2007/03/10

1- فن العمل للرجل والمرأة


هذا الكتاب ضمن كتبي الصفراء القديمة
أهديكم بتصرف بسيط بعضاً مما جاء به في سلسلة من التدوينات

  لأديب الفرنسية الكبير وفيلسوفها الأشهر
 أندريه موروا

مقدمة المترجم : لكل رجل ، بل لكل إمرأة ، عمل يشغل به وقته سواء كسباً للعيش أو تبديداً للضجر أو خضوعاً لفريضة الحياة ، وكل إنسان يهمه بالطبع أن يتقن عمله وينجح فيه ، لكنه قد يعجز عن ذلك أحياناً ، ربما لأسباب لا صلة لها بنقص فيه أو قصور ، وإنما علتها هي جهله بطريقة أداء عمله أو تنظيم حياته على الوجه السليم الذي يكفل له النجاح في بلوغ غاياته وأهدافه ، سواء في أوقات العمل أو في أوقات الراحة على السواء ، وكما أن العمل فن كذلك فإن الراحة من العمل بدورها فن آخر لا يقل عنه أهمية ، بل لعله يفوقه لأنه الأساس الذي يجعلك قديراً على الشروع في عملك ، حينما يحين وقته بهمة ونشاط وعزم لا يلين .

إختر العمل الذي تصلحُ له
يقول أندريه موروا أننا لو بحثنا عن المعنى الدقيق لكلمة عمل ويعمل في المعاجم ، لألفيناه يتمثل في تجشم العناء لأداء مهمة من المهام ، لكن الواقع أننا لا نجد في هذا التعريف كل بغيتنا ، فليس في وسع المرء أن يجد في العمل متعة ، وهنا يُنحي موروا القواميس جانباً ويبدأ في إستعراض بعض الأمثلة ، لننظر مثلاً إلى صانع الزجاج .. ماذا يعمل ؟ إنه يخلق من الكتلة معدومة الشكل شيئاً نافعاً ، وماذا يفعل عامل المنجم ؟ إنه يستخرج من الأرض مواد أولية كالفحم والحديد فيسلمها إلى من يحيلونها إلى قوة محركة وحرارة وآلات ، وماذا يعمل المزارع ؟ إنه يفلح الأرض ويحرثها وينثر فيها البذور ، وماذا يعمل الروائي ؟ إنه يصب مشاهداته للناس في قالب قصصي كما يفعل صانع الزجاج حين يبدع من كتلة لا شكل لها تحفة تسر الناظرين ، وماذا يعمل الطالب ؟ إنه يحاول أن يستخلص لنفسه ما سبقه إليه غيره من معرفة ، فهو يهيء ذهنه وينظمه ، بل هو يصنع نفسه .

فالعمل إذن هو تحويل أو تحوير الأشياء إلى الصورة التي تجعلها أكثر نفعاً وجمالاً ، وهو أيضاً دراسة القوانين المسيطرة على عمليات التحويل هذه ثم تطبيقها ، ويستطرد موروا قائلاً : أنه وبالرغم من أن أعمال الإنسان متباينة لا تقع تحت حصر إلا أن هذه القواعد أو القوانين - التي يجدر بالعاملين عامة أن يعرفوها - قليلة محصورة ، فعلى المرء أن يختار أولاً من المهن ما يتفق مع إستعداده ، إذ أن لقدرة الإنسان وذكائه حداً ، ولن يقدر لذاك الذي يرغب في عمل كل شيء أن يعمل شيئاً ، وكلنا نصادف في أعمالنا ومجتمعاتنا ذلك الصنف من الناس الذي لم يؤت كفاءة معينة ، ولكنه لا ينفك يقول : في وسعي أن أغدو موسيقياً كبيراً .. وما أسهل الأعمال التجارية عليّ .. في إمكاني ولا شك أن انجح في الشئون السياسية ، فمثل هؤلاء لن يعدو الواحد منهم أن يصبح موسيقياً هاوياً ، او رجل أعمال فاشلاً ، أو سياسياً خائباً ، وقد كان نابليون يؤمن بأن فن الحرب يتمثل في أن يحشد المرء أقصى قواه عند نقطة معينة ، وجدير بنا في الحياة أن نختار نقطة نركز عندها قوانا ، ولا ندع إختيار عملنا للحظ ، فيسأل الناشىء نفسه لأي الأعمال تراني أصلح ؟ ما كفاءتي الطبيعية ؟ .. ولن يجدي الإصرار على المستحيل ، فإن كان لك إبن لا يعرف الخوف إلى قلبه سبيلاً فإجعله طياراً بدلاً من أن تجعله رئيساً إحدى الإدارات وهكذا ، ومتى عقد الإنسان إختياره على عمل ما ، وجب عليه أن لا يدع للندم سبيلاً إلى نفسه بأي حال ، ما لم يصادفه حدث خطر يضطره إضطراراً إلى تغيير إتجاهه ، بل أن في المهنة الواحدة التي يختارها المرء مجالات كثيرة للإختيار ، فالكاتب مثلاً لا يستطيع أن يعالج كل نوع من القصص ، والسياسي لا يملك أن يصلح كل وزارة ، والرحالة لا يقوى على أن يجوب كل بقعة وهكذا ، وفي هذه المجال أيضاً ينبغي على المرء أن يصد ويقاوم كل ما يغريه على أن يتولى أعمالاً لا يصلح لها .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة