2007/03/13

8- فن العمل للرجل والمرأة

الآلات قد تقرب بين الطبقات

يقول أندريه موروا أن الناس ظلوا وقتاً طويلاً يرون العمل عاراً ونقمة من السماء تحيق بهم ، فكانت الأعمال اليدوية وقسط كبير من الأعمال الذهنية توكل إلى العبيد ، ولقد حاول أهل الرأي والنظريات فيما بعد أن يقسموا الناس إلى عامة وخاصة ، أو إلى كادحين وميسوري الحال أي أبناء الطبقة المتوسطة ، فالأولون هم الأُجراء والآخرون هم الذين يعيشون على دخل أو أرباح .. ولكن هذه التفرقة كانت مبهمة وغير واضحة الحدود والمعالم ، ولو أخذناها على علاتها لكان مدير المصرف الذي يتقاضى مثلاً مائتي ألف فرنك في العام من العامة ، ولكان صاحب المتجر الصغير أو مالك المساحة الضئيلة من الأرض الذي يحصل بشق الأنفس على عشرة آلاف فرنك في العام من الخاصة أو ميسوري الحال ! ويمضي موروا قائلاً أن تقسيم الناس إلى فريقين أو طبقتين محاولة خطرة وغير طبيعية ، فلا مراء مع ذلك في أن من الناس من جُنبوا العمل الشاق المضني في حين أنه ضرورة يومية لدى سواهم ، ومن هنا ينبثق الحقد العميق بين أفراد الطبقتين ، فهل من الممكن أن نعالج هذا الأمر الذي ولد مع الجنس البشري ؟ يجيب موروا هنا بالقول أن الثورات قد فشلت في ذلك وستظل دوماً فاشلة في هذه الناحية ، على أنه من المحتمل أن ينتهي تقدم الآلات إلى التقريب بين العامل وبين الخاصة ، فقد إنخفض فعلاً خلال المائة عام الأخيرة عدد ساعات العمل حوالي ثلث ما كان عليه .. وأصبح العمل الذي يتطلب قوة هائلة يترك للآلات كي تتمه ، وصحيح أن هذه الآلات قد عفت على ما كان يستخدمه العمال في حرفهم من ذكاء وألمعية ومهارة وإستبدلت بها نظاماً آلياً ينساب متوالياً وبدقة ، إلا أن هذه مجرد مرحلة إنتقالية ولن يلبث هذا النظام أن يتولاه أشخاص آليون ، ولا يكاد دور العامل يعدو دور الإشراف والمراقبة


متعة العمل ودرجة إتقانه

لا ينسى موروا هنا أن يأتي على ذكر العمل اليدوي من حيث أن هذا العمل سواء أكان بسيطاً أو معقداً فإنه محتوم الأداء ، حسن هذا الأداء أو ساء ، فهناك مثلاً من الوسائل لحفر خندق ما ينطوي على مهارة وما ينطوي على غباء ، تماماً كما أن هناك طرقاً تنم عن عناية وأخرى تنم عن إهمال في إعداد أية محاضرة ، فالسكرتيرة التي تنسخ ما يُملى عليها قد تؤدي مهمتها أداءاً عادياً أو تؤديها أداءاً رائعاً ، فإذا هي حاولت أن تؤدي عملها أحسن مما ينبغي عليها أصبحت فنانة ، وجوزيت على إحسانها بالرضى الدائم ، فهي لم تؤد هذا العمل لرئيسها وإنما لإرضاء نفسها وإمتاعها .. وقد تبلغ دقة العمل درجة من الكمال تمكنها من أن تطغى على سواها ، ويستطرد موروا قائلاً أنا حين أتصور الجنة لا أتمثل صورة مكان تعمره أرواح مجنحة لا هم لها سوى الغناء والعزف ، وإنما تلوح في خاطري صورة مكتب أعمل فيه - دون حساب للزمن - في وضع رواية رائعة لا نهاية لطولها بقوة ودقة قل أن أتمكن منهما في الأرض ، وعلى هذا القياس تكون جنة البستاني بستاناً يعمل فيه على هواه وجنة النجار مقعداً يظهر فنه في صناعته دون تدخل رئيس أو عميل

يتبع

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة