بقلم : ياسر حجاج
دفقة مطر قصيرة كانت أكثر من كافية ، ليعمل السلم الموسيقى بكامل طاقته ،
لتبدأ بعدها أماسي المرح ، دفعة من هواء لطيف عبر نافذة مواربة ، كانت تفي بالغرض
لتحيل الستائر المرتعشة إلى راقصات باليه على أنغام سيمفونية ألف ليلة وليلة
لريمسكي كورساكوف ، أما وقد إنقطع التيار الآن ، فالترحيب بات لازماً بالكائنات
الشفافة السابحة في فضاء المكان ، تبدأ الآن جلسات نقاش أحادية بين الصوت والصدى ،
والرهبة المحفوفة بالرجاء ، على ضوء كشاف إضاءة باهت تبرز قصاصة عتيقة في إحدى
زوايا المكان ، مدون عليها : أن أحد أحفاد فيكتور هوجو أديب فرنسا
الأشهر دخل عليه ذات يوم فوجد خادمة المنزل بين أحضانه ، وإذا بالحيرة التي إنتابت
الحفيد ، تبددها كلمات الأديب الكبير ( أي بني .. هذه هي العبقرية !! ) ، ومع إيحاءات المعنى ، والصورة السينمائية للمشهد يعود التيار ، فينشط عمل الأحداق ، وتعود الخلايا للتكاثر
من جديد .
هذه المرة مع أحدث إعلانات مستحضرات التجميل ، حيث أحمر الشفاه المجرب على
شفاه الباريسيات الفاتنات ، وذاك العطر الذي يعبق المكان عبر شاشة تلفاز عتيق ،
كوب من الشاي الدافئ على عجل الآن ، فلم نلج بعد عصر القهوة التركية ، مع سيجارة
مختلسة من علبة دخان الوالد ، تغدو المشاهد في غاية الإثارة .
قربت الأيام السوداء .. لما لا نكب على كتبنا الدراسية الآن ؟ تباً للكمياء
والفيزياء والأحياء ، حبذا لو غاص مدرسو هذه المواد في محاليل حارقة فتتآكل لحومهم
وعظامهم ، وليذهبوا إلى الجحيم بأنفاسهم التي تفوح منها رائحة الكلور ، كان
جاليليو إستثناءاً بحق ، ألم يقل أن الله صاغ الكون بلغة الرياضيات ؟ .
كانت غابات السافانا أهم من أي نظرية علمية ، مشروب الكوكاكولا أكثر فائدة
من إكتشاف البنسلين ، لما لا نجرب خلط
الفلفل الأسود بالشاي ، الشقيق الأصغر على وشك أن يعاين الآن تجربة القئ عن قرب ، وعلى دراجة منزلية ذات عجلات ثلاث ، أصدر فرعون الأمر لخدم المكان أن يحملوه عليها
جيئة وذهاباً بطول المكان وعرضه ، كانت العصا حاضرة ، وبصوت يتردد لمن يتردد (
العصا لمن عصى ) ، على وقع صراخ الضحكات كانت الأجساد المذعورة تتحاشى أن تكون فى
مرمى العقاب ، لا أجمل من أن يكون أحدنا هو الإبن الأكبر ، ليتقاسم مع الوالدين
بسط السيطرة والنفوذ .
حدث كبير .. قامت الأم بتركيب قفل لباب الثلاجة لقطع الطريق على الفضوليين
، فليكن .. عود معدني بسيط سيعالج الأمر على أحسن ما يُرام ، باتت الفرصة مواتية
الآن لإلتهام المزيد من الزبد الذي أتى لتوه من الجدة المقيمة بالأرياف ، مع آخر
لقمة ، سأخرج لساني ، لكل أولئك الأشرار المقيمين بالمنزل ، ستائر الردهة منسابة
بأريحية ، ستعانق بعد قليل تسديدات صاروخية من أمهر من لامست الكرة قدميه ، وسط
هتاف المشجعين ، يغدو التواضع مطلباً ضروريا ، سأكتفي برفع شارة النصر ، بينما
العيون الخجلة تعانق اللا شئ .
ولا أدك ميه يا أبو العين العسلية .. تنبعث من الجوار ، من تراها هذه التي
تريد أن تقطع رهبة مطالعة إعلانات التعازي بجريدة الأهرام ؟ الكلمات المتقاطعة
بالجريدة كانت غاية في الصعوبة ، يبدو أن شرير آخر يعمل هناك ، يا الله .. لكم
أكره الصحفيين !! .
زميلنا سعيد يحب زميلتنا صدف ، صدف تستلطف سعيد ، على عجل إجتماع لمجلس
الأشرار من رفاق الشلة ، الخطة .. تشويه السمعة أو الإبتزاز ، صفحة ملخصة من مادة
العلوم ، ستتحول إلى خطاب غرامي مختلق من أحدهما للآخر ، مع التهديد بتسليمه لمدرس
المادة ، الهدف .. إستخلاص الفتاة الطيبة من حمى هذا المتأنق التافه ، معارك
بالحجارة ، وأكياس الرمل الصغيرة ، نصب الأكمنة على أطراف الشوارع والحارات للغريم ، كانت
النتيجة مبهرة ، أتت صدف صاغرة لتسليم مفتاح مدينتها ، وبكل نبل الفوارس يأبى الفاتح
الجديد سوى أن يهديها قالب من الشيكولاته ، حصيلة مصروف يومين ، ثم يدعها وينصرف
دون أن ينبس حتى بكلمة !! .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق