في اليوم العالمي للسمنة ، ترتفع معدلات
الإصابة بالسكر وأمراض ضغط الدم ، وفي اليوم العالمي للمرآة ، تزداد نسب التحرش بالسيدات
والفتيات ، وفي اليوم العالمي لمكافحة التدخين ، أقوم بإخراج لساني لمنظمة الصحة العالمية
، فلما عليًّ الآن أن أصدق أن اليوم العالمي لحرية الصحافة له أدني علاقة بالحرية
أو الصحافة ؟ .
نعم .. فقد
إحتفل العالم أول من أمس الموافق الثالث من مايو (بيوم مُر آخر) يسمونه اليوم
العالمي لحرية الصحافة ، وهو تقليد ممل كحال الكثير من المناسبات العالمية ،
وغيرها من الأيام ، والتي لسان حالها في أفضل الأحوال ليس سوى ( جئت لا أعلم من أين ، ولكني
أتيت ، ولقد ابصرت طريقاً قدامي فمشيت ) .
ولأن هذه
الإحتفالات ومثيلاتها ، يغلُب عليها الطابع الكرنفالي ، وإلتقاط صور السيلفي مع
السيدات ذوات (التنانير) القصيرة ، فإنها في الغالب لا تخرج بشئ ذي بال ، إنما
توصيات بائسة ، ومناشدات بلا مضمون تقريباً ، ناهيك عن بعض ورش العمل ، التي يجري
خلالها تبادل أرقام الهواتف ، وعناوين البريد الإلكتروني للمشاركين بها ، مع وعد
بالمتابعة والتنسيق ، إنما على صفحات تويتر والفيس بوك وإنستجرام ! .
في الواقع إنني
لا أعلم تحديداً ، ما المقصود بحرية الصحافة ، ولا ماهية الخطوة التالية التي
يُراد للعاملين في هذا الحقل أن يصلوا إليها بخلاف ما هو حادث الآن ، فالمتابع
للصحافة المكتوبة والتليفزيونية والإلكترونية في المحروسة مثلاً ، يرى أن أفرادها
بالمجمل قد بلغوا شأناً بعيداً على طريق حرية التعبير ، والذي جاوز في كثير من
الأحيان حد الوقاحة ، ولا أعلم تحديداً لماذا يريد أحدهم أن يكون وقحاً أكثر ؟ .
إن القدر
المتيقن منه في إطار حرية الصحافة ببلادنا ، يبدو لي أنه متاح بقدر زائد وفائض عن
الحاجة أحياناً ، فحرية إصدار الصحف أسهل من شراء علبة سجائر ، والصحفيون يعملون
بكامل حريتهم في الصحف ، وكذا وسائل الإعلام ( كمعدين ، ومقدمي برامج ، وأصحاب
مداخلات ثقيلة الظل ) ، ويتنقلون بكل سلاسة وراحة ضمير من مدرسة صحفية إلى أخرى
مغايرة ، ومن قناة فضائية إلى أخرى منافسة ، دون أن يطرف لهم جفن ، ودون أن
يُعيروا أي إهتمام بعلامات التعجب والتساؤل المرسومة على محيا المشاهدين
والمتابعين .
الصحافة جزء
أصيل وكبير ضمن خارطة فساد الأوطان ، وبالتالي فإن محاولتنا البحث عن صحفيين شرفاء
، يحترمون أسنة أقلامهم ، لهم من الضمائر الحية والحقيقية ، ما يجعلك تثق في
أراءهم ، وتقدر إجتهاداتهم ، هو أمر شاق للغاية ، شأنه في ذلك شأن من أراد أن يبحث عن عملة معدنية مفقودة في صحراء الربع
الخالي ، ومع ذلك فإن هذا الصنف العف على قلته - ورغم كل شئ - موجود أيضاً ، وسيظل
موجوداً ، ليكون شاهداً - ربما - على أن كثيراً من أهل البيت ، فضلوا الإعتصام
بجبل يعصمهم من الماء ، بدلاً من الإلتجاء إلى سفينة النجاة .
إن نظرة عابرة
على تجاذبات المعركة الإنتخابية التي جرت مؤخراً لإنتخاب نقيب جديد للصحفيين المصريين
، ستُظهر لك بجلاء ، مدى سطحية هؤلاء الذين يُراد لك أن تصدق أنهم فرسان الكلمة
، الأمناء على وعي الأمة ، قوى المجتمع الناعمة ، أما أولئك النفر من الصحفيين الحقيقيين ، فمغيبون عن المشهد ، كرهاً أو طوعاً ، فتوارى ألقهم وذكرهم ، إلا من خبر جانبي عارض ينعى رحيلهم ، ولربما معاناة أحدهم المرضية .
لا أعلم إن كان
بوسع أحد أن يتبنى فكرة أن يكون هناك يوماً عالمياً موازياً لليوم العالمي لحرية
الصحافة ، ويا حبذا لو أسموه (اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا الصحفيين) ،
بالنظر إلى الشكاوى المتزايدة لبعض من قراء الصحف ، ومتابعي المواقع والبرامج
الإخبارية والتحليلية ، من زيادة نسبة إصابتهم بالكولسترول ، مع إنخفاض ملحوظ لنسبة التستوستيرون في أجسامهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق