2014/12/18

رسالة من فينوس .



عزيزي / .......
تحية وسلاماً ،،

لعلك تفاجئت الآن عندما رأيت رسالتي ضمن بريدك الإلكتروني صباح اليوم ، نعم إنها انا ، اعلم تماماً كيف هي ردة فعلك الآن ، إعتدلت في مقعدك ، وضبطت نظارتك ، وأسندت وجنتك فوق راحتك ، وترددت في فتح الرسالة للحظات ، ثم أراك وقد جمعت شتات نفسك ، وتنهدت كما تعودت دائماً أن تفعل ، ثم إتخذت قرارك الشجاع بخوض تجربة القراءة لمن إعتقدت دوماً أنها فينوس عصرك وأيام دهرك ، فينوس كما أسميتها أنت ، فينوس كما رأيتها أنت ، لكن يبدو يا عزيزي أن ربة الحب والجمال لم تعد تشكل لديك ذاك الشغف الروماني الذي كان .

عزيزي .. إن إندثار الحضارات ، وإندحار الإمبراطوريات ، لا يعني بحال من الأحوال مصادرة لحظات الألق والبزوغ ، ولا أيام المجد والنبوغ ، وإذا كان نجم القياصرة قد ولى ، فأرجوك أن لا تستحضر دور بروتوس من جديد .
ما بالك جفوت اللحظات ، وضربت صفحاً عن الأيام ، لا أريد هنا أن انعش ذاكرة أعلم تماماً كما هي قوية ، ولآ أريد ان أرسم لوحات للفت إنتباه فنان عاق إلى تاريخ الخطوط والألوان ، لا يا عزيزي .. إنما أكتب لأؤكد لك أن أعمدة النار حول مدرج الكولوسيوم مازالت مشتعلة ، ومازالت تلاطم - رغم السنين - كل محاولات الخمود ، أو حتى دفعها للإكتفاء بلحظات الدفء العابرة من أنصاف الموهوبين ، وذلك كله لم يكن إلا إنتظارعودةً مأمولة لنيرون .

أكتب لك في شهر ديسمبر ، شهرك الأثير ، أو كما تسميه أنت شهر الميلاد والوحشة ، أتذكر ما كنت تقوله دوماً لي من أن السير تحت المطر بلا مظلة هو غاية شاعرية الإنسان ، فهل يا تُرى أما زال لك منها نصيب ؟ أم تراك في رحلة الجحود قد تنكبت الطريق ، وتهت في دروب منطق الملائمة ، ودواعي الموائمة ؟ .

عزيزي .. هل تفاجئت مما كتبت ؟
ما دفعني إلى ما قلت لم يكن سوى حثك على الوفاء الجميل للماضي ولو قليلاً ، وما غرني في ذلك سوى علمي بأنك كثيراً ما كنت تهوي الصعلكة في أزقة ما كان ، ودوماً ما كنت تحب التسكع في ردهات الأبيض والأسود .
ليت شعري .. لكم وددت أن أفرغ من كتابة قصة أبيت أنت أن تكتبها ، بل وأمسكت عن الخوض في تفاصيلها ، وكففت قلمك عن البوح بأي من أسرارها ، وإكتفيت كعادتك بإختبار قدرة حواسك على التذكر ، وكأنك تقول لي : ها أنا اتذكر !! هذا إذن هو كل ما تستطيع فعله لي ، فقط أن تتذكر ! .

سأذكرك أنا بقصة قديمة ، يوم أن إنفرطت المسبحة من يديك ، وتدحرجت حباتها في أرجاء الأمكنة والشقوق ، وبعد جهد جهيد لم تقدرعلى جمعها كلها ، فظل بعضها عصي على الظهور أمام عينيك ، وبمنأى عن أطراف أناملك ، وفشلت بالتالي عملية نظم المسبحة من جديد ، وإعادة سيرتها الأولى .
أتذكر أنك شعرت ببعض الضيق المكتوم ، ولكنك لم تيأس من إعادة المحاولة مرة بعد مرة ، صحيح لم تكن النتيجة مختلفة إلا من حبات عرق نازفة من جبينك ، إلا أنك نظرت إلى حبات المسبحة التي أفلحت في جمعها ، ثم أنك تأملتها ملياً ، وأدرتها في راحة يدك ، وتوجهت إليها بلسان السائل المتشكك :-

- أتصلحين بنقصانك الماثل في تشكيل بداية جديدة ومختلفة  ؟
عند هذه اللحظة بادرتك باسمة :-
- يا هذا .. لما تسقط الأشياء دائماً من بين يديك ؟ .
جاءني الجواب سريعاً :-
- مللاً !!
هذا هو إذن ... الملل ! هل كفتك إشارتي  ؟

عزيزي .. لقد قلبت أمرك على كل الوجوه ، فما أفلحت في الوقوف على موضع يقنعني بإرتحالك ، ولا سبب يشي بإعراضك ، ومع ذلك فإنني أعدك بأنني لن أكون حبة ضائعة أخرى من حبات مسبحتك ، ولن يكون حظي من الأمر النسيان ، ولا قصاصة مهملة في كتاب عتيق ، لا .. سأظل وفية لإرتشاف قهوة الصباح ، ومعاودة السهر في الشرفات حتى ينبلج النهار ، وضيف شرفي الدائم لن يكون سوي قميصك الذي أهملت ، وقنينة عطرك التي تركت ، فأنا لم أكن يوماً ملولة ، لا ولن أكون .
في النهاية .. ما أطلبه منك ليس سوى الرجاء بأن لا تهمل رسالتي ، ولأ تهدر مقالتي  ، وتحلى بشجاعة الرد والإنصاف ، ولا يكون حظك من دراسة القانون أن تعكف فحسب على خط أسباب براءتك أو تسطير مبررات عقابي ، مع رجائي أن لا أكون قضيتك الأولى الخاسرة .

هناك تعليق واحد:

ليلى يقول...

رائــــــعه سلمت يداك

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة