بقلم : ياسر حجاج
في أجواء غير حيادية ، وطقس مسموم ، أجريت
ما أُعتبر مناظرة بين كل من الباحث / إسلام بحيري من جهة ، والداعية الصوفي الحبيب
علي الجفري ، والدكتور أسامة الأزهري من علماء الأزهر الشريف من جهة أخرى .
لم يتسن لي متابعة هذه المناظرة ، ولكن قرأت
عدد كاف من التعليقات حولها ، وأياً ما كانت النتيجة التي يتبناها أنصار كل فريق ،
فقد بدا لي من الوهلة الأولى أنها تفتقد لأبسط قواعد الحياد والموضوعية ، ذلك أن
إثنين من المتناظرين يمثلان وجهة نظر واحدة كانا في مواجهة شخص واحد وهو الباحث
إسلام بحيري ، ناهيك عن الأجواء التي سبقت المناظرة ، التي نالت من الأخير إلى حد
إخراجه من الملة بالكلية ، ولم يتبق سوى أن يكون أحدهم مهيئاً لتنفيذ الحد على هذا
الذي أسموه مارقاً .
إنقضت المناظرة ليهلل السلفيون والأزهريون
التقليديون والمتنطعون ، لما إعتبروه نصراً حاسماً وكاسحاً على الباحث إسلام بحيري
، الذي تسبب بنفسه - فيما أظن - في النتيجة التي يتحدث عنها الكثيرون الآن ، ولعل
أهم ما خرجت به وتعليقاً على هذا الأمر ، أنه بوسع المرء أن يكون لديه - من حيث
المبدأ - قضية عادلة جديرة بالدفاع عنها ، لها من الأدلة والشواهد والقرائن وشهود
الإثبات عليها ، ما يجعله موقناً بها ، مطمئناً إلى سلامة موقفها ، ولكنه لم يحسن
عرض وقائعها ، أو توظيف الظروف المحيطة بها بالشكل الذي يخدم قضيته ، فتكون
النتيجة على غير المأمول والمرتجى ، فتضيع بالتالي عدالة القضية ، ونبل المقصد ،
ويتوارى صوت العقل ، وسط صراخ الغوغاء المختلط بالتكبير والتهليل .
إذا أعتبر كل من الحبيب علي الجفري ،
والدكتور أسامة الأزهري ، قد فازا في هذه المناظرة غير المتكافئة ، كما تؤكد ذلك
أغلب التعليقات ، فليكن ، ولا يحزنني الأمر على كل حال ، رغم تعاطفي اللا محدود مع
جوهر القضية التي يوليها الباحث / إسلام بحيري جل إهتمامه ، وعليه أن أراد مواصلة
السير في هذا الطريق الوعر ، أن ينتبه لموضع قدمه ، فالكل الآن مشغول بعرقلته ،
وإيقاف مسيره ، بل وتغييبه عن المشهد إن إستطاعوا ، كما عليه أن يتبنى طريقة أخرى
، أو مساراً بديلاً ، يقلل به حدة الإنتقادات التي نالت منه والتي كانت تصب في
الأساس حول بعض (التفلتات اللفظية) هنا أو هناك ، فنجح المناؤون في إصطياده من
خلالها غير مرة ، صارفين بذلك أذهان الناس عن التفكر حول حقيقة الأمر ، وجوهر
القضية .
إن محاكم التفتيش لم يعد من الممكن الآن
قراءاتها في سياق تاريخي ممل ، فأنا وأنتم أناس محظوظون حقاً أن أتيحت لنا رؤية
بعض من مشاهدها على الهواء مباشرة .
صحيح أن هذه المحاكم تصدر أحكامها المسبقة
قبل التحقق والتمحيص ، وصحيح أن قضاتها يعتبرون أنفسهم على حق طوال الوقت ، وصحيح
أن المجددين والراغبين في قراءة واعية للنصوص كثيراً ما أنزلت بهم العقوبات ، أو
أجبروا على التبرؤ منها ، ولكن صوتاً ما داخلهم ، كان يئـن - وإن يكن في صمت - من
أنهم على حق .
*****
نص توراتي قديم كان موضع جدل ، حيث البطل
العظيم (جوشوا) ، الذي طلب من الله أن تتوقف حركة الشمس ، ولا يهبط الظلام ، حتى
يتسنى له القضاء على أعداءه في رابعة النهار ، فكيف لعالم كبير مثل جاليليو جاليلي
أن يأتي ويقول أن الشمس ثابتة أصلاً لا تتحرك ، بينما الأرض هي من تدور حولها ؟
حُمل الرجل الذي ناهز السبعين من عمره آنذاك
، إلى حيث محكمة التفتيش التي يترأسها رجال دين ، حيث خُير ما بين الحرق ، او
التبرؤ من نظريته ، فإختار صاغراً النجاة بحياته ، واصفاً نفسه بالمسكين البائس ،
ولكنه عندما ، أخرج من المحكمة ، سمعه البعض يقول (ولكنها تدور) ! وتمضي الأيام ،
وتثبت صحة نظرية (المسكين البائس) ، الذي أراد قراءة مغايرة لنص عتيق .
في الختام ، إن كان لي من نصح للباحث /
إسلام بحيري ، فهو أن يعمل ويجد ويجتهد طالما كان مؤمناً بعدالة قضيته ، ولا بأس
إطلاقاً من تغيير الطريقة والنهج ، مع المحافظة على جلاء الهدف ، وصفاء الغاية ،
وأقول له ، يا عزيزي إسلام .. لا عليك من أولئك الذين لا يعرفون سوى الإختباء
المريب وراء عمامة أو قفطان ، فأنت إنما قد دنوت - ربما بغير حساب - إلى لقم عيشهم
، وبضائعهم المزجاة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق