ولدت أوائل حقبة الستينات ، وهي حقبة كثيراً ما أسميها الآن بحقبة الأبيض والأسود وهي تسمية تعود إلى أن هذه الفترة كانت فعلاً مطبوعة بهذين اللونين على المستوى الإنساني والحضاري بشكل عام ، فعلي المستوى الإنساني كانت القيم النبيلة والمشاعر السامية السائدة وأخلاق الفرسان تقف وبكثرة ملحوظة في الخانة البيضاء وبكل وضوح .. لا يقابلها سوى القليل ممن يصطف في الخانة المقابلة ... كانت الفواصل والحدود لم تزل قائمة .. فقد كان للعيب معني ، وللأصول والتقاليد معنى ، ولم يكن هناك ذلك التداخل غير المتناغم بين الألوان التي إستجدت بفعل الزمن والتطور الحضاري اللا إنساني في كثير من الأحيان والذي يطبع حياتنا هذه الآونة .. فمن الأشياء التي أؤمن بها أن كل تطور يطرأ على عمر إنسانيتنا لابد وأنه يأتي على حساب قيمة ما ، فمقابل ثورة التقدم التكنولوجي الهائلة الآن تآكلت في المقابل العديد من القيم والعادات والمنظومات الإجتماعية الرائعة ، ويبدو أن الأمر مرشح للتزايد حقبة بعد حقبة ، ولا يملك المرء الآن سوى النظر إلى هذه الحقبة نظرة اليائس المتحسر ليس إلا ، والشعور بالإغتراب عن الواقع .. وإذا حاولت ضرب أمثلة للتدليل على ما سبق فإن المقام قد يضيق بي ولكن لا بأس من التعرض لمثال منها بمفهوم مخالفة الواقع .. فأين مثلاً هي الآن الصالونات الأدبية التي هي ملتقي المفكرين والشعراء والأدباء والنقاد ؟ أين هي الآن المعارك الأدبية والفلسفية المستعرة بين أساطين الفكر على صفحات الجرائد والمجلات والتي كانت تصب في مصلحة القارىء فتصيب عقله ونفسه وروحه برزاذ من جميل المحاورة والمناظرة ؟ ، أين هي الصحافة الجادة التي كانت مصدر إشعاع وتنوير لجموع المواطنين ؟ أين هي سلاسل الكتب الذهبية شكلاً ومعنى والتي مثل إصدارها آنذاك نقلة ثقافية ووجبة دسمة للمتلهفين على المعرفة ؟ هذه هي الحقبة البيضاء وبوسعك الآن عقد مقارنات خفيفة وستتلمس ببساطة موضع الإصطفاف الذي نقف فيه الآن وبكل ألون الطيف ومن بينها بالتأكيد لون هذه العصر .. البمبي المسخسخ ... بالمناسبة عزيزي القارىء ... أنت لونك إيه ؟
2007/02/27
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
موضوعات المدونة
- عندما يأتي المساء (127)
- أوراقي الصفراء (36)
- مقالات برمجية (16)
- قول من قول (11)
- مكاتيبي (9)
- القوارير (6)
- مصر الثائرة (6)
- الآتيليه (4)
- غفوات النفس (1)
هناك 3 تعليقات:
آهٍ يا ياسر
تمر وتمكر بنا الأيام
تراوغنا وتجعلنا ننظر في لحظةٍ ما إلى الوراء لنجد أننا أبناء جيلٍ يشعر باغترابه عن هذا العالم الذي زادت ألوانه عن الحد المسموح
لم تعد الحياة بتلك البساطة: الأبيض والأسود.. ربما فقدت الكثير من أسرارها ودهشتها
لكن المهم أننا هنا.. نمنح الآخرين عصارة أفكارنا وخلاصة تجاربنا..ونهديهم محبتنا.. لأن التواصل سُنة الحياة والجسر الذي نعبر فوقه لنتلاقى..عند نقطةٍ ما
محبتي
عزيزي / ياسر
لا أعتبر مداخلتك هذه مجرد تعليق على تدوينتي بقدر ما كان ينبغي أن تكون جزء لا يتجزأ منها لإرتباطها بشكل نفسي وعضوي بها ... أشكر لك مرورك وتعليقك الذي أضاف إليها الكثير ... وتقبل خالص تحيتي وإحترامي
Magnificent idea
إرسال تعليق