بقلم : ياسر حجاج
مرة أخرى ، وليست أخيرة فيما يبدو ، إنتصر الكهان ومانحو
الصكوك ، في إيقاف برنامح الباحث الشاب / إسلام البحيري (مع إسلام) ، على قناة
القاهرة والناس ، التي أصدرت بياناً من ضمن ما جاء به ، أن القناة لا تشجع المناظرات أو حتى البرامج التى تفرق
بين المسلم وأخيه المسلم ، واستجابة للإمام الأكبر للأزهر الشريف فى تحكيم العقل ،
حيث أكدت القناة أنه من الأفضل أن تدع علماء الدين وعقول الأمة المستنيرة هى التى
تتصدى لقضية تجديد الخطاب الدينى بعيدا عن الإعلام المرئى، الذى يسعى بطبيعته ،
إلى الإثارة والجدل حفاظاً على وجه الإسلام الصحيح ! .
هذا
بيان أقل ما يُوصف به أنه تلفيقي بإمتياز ، ومراوغ حد الصدمة ، به من الميوعة
والخنوثة الشئ الكثير ، وذلك - على أي حال - شأن أي تبرير هزيل عبر التاريخ ، وشأن
أي عنوان تقليدي سقيم ، يتم إستدعاؤه على عجل ، كلما دعت الحاجة إلى إسكات صوت ،
أو الحد من سطوع ضوء يُراد له أن لا يقع على مخازي القوم وإسفافهم وخيالهم البليد .
إذن
.. فقد إنتصر الأزهر وأشياخه ، وغيرهم من السلفيين ، من أصحاب (النطاعة الفكرية) ،
في معركة - بالتأكيد - سيكونون هم - وليس غيرهم - الخاسر الأكبر فيها ، ولو بعد
حين .
هذا
ليس نهاية المطاف ، ولعلها بدايته ، وليكف الرئيس المصري / عبد الفتاح السيسي ، عن
دعواته المتكررة إلى تجديد الخطاب الديني ، وإحداث ثورة دينية حقيقية بشأنه ،
فهاهي دعوتك فخامة الرئيس قد مُرغت بالتراب ، حيث أعاد لك سدنة الخطاب الديني هذه
الدعوة ، وردوها على وجهك بكل صفاقة ، مع عنوان بسيط يحمل عبارة ( عذراً فخامة
الرئيس ... برجاء المحاولة في وقت لاحق ) !! .
إن
الرئيس المصري بدا متململاً أخيراً من كثرة مناداته بتغيير الخطاب الديني ، وإحداث
ثورة دينية حقيقية إزاء التفسيرات والإجتهادات ، والقراءات التقليدية القديمة لبعض
من أصول ومنابع الدين ، والتي ساهمت إلى حد كبير في (طبع) صورة سلبية تماماً عن
الدين في أذهان غير المسلمين عبر العالم ، ناهيكم عن قطاع غير قليل من المسلمين
الذي بدأ (بحك) رأسه ، في محاولة للفهم ، وفك الإلتباسات العديدة ، والأحاجي
الغامضة ، ولكن دون جدوى ، وبدا الرجل من كثرة مناشداته ، وكأنه فقد القدرة على
إدارة المسألة ، أو الدفع بها إلى مسار أكثر إيجابية ، متحسباً في ذلك - ربما -
دعاوى وأباطيل وتهم ، يتم الدفع بها غالباً في هكذا أحوال ، وإذا كان الرئيس يشعر
بغصة أو إحباط جراء التفاعل السلبي مع دعوته ، فهذا - على كل حال - شأن كل من أراد
حفظ البلاد والعباد ، فأناط الأمر بالمارقين من سلطان العقل، والهاربين من شرطة
التاريخ .
*****
يستمد كل دين سماوي قوته المعنوية ، ليس من خلال
أتباعه والمؤمنين به فحسب ، ولكن من قدرته الذاتية على الإستمرار والصمود ، بما
يحمله من معايير أخلاقية سامية ، ورؤىً إنسانية عميقة ، وتكاليف ربانية جرى الأمر
بها ، والحض على إتباعها من الله رب العالمين ، لما سبق في علمه سبحانه من أن هذه
(التكاليف) ، لا يمكن أن تناقض أخلاقاً ، ولا أن تصطدم مع الفطرة الإنسانية بأي
حال من الأحوال .
إن رجال الدين الذين لا يصمدون أمام رؤى مختلفة ، وتضيق
صدورهم حرجاً بالإجتهادات المتنوعة ، والأراء الجديدة والتي لا تتناقض لا مع جوهر
المعتقد ، ولا مع سلامة الفطرة ، هم في الحقيقة رجال يصعب بالتأكيد الدفاع عنهم ،
أو إيجاد العذر الملائم لمواقفهم المدافعة بإستماتة عن كل ما هو قديم وعتيق ،
لاسيما إذا كان محل دفاعهم ، ليس سوى إجتهادات أيضاً سبقنا إليها نفر من المسلمين
، يجري عليهم ما يجري على سائر البشر من الصواب والخطأ ، والغفلة والنسيان ، بل والطيش والجموح أحياناً .
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق