بقلم : ياسر حجاج
منذ أكثر من عشر سنوات وتحديداً في العام 2004 ،
أثار الملك عبد الله الثاني عاهل الأردن جدلاً سياسياً (جاداً) حول التمدد الشيعي
الإيراني إلى دول جوارها ، وكذا إلى دول أخرى في المنطقة العربية ذات أغلبية أو
أقلية شيعية ، فيما أسماه وقتها (الهلال الشيعي) والذي صُك
بإسمه بعد أكثر من عام ، على غزو قوات التحالف الدولي للعراق ، بقيادة الولايات
المتحدة الأمريكية ، فيما سمي بحرب الخليج الثانية ، التي إندلعت إنطلاقاً من ،
وتأسيساً على ، مبدأ ضرورة تجريد العراق من أسلحة دماره الشامل ، حيث تبين فيما
بعد وبشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وكذا المفتشيين الدوليين ذوي
الإختصاص ، خلو العراق من أية أسلحة دمار شامل ، وسقط بالتالي كل (مبرر أخلاقي) أو
(قانوني) لهذه الحرب .
وبعيداً عن المآسي الإنسانية التي خلفتها هذه
الحرب ، فإن رابح كبير ، كان يرقب المشهد من بعيد (إيران) ، والآن .. يبدو
أننا بحاجة إلى إبداء قدر من الإمتنان لجلالة الملك عبد الله الثاني ، لسعة أفقه ،
وحسن إستشرافه للمستقبل ، فالخريطة العربية والإقليمية ، تُعاد صياغتها الآن
بأكثر من طريقة ، من بينها - موضوع المقالة - مسألة
التمدد الشيعي في المنطقة العربية ، وبمباركة غربية ربما .
إستدراك
:
يكاد لا يجد المرء مثالاً حياً ونابضاً ومتجدداً على (خلط الدين بالسياسة) ، مثلماً يجده في الفكر الشيعي القديم والمعاصر ، فكل قضية
سياسية ، لها أصل ثابت عندهم في التاريخ الإسلامي القديم ، فمنذ عقدين من الزمن ، كانت تربطني صداقة محفوفة
بالود والإحترام بأحد الأصدقاء الشيعة الكويتيين ، وكانت النقاشات بيننا ، تُشرق
وتُغرب ، في الحالة السنية الشيعية ، وفي نهاية كل نقاش تقريباً، كان هذا الصديق
يعود بي إلى النقطة التي يعتبرها سبباً رئيسياً للتمذهب والفرقة بين جناحي الأمة
المسلمة ، حيث كانت هذه النقطة - في ظنه - الواقعة التاريخية المبكرة ، التي تولى
فيها الصديق أبو بكر ، خلافة المسلمين ، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وأله وسلم ،
متجاوزاً علي بن طالب ، الذي نُـحيَ عن إمامة المسلمين بفعل الهوى والسياسة ، حسب
رأيه .
بمرور الوقت ، وبإطلاع لافت على الكثير من الكتب
والمراجع الشيعية ، وزيارات عديدة لمجالس عزاءهم (الحسينيات) ، وبالحديث إلى عدد
لا بأس به من أتباع هذا المذهب ، بدا لي أن رأي صديقي ليس سوى صدىً لغالبية
الأفكار والأراء التي يعتنقها هؤلاء ، فأتباع مدرسة (آل البيت) ، مازالوا للأن ،
يعتبرون أنفسهم الأحق بتولي خلافة المسلمين ، بحسبانهم أحفاد عترة النبي وآل بيته ، وما
على أتباع مدرسة (الصحابة) من أهل السنة ، سوى الإنصياع للأمر ، والعمل على
(تصحيح) خطأ تاريخي ، وقعت أحداثه في سقيفة بني ساعدة يوم وفاة النبي محمد (ص) .
والحقيقة أن الشيعة ، لا ينفكون يذكرون الناس ، بمصاب آل البيت ونفر من عترة النبي (ص) ، هذا المصاب الذي ما كان له أن يحدث ، لو أن الخلافة الراشدة قد وصلت إليهم ، مستندين في ذلك ، إلى العشرات من الأحاديث ، الروايات ، والحكايا ، ببطون كتب التراث السنية والشيعية على السواء ، وبالتالي فإن أي تراجع شهدته الأمة في زمن من الأزمنة ، لم يكن سوى نتيجة طبيعية ، لتجاوز أئمتهم ، في تقلد الولاية ، أو إمامة المسلمين ، كما أن أي تراجع مستقبلي ، لن يكون - حسب معتقدهم - إلا بسبب إستمرار إقصاءهم عن هذا الدور ، ويبدو أن الشيعة ، وفي القلب منهم إيران بالطبع ، قد ملوا أخيراً طول الإنتظار ، فعكفوا على رسم هلالهم بأيديهم ، بعد أن خرجوا أو كادوا من (طور المحاق) .
*****
فأين يقع الهلال الشيعي ؟
يمتد الهلال الشيعي ، بشكله المحيط ، وطرفيه
المدببين ، ليغطي عدد من العواصم العربية التاريخية ، التي كانت في حقبة تليدة
وملفتة ، مهد لأنظمة الحكم (السنية) ، كبغداد عاصمة الخلافة العباسية ، ودمشق
عاصمة الخلافة الأموية ، فنظرة بسيطة على الخريطة الشيعية في المنطقة ، قد تُعطيك
شاهد من الخبر .
فمع سقوط بغداد عام 2003 ، وتنامي المد الشيعي ، بل وصعود رموزه لسدة الحكم في
البلاد ، بدا أن أحدهم في إيران المجاورة ، أخذ يتنفس الصعداء ، ويرى من خلال عدسة
تاريخه مكبرة ، أن الأمور ربما في المستقبل القريب ستنحو المنحى المثالي ، الذي من
شأنه أن يُحيل غابر المشاهد ، إلى واقع معاش تراه الأعين ، دون الإكتفاء بتمنيات
وأدعية وصلوات .
ومع الحرب الدائرة
الآن في سوريا ، كان المشهد مختلفاً ،
فالأمل يراود الإيرانيون ، أن لا يسقط نظام الحكم هناك ، وبأي ثمن ، بحسبان الطبقة
الحاكمة ، تتحدر من فرقة شيعية علوية ، وإن تكن مختلفة بالطبع عن الفرقة الغالبة
للشيعة (الإثنى عشرية) أو (الجعفرية) أو (الإمامية) ، فبقاء رموز شيعية حاكمة وقابضة
على المشهد ، حتى ولو من مدرسة مختلفة ، هو أمر يحرص عليه الإيرانيون أيما حرص ،
إلى الحد الذي حدا بأحد كبار المسئوليين الإيرانيين إلى التصريح بفجاجة ، أن فقدان
جزء من الأراضي الإيرانية سيكون أخف وطأة بالنسبة لهم ، من أن يسقط النظام الحاكم
في دمشق .
وفي دولة الجوار السوري (لبنان) ، فحدث ولا حرج ، فحزب الله اللبناني ، بقيادة أمينه العام حسن نصر الله
، ليس سوى وكيل معتمد لإيران في لبنان ، ورقم صعب للغاية في المشهد السياسي
اللبناني ، ناهيكم عن حركة أمل الشيعية ، التي يترأسها ، رئيس مجلس النواب
اللبناني نبيه بري ، حيث غالباً لا يتم تمرير أي قانون أو تعيينات حكومية بارزة ،
إلا بموافقة هذين الفصيلين البارزين ، ومن دونهما ، فإن كافة الإجراءات والقضايا
ذات الأهمية القصوى ، ستظل تراوح مكانها ، وليس أدل على ذلك ، من أن لبنان وحتى
هذه اللحظة ، ليس لديها رئيس توافقي للجمهورية منذ قرابة العام ، وعندما
تحين لحظة الإحتقان ، ويتململ آيات الله في طهران ، فسترى بالتأكيد ، جموع الشيعة
اللبنانيين ، بملابس كربلائية سوداء يغطون شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت ، رافعين
أعلام حزبهم ، وصور مراجعهم الدينية ، مع عنوان عريض غير مكتوب هذه المرة ( نحن
هنا ) ، لتذكير من عساه تخونه الذاكرة .
في صنعاء اليمن ، الذي كان سعيداً ، ميليشيا (أنصار الله) الحوثية الشيعية الزيدية ،
ذات الأقلية العددية ، التي كانت قابضة على المشهد إلى وقت قصير ، أدارت صراعها المذهبي بفجاجة ، فقد اسقطت الحكومة المركزية ، وأجبرت رئيس الجمهورية على
الإستقالة ثم الفرار إلى عدن
جنوباً ، فإندلعت عاصفة الحزم ، التي يبدو أنها لم تكن حازمة بما فيه الكفاية حتى الآن ، وها هي إيران تجوب المياه الدولية القريبة من الحدود اليمنية ، آملاً في تحرش ما ، يكون من شأنه تخفيف وطأة الحصار المضروب على أنصارهم هناك .
لا أنسى بالطبع التعريج على منامة البحرين ، وإحساء وقطيف المملكة السعودية ، ولا جزر دولة الإمارات الثلاث المحتلة ، ولا التحرشات الخفيفة ببعض أحياء القاهرة الفاطمية بعتباتها (المقدسة) ، فكل هذا يصب في النهاية لمصلحة صقل ألوان الهلال الشيعي ، الذي سيغدو متواضع الشكل والمعني في قريب العهود ، إذا ما قُدر له أن
يتمدد أكثر وأكثر ، ليغطي مساحات أوسع من العواصم العربية الكبرى ، فيغدوا الهلال
بدراً ، ترنو إليه أفئدة المحبين ، والذين ينظرون بمزيد من الأمل إلى معاودة
الإستماع إلى مقاطع من الشاهنامة الإيرانية التراثية ، ومعاودة ترديد إسم فارس من جديد ، مع التعريج على الأيقونات الإيرانية التليدة كقورش ، وداريوش ، وخلافهما ، التي غالباً ما يتم إستدعاؤها ، وسط صخب الطبول المؤذنة بالحـرب ، فبوسع الإيرانيون أن يقدموا للعالم ولجيرانهم من الخليجيين خصوصاً ، بضائع خشنة وغير تقليدية ، بخلاف فستقهم الشهير ، وكافيارهم ذائع الصيت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق