2007/03/18

غسيل الأدمغة

إن أهم ما يميز معظم القنوات والمحطات الإخبارية العالمية أنها تقوم على إعتبارات من الحرفية والمهنية والتخصص وقدر كبير من الإستقلالية علاوة على إحترامها لعقل ووجدان المشاهد والمستمع .. هذه المحطات قد ساهمت إلى حد كبير في تنمية مدارك وعقول وتثقيف ملايين المشاهدين والمستمعين عبر العالم بمختلف المواد التي تقوم ببثها وظلت جموع الناس ملتصقين بها إلتصاق الخيط بالمخيط ، وهذا على عكس الحال تماماً في معظم القنوات والمحطات الإخبارية العربية التي ساهمت وما تزال في تسطيح العقل العربي ، ذلك أنها وفي كثير من الأحيان محطات رسمية حزبية وموجهة وممولة وناطقة بلسان الأنظمة وتعكس توجهاتها الآنية والمستقبلية ، ولا تختلف الصحافة المقرؤة عن هذا المشهد كثيراً ، ولم تفلح محاولات تجميل هذا الكيان الذي شاخ وترهل وعلا الشيب مفرقيه .

وبالتالي فإن إعلامنا العربي بصفحاته الملونة ووسائل طباعته الحديثة وإستديوهات محطاته الأخبارية المجددة لم يكن في أحسن الأحوال سوى مستحضرتجميل ذو نوعية رديئة وضع على وجه باهت مليء بالتجاعيد ، وبالتالي فإنه وبالتأكيد ستمر سنوات طوال وربما أحقاب قبل أن يسترد الإعلام العربي عافيته وثقة مواطنيه وهي الثقة التي لن تحقق إلا بإستقلال الإعلام إستقلالاً تاماً وخروجه من جلباب النظم العتيقة ذو الثقوب الكثيرة .. تلك الثقوب التي تتسع وتضيق حسب مقتضيات الحاجة والمصلحة ، ووفق ما يبرزه المعز من سيف أو ذهب ...إن مقالة واحدة جادة بصحيفة أمريكية لكفيلة بأن تهز أركان البيت الأبيض ، وإن تحقيقاً جريئاً تجريه البي بي سي ببريطانيا لجدير بأن يغير من شعبية زعيم حزب العمال الحاكم في الإنتخابات ، وأن تقريراً إقتصادياً مهنياً ومحترفاً في صحيفة يابانية لكافي في ذاته لتغيير أسعار الأسهم بأسوق البورصة الأسيوية ، وهكذا دواليك ... والمستفيد في النهاية هو ذلك المشاهد أوالمستمع أوالقارىء الذي يرتد النفع إليه بوجبات إخبارية دسمة ورصينة على كل المستويات لتبقيه على صلة دائمة وحارة ببؤر النشاط في عالمنا الذي بات صغيراً ، لذلك ظل الجميع على وفائه لتلك المحطات والصحف ، لأنها في النهاية إحترمت ذاتها ومهنيتها فإحترمت عقول المتابعين لها وشاركتهم همومهم ... وإذا كانت معظم تشريعات الدول الآن تحارب وبشدة جرائم غسيل أو تبييض الأموال كون مصدرها هو تجارة الرقيق أوالمخدرات أو بيع السلاح غير المشروع .. فلما لا يجرمون في المقابل غسيل الأدمغة وتبييض العقول من أفكارها ومعتقداتها وآمالها وأمانيها ؟ .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة