2014/12/14

الكُـتاب.. يعانون أيضاً !

بقلم : ياسر حجاج

الكتابة معاناة .. هكذا يُحب الكُتاب على مختلف مشاربهم أن تُوصف دوماً الحالة الخاصة التي يكتبون في ظلالها ، فيعتبرون - وهم مُحقون - أن الكتابة عملاً شاقاً ذهنياً ، ومن ثم بدنياً ، ذلك الكتابة الجادة - وهي هنا ما أعني - أشبه بإنسلال جزء من روح الكاتب إلى حيث منابت الفكرة التي إعتملت في نفسه ، فترى روحه تخالط فكرته ، كحنطة مُزجت بماء ،  ثم قَدر أنها - بعد إختمارها - لجديرة بأن تخرج إلى النور في شكل كلمات وسطور ، ثم في مرحلة أخرى ، رأى انه من المناسب أن لو خرج بها على القراء ، فيطرح تجربته عليهم ، ويشاطرهم الرأي ، وأحياناً المشورة ، لذلك فإنه لا يخالجني شك في أن ما نقرأه وينال إستحساننا ليس سوى روح تتحدث أخذت - لإعتبارات الملائمة - شكل نصوص .

إن المعاناة الحقيقية ، لا تكون إلا عن سبق عناية بالفكرة التي هي في النهاية ليست سوى المادة الخام الأولية لمشاريع الكتابة بوجه عام ، فليست كل فكرة صالحة بذاتها أن تكون مشروعاً ملائماً للكتابة ، بل ليس كل مشروع كتابة صالحاً بذاته أن يكون مؤهلاً للنشر في وقت معين ، ولعل هذا يبرر أن كثير من المفكرين والكتاب والشعراء حول العالم قد بارحوا الدنيا ومازالت أدراج مكاتبهم مثقلة بروايات وأشعار ومقالات وأعمال لم تجد طريقها إلى النور ، إما لأنه لم يُقدر لهم الإنتهاء من إنجازها ، أو لعلهم أنجزوها بالفعل ، غير أنهم رأوا - بعد التدبر - أن أوان نشرها لم يحن بعد وفق التقديرات الموضوعية التي لدى كل واحد منهم .

ولأن الكتابة معاناة ، حقيقة لا مجازاً ، تجد الجادون من الكُتاب يعكفون على ما يكتبون عكوف نحات غير متعجل ولا متهور ، فترى أحدهم يتخير الصور والدلالات أولاً ، ثم ينظر إلى وجه الجمال فيها ، فإن فرغ ، وضع القالب المناسب لها ، ثم يًسكب عليها - من بعد ذلك - ما أُختزل في ذاكرته من جمال الصنعة ودقة الحرفة ، ما يؤدي في النهاية إلى الغاية الختامية من الكتابة ألا وهي شيوع الدهشة .

 من هنا تأتي أهمية التقدير اللازم من القارئ الواعي للكاتب المجد ، هذا التقدير لا ينصرف إلى مجرد الإكتفاء بشراء كتاب له - على أهمية ذلك - ولكنه - وقبل ذلك - هو الإحساس بمعاناته فعلاً ، ومشاركته وجدانياً فيما كتب ، ذلك ان المنتج النهائي بين يدي القارئ مهما غلا ثمنه ، لا يساوى إلا نُذر قليل من حالة فريدة وثرية إنتابت روح أحدهم فرأى أن يُشاركك فيها ، وناهيكم عن دور النشر ، فأن إرتفاع مبيعات الكتب ستسر الكاتب ، وربما رأها مؤشراً على جودة منتجه ، لكن الجاد منهم فحسب من سيُعنى أكثر بوصول رسائله إلى حيث أراد .

***

على الضفة الأخرى تجد صنف آخر من الكُتاب لا ينتمي إلى عالم الكتابة إلا من خلال حيازته لبطاقة عضوية في ( نقابة ) أو (إتحاد) ، بين أحدهم والمعاناة كما بين أوسلو شمالاً ، وكيب تاون جنوباً ، لا أفكار أخذت حظها من النضوج ، ولا منطق يٌحكم به الأمور ، ولا حتى وسائل تعبير مناسبة لا تصدم القراء ، هؤلاء قد نجحوا في قلب التركيبة الكيميائية للكتابة ، فجعلوا المعاناة من حظ القارئ لا من نصيب الكاتب ، أحياناً أقرأ لبعضهم وأجد نفسي - بعد القراءة - متعللاً بالأماني ، أن لو يا حبذا لو وُضعت - حينها - فوق أجهزة التنفس الصناعي .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة