا هم أصحاب الريادة والرئاسة، حيث لم يكن من المقبول أن يتقدم عليهم أحد، مهما كان سهمه في جاهلية أو إسلام، بل أن واحدًا من أكابر الصحابة وهو عبد الله بن مسعود، خضع لنوعٍ من التقريع ، بواسطة عمر بن الخطاب عندما سمعه الأخير يتلو قوله تعالى (عتى حين) أي (حتى حين) من سورة الصافات ، فكتب إليه عمر يُنكرعليه ذلك، ومُذكرًا إياه بأن القرآن لم ينزل بلغة هزيل (وهي قبيلة عبد الله بن مسعود) وأرشده إلى أن يُقرىء الناس بلغة قريش !

سيظل هذا الكتاب عالقًا في ذاكرتي طويلًا، فهو لم يصحبني في رحلته رغمًا عني ، بل على العكس تمامًا ، كان يسيرُ بي سيرَ الحاذق الماهر، فلا يجاوز بي نهرًا، ولا يقطعُ بيَ واديًا، إلا عن طيب خاطر مني، وهذا خلقٌ قلما تجده في سفر من الأسفار، وأنصحُ أصدقائي الأعزاءأن يخوضوا غمار مطالعة هذا العمل الكبير، لأنه ليس متاحًا كثيرًا في الأسواق، أن تجد عملًا يجمع بين المصداقية والجرأة والتوثيق !

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة