بقلم : ياسر حجاج
نعم .. فقد نجح الأزهر الشريف جداً ، في دفع قناة
فضائية إلى وقف بث برنامج يدعوا إلى التفكر والتثبت والمراجعة ، بينما لم يفعل
الشئ ذاته عندما قامت ذات القناة ببث مجموعة حلقات من مسابقة مونديال
الراقصات ، اللائي تبارين في إظهار مهارتهن ومفاتنهن فيما يًسمي بالـBelly Dance أي الرقص الشرقي .
ويبدو
أن هناك أحد ما قد قام (كالعادة) بعمل (التخريجات المناسبة) لتبرير هذه الإزدواجية
، تأسيساً ربما على قاعدة أن (إظهار المفاتن) ، أخف ضرراً من (إبراز المخازي) ، ومن ناحية أخرى ، لا أدري
حقيقة الثمن الذي قد ينتظره صاحب القناة ، إن لم يكن قد قبضه بالفعل .
عند كل محاولة للفهم ، وفي ضوء كل تحريض على الوعي ، كان
هناك دائماً فرسان المعبد عبر العصور ، في وضع الإستعداد الدائم لإنجاز المهام ،
وفي خلفية المشهد ستجد أن هناك من يرقب من بعيد ، من خلال أستار داكنة ، ونوافذ
عتيقة الطراز ، حيث يجري من خلفها العكوف على إستنبات بعض من مقاطع لغة تليدة ،
يتم مزجها بأقوال أهل الأمصار ، وما بين راجح ومرجوح ، وفاضل
ومفضول ، وجاذب ومجذوب ، وكل شئ وضده ، تأتي مرحلة (الضرب والقسمة) ، (والحذف
والإضافة) فيطيب الطهى ، على نار لم تنطفئ جذوتها منذ قرون ، وما أن تفوح الرائحة
، ويسيل الدهن ، يصدر التكليف ، فتنطلق السهام المصقولة في كل إتجاه ، فتصيب ما
شاء لها أن تصيب ، وتردع كل من تحدثه نفسه (الآثمة) بمحاولة إعادة تأمل النصوص ،
أو التمرد على قانون (المحفوظات) ، وفقه (الُمعلقات) ، وعندما يبدى أحدنا تساؤلاً ،
أو يُظهر إمتعاضاً ، يجد نفسه مُلقى - بلا رحمة- خارج أسوار الأبجدية بكل
تفعيلاتها وتلويناتها البلاغية .
عجباً .. مازالت للآن تروق للقوم أحاديث السمر والنميمة بدار الندوة ، وإستراق
السمع للجدل الدائر بسقيفة بني ساعدة ، والشماتة في الفرزدق من قول جرير ،
والتشنيع على الحسن بن هانئ (أبو نواس) ، وإبداء قدر من التعاطف مع قيس المشبوب بحب
ليلى ، والتبسم لدى مطالعة قدر من نصوص كتاب الإمتاع والمؤانسة ، أما محاولات الفهم وحسن الإدراك ، فغالباً ما يتم الإحاطة بها من كل جانب ، وإحباطها منذ
الوهلة الأولى ، لأن إستفحال الأمر ، وما يستتبعه ذلك من بسط سلطان العقل ، سيجعل
بضاعة القوم راكدة ومكدسة في الطرقات ، لا تجد من يلتقطها ولو بأزهد الأثمان ، فينشأ
صراع إستقطاب الزبائن (أنا وأنت) ولو بالقوة ، ويغدو الدين مغروزاً وتائهاً في
آليات وإقتصاديات السوق ، وقوانين العرض والطلب ، والنشر والحجب ، والإتاحة
والحرمان ، دون مراعاة لأية معايير دينية أو أخلاقية .
لا أدري إن كان بوسع الأزهر أن يقدم كشف حساب للأمة عن العقود الأربعة
الأخيرة ، يبين من خلاله إنجازاته ، ونتائج مجهوداته الروحية (جداً) ، والدعوية
(جداً) ، والوسطية (جداً) ، إزاء المشكلات التي تعصف بالمجتمع كالبطالة والفساد
وسوء الأخلاق والضائقة الإقتصادية والعنف والإرهاب وغيرها ، اللهم إلا تلك الأقوال
(المتكلسة) فارغة المضمون ، تافهة المحتوى ، التي لا ينبني عليها عمل حقيقي ، ولا تصلح
بذاتها لأي نهضة ولو في حدها الأدنى ، وإلا فإن واقع الحال يُنبئ أننا تقريباً لا نكاد نشعر بوجود الأزهر إلا من خلال تشنجات بعض من مشايخه ، وتلك الحالة العصبية الضاغطة عليهم لدى أي حديث من أي أحد عن ضرورة تجديد خطابهم الديني ، حيث تنتفخ أوداجهم ، ويظهر بوضوح عصبهم العاري الذي يحاولون بكل وسيلة مداراته ، إنما فقط بعمائمهم الحمراء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق