2014/12/25

المسيح يُصلب من جديد .


 

عزيزي / .........
تحية طيبة ، وعيد ميلاد مجيد

أكتب إليك في يوم عيد الميلاد ، بعد أن شاركت مساء البارحة في الصلاة بكنيسة القديس بطرس حيث كانت الأجواء إستثنائية النسمات حقاً ، رغم برودة طقس روما في هذا الوقت من العام ، لكن الدفء الآتي من ناحية الشرق – حيث تقيم - كان يقوم بدور مساعد ، ومحرض لطيف للغاية للإستمرار حتى إنتهاء مراسم الصلاة .
خرجت من الكنيسة وطالعتها من الخارج وطفت قليلاً من حولها وأنا أتذكر كيف أنك وصفت لي الظروف المصاحبة لبنائها إبان عصر النهضة ، وأن الرسومات الموجودة بها وكذا التماثيل وكورال الموسيقى المصاحبة للطقوس تكاد تشبه إلى حد كبير تلك الأعراس المقدسة المدونة في الأساطير .

خرجت من الكنيسة حيث كانت الأجواء بالخارج مشبعة بالفرح والبهجة ، شئ لا يُصدق ، فالشوارع مكتظة بالمحتفلين ، وفاترينات المحلات مزدانة بشجرة عيد الميلاد ، وسرور الأطفال يعبق المكان برائحة البراءة البادية من عيونهم ، لم تكن الحانات أقل بهجة ، وإن كانت مزدحمة قليلاً .. ليتك كنت هنا .
 بعدها ذهبت مباشرة إلى المنزل سيراً على الأقدام هذه المرة ، وبدلت ملابسي ، وأكملت زينتي ، وطالعت مرآة غرفة نومي ، وتحسست بشرتي ، آه يا عزيزي لقد النال منا الزمن أخيراً بعد مقاومة لم يُكتب لها الصمود ، وعملت بنصيحتك .. رقصة صوفية مولوية عكس إتجاه عقارب الساعة ، شعرت بعدها بدوار لم أغالبه ، حتى إنطرحت على فراشي وانا أكثر صفاءاً وسكينة .

خرجت وجلست في غرفة الإنتظار مترقبة بابا نويل يطرق الأبواب حاملاً هداياه للعام الجديد ، تلك الهدايا التي إعتاد دوماً أن يهديها لي عبر الجانب الآخر من المتوسط ، وظللت أرقب هاتفي المحمول إنتظاراً لمكالمة تحمل التهنئة بالعيد .

مضى وقت لا أدري أقليل هو أم كثير ، وإذا بإشعار يلبي النداء يُنبئ أن رسالة بالطريق ونص مقتضب يحمل عنوان لها أسميته أنت (إلى فينوس ... مع التحية) .
طرت فرحاً .. يا إلهي إنه مازال يناديني بفينوس ، طالعت الرسالة ، وإذ بي أكتشف أن بابا نويل هذه المرة كان منشغلاً بتجهيز هدايا غير التي إعتدتها ، وبطاقة تهنئة على غير الهيئة التي كنت أعرفها ، نعم ... بابا نويل يا عزيزي أرسل على صندوق بريدي الإلكتروني رسالة مفخخة ، وكلمات بطعم البارود  .

في البداية تلقفت رسالتك بنبض متسارع ، وتعرق داعب الجبين ، وحمرة سرت في بدن قد كساه الجليد ، وبدأت في القراءة على مهل ، وأنا لا أكاد أصدق ما أقرأ ، وبعد الإنتهاء من مطالعة آخر جملة ، وآخر كلمة ، صرخت بلا صوت : أهذا هو أنت حقاً ؟ أأنت صاحب هذه الرسالة ؟ ومن فرط عجبي وإرتباكي وجدتني أطالع أعلى الصفحة الحاملة لرسالتك الإلكترونية ، نعم .. نعم .. إنه بريدك وذاك إسمك ورسمك .. إذن فهو أنت ، أنت أنت ، وليس أحد سواك كما أملت !!

لبرهة ..غبت –  ودون وعي - عن أجواء عيد الميلاد ، والفرحة التي منيت بها النفس ، ثم رأيتني أشرع أبواب الشرفة المطلة على حديقة المنزل إلتماساً لهواء يرطب أثر الجذوة التي زرعتها – بلا رحمة - داخلي ، ثم جلست على ذات مقعدك في ركن من الشرفة أعيد قراءة ما كتبت ، تحسست الكلمات من جديد ، إنها هي هي ، لم تتغير صورتها في قراءتي الثانية لها ، وجدتها لا تحتمل تأويلاً بخلاف ما كنت تنتويه وتقصده ،  فما الذي دهاك ؟ وكيف طاوعتك أناملك - التي ما عرفتها إلا رقيقة – على أن تخاطبني على هذه الشاكلة الجافة ؟ بل كيف طوعت لك نفسك الهادئة أن تحملها على غير ما تحب ، فتوردها موارد لا عرفتها يوماً ولا ألفتها ؟

أحقا هي أنا من كنت تخاطبها في رسالتك ؟
أجبني أرجوك ، فما زلت غير مصدقة أنك أنت يا من عمدته مراراً بماء الندي ، هو من يصلب المسيح من جديد ، ومتى ؟ في عيد ميلاده المجيد !! .
                                                                                                    فينوس
روما , إيطاليا
Dec 25,2014

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة